الفاشية

Kích thước: px
Bắt đầu hiển thị từ trang:

Download "الفاشية"

Bản ghi

1

2

3 الفاشية مقدمة قصرية جد ا تا ليف كيفن باسمور ترجمة رحاب صلاح الدين مراجعة ضياء و راد

4 Fascism Kevin Passmore الفاشية كيفن باسمور الطبعة الا ولى ٢٠١٤ م رقم إيداع ٢٠١٣/٢١٣٠٠ جميع الحقوق محفوظة للناشر مو سسة هنداوي للتعليم والثقافة املشهرة برقم ٨٨٦٢ بتاريخ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ مو سسة هنداوي للتعليم والثقافة إن مو سسة هنداوي للتعليم والثقافة غري مسي ولة عن آراء املو لف وأفكاره وإنما يع بر الكتاب عن آراء مو لفه ٥٤ عمارات الفتح حي السفارات مدينة نصر ١١٤٧١ القاهرة جمهورية مصر العربية تليفون: + ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ فاكس: + ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ البريد الا لكتروني: hindawi@hindawi.org املوقع الا لكتروني: باسمور كيفن. الفاشية: مقدمة قصرية جد ا/تا ليف كيفن باسمور. تدمك: ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٥٣٨ ٦ ١ -الفاشية ٣٢٠,٥٣٣ أ-العنوان تصميم الغلاف: إيهاب سالم. ي من ع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب با ية وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية ويشمل ذلك التصوير الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مضغوطة أو استخدام أية وسيلة نشر أخرى بما في ذلك حفظ املعلومات واسترجاعها دون إذن خطي من الناشر. ن شر كتاب الفاشية أولا باللغة الا نجليزية عام ٢٠٠٢. ن شرت هذه الترجمة بالاتفاق مع الناشر الا صلي. Arabic Language Translation Copyright 2014 Hindawi Foundation for Education and Culture. Fascism Copyright Kevin Passmore Fascism was originally published in English in This translation is published by arrangement with Oxford University Press. All rights reserved.

5 المحتويات 9 شكر وتقدير 11 ١- مشاهد من تاريخ الفاشية 19 ٢- «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية 39 ٣- فاشية ما قبل الفاشية 55 ٤- إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» 65 ٥- أملانيا: الدولة العنصرية 75 ٦- الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين 89 ٧- هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد 109 ٨- الفاشية والا مة والعرق 123 ٩- الفاشية والنوع 133 ١٠- الفاشية والطبقة الاجتماعية 147 ١١- نحن والفاشية 155 املراجع

6

7 للفاشية ملامح غامضة لا نها تحوي أكثر املضامني تضاد ا فهي تو كد على السلطوية وتو سس للثورة تحارب الديمقراطية املعاصرة ومن ناحية أخرى لا تو من بالعودة لا ي حكم سابق. ويبدو أنها تق دم نفسها باعتبارها صورة للدولة القوية بينما تستخدم أكثر الوساي ل قدرة على تفكيكها وكا ن الفاشية فصيل ه دام أو جماعة سرية. وأي ا كانت طريقة تناولنا الفاشية فسنجد أنها تمثل الشيء ونقيضه في الوقت نفسه. الفيلسوف والكاتب الا سباني خوسيه أورتيجا جاسيت «عن الفاشية» (١٩٢٧)

8

9 شكر وتقدير لا شك أن هذا الكتاب يحوي مجموعة هاي لة من الخبرات العلمية املعاصرة وأنه من املستحيل أن أعبر عن امتناني تعبري ا يفي بحق كل العلماء الذين اعتمدت على أعمالهم في كتابة مادة هذا الكتاب. وقد استفدت استفادة خاصة من قراءة أعمال مارتن بلينكهورن ومايكل بريلي وفولفجانج فيبرمان وروجر إيتويل وروجر جريفني وستانلي باين وديف رينتون. وقد ساعدني مارك دونوفان ومارتن دورهام ومورا هامتز في أجزاء بعينها من هذا الكتاب. وقرأ ك ل من مارك دونوفان وستيفان برجر وبات هدسون وجارثني ووكر مجمل مخطوطة الكتاب أو جزء ا منها. وأود أيض ا أن أعرب عن امتناني وشكري للقراء املجهولني على اقتراحاتهم املفيدة ولكاثرين ريف على جهدها التشجيعي والداعم في تحرير الكتاب.

10

11 الفصل الا ول مشاهد من تاريخ الفاشية إيج مورت فرنسا ١٨٩٣ في نهاية القرن التاسع عشر كانت غالبية امللاحات في فرنسا املتوسطية غري مزودة باملاكينات الحديثة وكانت مهمة حمل امللح عملا شاق ا مشقة لا تعادلها مشقة. وتحت لهيب شمس أغسطس املحرقة كان العمال يدفعون عربات يد ثقيلة محملة بامللح على ألواح خشبية إلى قمة ركام من امللح لا يفتا يزداد ارتفاع ا. وملا كان العمل موسمي ا كان الا مر خيار ا لا بد منه أمام العمال الفقراء ال رحل الذين كان العديد منهم مهاجرين إيطاليني نظر ا ملا كانت فرنسا تعانيه من نقص في الا يدي العاملة. في السادس عشر من أغسطس عام ١٨٩٣ في ملاحة إيج مورت انتشرت شاي عات عارية من الصحة با ن ثمة إيطاليني قتلوا ثلاثة عمال فرنسيني الا مر الذي أثار موجة محمومة من مطاردة املهاجرين عاثري الحظ. في صبيحة اليوم التالي اقتادت الشرطة أكبر عدد ممكن من الا يطاليني إلى محطة السكك الحديدية. وفي الطريق تع رض العمال املذعورون لاعتداء وحشي من جانب مواطنني فرنسيني فلقي ستة إيطاليني على الا قل مصرعهم في الطريق إضافة إلى اثنني آخرين في مكان آخر. وفي نهاية الا مر س مح للا يطاليني باللجوء إلى «حصن كونستانس» وهو أحد حصون القرون الوسطى في إيج مورت. ولا ي عرف إلى الا ن عدد الا يطاليني الذين ق تلوا على يد مجهولني في مستنقعات امللح خلال اليومني التاليني. في تلك الفترة شاع الشجار بني الفرنسيني واملهاجرين لكنه لم يكن يسفر عادة عن سقوط قتلى. وصارت كراهية العمال الا جانب سمة مميزة لكل الاتجاهات السياسية ففي إيج مورت رفع رتل من العمال الفرنسيني راية حمراء في وجه نظراي هم الا يطاليني. إلا أن مذبحة إيج مورت كانت غري مسبوقة.

12 الفاشية تصادف أن موريس باريه وهو كاتب يعتبره البعض أحد من أسسوا لفكر الفاشية كان قد اتخذ إيج مورت مسرح ا لا حداث روايته «حديقة بريينيس» التي صدرت عام ١٨٩٠ واستخدم «حصن كونستانس» باعتباره رمز ا لشكل جديد من النزعة القومية. رفض باريه وجهة النظر الليبرالية والديمقراطية التي ترى أن الدولة تعبري عن املصالح الرشيدة لا ي فرد (ذكر) يقيم في فرنسا فقد رأى أن مفهوم الدولة ينبثق من شعور روحي لا يدركه فهم الا نسان العادي وهي وجهة نظر نجمت عن الا فكار النفسية التي سادت آنذاك بشا ن اللاوعي البشري الجمعي وعن الحركة الرمزية في الا دب التي كانت تو من با ن الفن يستطيع أن يصل إلى الا ساطري الخفية الكامنة وراء السلوك البشري. كانت الدولة من وجهة نظر باريه نتاج ا للتاريخ والتقاليد ولارتباط طويل الا مد بني الفلاحني الفرنسيني والتراب الوطني. كان بطل روايته يستطيع أن يرى من فوق أعلى قمة «حصن كونستانس» رحابة الريف الفرنسي. ويتواصل مع ماضي فرنسا في القرون الوسطى ويدرك أنه كفرد ليس سوى «ذرة واحدة من تراب هذا الريف الشاسع». لم يكن من املمكن قط أن يكون بطل رواية باريه أحد املهاجرين لا نه كان جزء ا لا يتجزأ من التراب الفرنسي. قد يبدو أن باريه ليس سوى فنان آخر مهووس بذاته ومقتنع با نه يمتلك مفاتيح النفس البشرية. في الواقع ثمة قدر كبري من هذا النوع من الغطرسة في أعمال باريه الا دبية. لكن الا مر لا يقف معه عند هذا الحد فقد انت خب باريه عام ١٨٨٩ ناي ب ا عن مدينة نانسي الواقعة شرق فرنسا في البرملان بوصفه من أتباع الجنرال بولانجيه وهو رجل عسكري كان قد وعد بتطهري فرنسا من السياسيني البرملانيني الفاسدين. علاوة على أن حملة باريه الانتخابية استغلت ما كان يتسم به سكان مدينة نانسي من عداء للسامية. ظل باريه مقتنع ا با ن القومية ح ل لجميع املشاكل. وقبل بضعة أسابيع من وقوع مذبحة إيج مورت كتب سلسلة من املقالات لصحيفة «لو فيجارو» تحت عنوان شابه الغموض هو: «ضد الا جانب». ن شرت هذه املقالات في وقت كانت فيه العلاقات الا يطالية الفرنسية تشهد تدهور ا وكان ي شتبه في كون املهاجرين الا يطاليني جواسيس. صحيح أن باريه لم يكن مسي ولا مسي ولية مباشرة عن أحداث إيج مورت لكن رواياته وما كتبه من مقالات سياسية جعلت شيوع كراهية الا جانب مرتبطة بالا صول الفكرية الا ولى للفاشية. وفي عام ١٨٩٨ وصف باريه نفسه با نه «اشتراكي قومي». 12

13 مشاهد من تاريخ الفاشية روما ١٦ نوفمبر ١٩٢٢ ق دم بنيتو موسوليني ري يس الوزراء املعني حديث ا حكومته إلى البرملان في السادس عشر من شهر نوفمبر عام ١٩٢٢. بدا موسوليني واثق ا ثقة كبرية رغم أن عدد أعضاء البرملان من الفاشيني كان ٣٢ عضو ا فحسب. فقد رآه الصحفيون في مزاج راي ق ووقف أمامهم رجلا ذا إرادة وصاحب قرار. كان من الواضح أنه ينعم بالا قامة في الفندق الفخم الذي كان قد اتخذه سكن ا (مع حرسه املسلحني الذين كانوا يرتدون ملابس رثة). لم يكن من الواضح بعد ما ستعنيه الفاشية في املمارسة العملية على أرض الواقع. إن ميليشيات «أصحاب القمصان السوداء» لم تن ظم مسرية «الزحف إلى روما» بهدف أن يتحول موسوليني بعدها إلى ري يس وزراء آخر يرفل في رغد العيش ضمن النظام الليبرالي بل كانت تتوقع أن تندلع «ثورة وطنية» شاملة. لكن الفضل في تصعيد موسوليني لم يكن ي عزى إلى أصحاب القمصان السوداء وحدهم فقد ق دم السياسيون الليبراليون الذين حكموا ملوسوليني ري اسة الوزراء قبل وقت طويل جد ا من وصول أصحاب القمصان السوداء إلى العاصمة روما. فمن ستكون له اليد العليا: أصحاب القمصان السوداء أم حلفاء موسوليني املحافظون ي عزى الفضل أيض ا ملوسوليني نفسه فقد صرح لصحفي في جريدة «التايمز» أنه ينوي تحسني مستويات معيشة الفقراء وأنه يخب ي للطبقة البرجوازية بعض املفاجا ت غري السارة. ونما إلى علم البعض أنه سيعلن نفسه «أمري الرجعيني» وينشي وزارة خاصة للشرطة أو أنه يعتزم إخضاع الناس لا رادته عن طريق تكوين مجتمع وطني جديد. ولم يكن احتقار موسوليني لا تباعه العسكريني يقل عن احتقاره للسياسيني البارزين. لكن لم يكشف الخطاب الذي ألقاه موسوليني في البرملان النقاب إلا عن القليل فقد ضاعف من تا كيداته على سيادة مو سسات الدولة مدعي ا أن الحكومة الدستورية با مان لكنه ه دد نواب البرملان بالثوار الفاشيني في حال رفضهم منحه سلطات تشريعية خاصة. تورنو سيفريين رومانيا مايو ١٩٢٤ رغم قوة الا دلة التي كانت تدين كورنيليو كودريانو الطالب بكلية الحقوق في جامعة ياش الرومانية والبالغ من العمر ٢٤ سنة إلا أنه لم يكن يشعر بالقلق البالغ خلال انتظاره قرار املحلفني في محاكمته بتهمة القتل ربما لا ن جميع املحلفني كانوا يرتدون 13

14 الفاشية فوق طيات ستراتهم شارة الصليب املعقوف. حتى محامي الادعاء تح دث عن ظروف من شا نها أن تخفف الحكم إذ قال: «إن الفوضى قد اجتاحت الجامعة بسبب وجود عدد كبري من الا جانب.» الا مر الذي أضفى جاذبية على دعوة «رومانيا للرومانيني». حصلت رومانيا على أراض اقت طعت من الا مبراطوريتني النمساوية املجرية والروسية على سبيل املكافا ة على الدور الذي لعبته في انتصار الحلفاء في الحرب العاملية الا ولى. كانت تقطن هذه «الا راضي الجديدة» أقليات ليست صغرية العدد من اليهود واملجريني والا ملان الذين كان لهم وجود كبري ضمن الا عمال باملناطق الحضرية والطبقات املهنية. أجمع الرومانيون على ضرورة انصهار «الا راضي الجديدة» في دولة قومية رومانية متجانسة واحدة وعلى وجوب إحلال الرومانيني الا صليني محل اليهود في الا عمال واملهن وأنه سيجرى «إدماج» بعض الا قليات بينما سيجري إقصاء البعض الا خر لا سيما اليهود. كان الطلاب الرومانيون مثل كودريانو في حرم جامعة ياش في مولدافيا يتصدرون طليعة النضال من أجل «ر و م نة» الا راضي الجديدة وكان مثقفو رومانيا داي م ا يعتبرون أنفسهم ر واد الحركة القومية. اعتبر هو لاء القوميون الراديكاليون محامو رومانيا وأطباؤها في املستقبل اليهود مسي ولني عن الصعود الذي لم ي كتب له الاستمرار طويلا في نشاط اليساريني في أعقاب الحرب العاملية الا ولى. شعر كودريانو أن الطلاب الرومانيني يعانون «الاختناق بسبب ذلك الحشد الهاي ل من الطلاب اليهود من محافظة بيسارابيا الذين يعملون جميع ا عملاء لنشر الشيوعية.» وفي عام ١٩٢٢ اندلعت في جميع أنحاء رومانيا حملة لتقييد التحاق اليهود بالجامعات (تحديد تمييزي لعدد الطلاب اليهود املقبولني في الجامعات). حيني ذ اعتبر القوميون الراديكاليون أن رفض الحكومة هذا التقييد دليل على تحيز السلطات لا عداء رومانيا. ومع ذلك ب رأت املحاكم طالب ا كان قد ات هم باغتيال شخص تردد أنه مرشد للشرطة. في أكتوبر عام ١٩٢٤ اغتال كودريانو مدير الشرطة في ياش الذي كان معارض ا للحركة الطلابية. فشلت املحاولة الا ولى ملحاكمته في مدينة فوكسياني املولدافية بسبب اندلاع أعمال شغب معادية للسامية. وفي شهر مايو انعقدت املحاكمة مجدد ا في بلدة تورنو سيفريين الصغرية الواقعة على نهر الدانوب البعيد والتي أملت الحكومة أن تكون أجواؤها أكثر هدوء ا لا تمام املحاكمة. لكن أثار الا لاف من أنصار كودريانو مشاعر العداء للسامية لدى أهل البلدة فارتدى جميع الا هالي امللابس الوطنية وتباهى البعض بشارة الصليب املعقوف. حاولت نقابة املحامني الرومانية أن تضمن عدم تمثيل أي من أعضاي ها 14

15 مشاهد من تاريخ الفاشية املجر يوغسلافيا اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ١٠٠ ٥٠ ٠ كيلومتر تشريناوتس نهر دنيستر كونستانتسا البحر الا سود تيشيناو بسارابيا دوبروجا نهر بروت جالاتي مولدافيا ياش بلويستي بوخارست بوكوفينا براشوف والاشيا نهر الدانوب بلغاريا كلوج ترانسيلفانيا ألبا يوليا كرايوفا تورنو سيفريين أراد تيميشورا بانات نهر الدانوب أراض كانت روسية فيما سبق أراض كانت تابعة لا مبراطورية هابسبورج فيما سبق (مملكة املجر) أراض كانت تابعة لا مبراطورية هابسبورج فيما سبق (نمساوية) حدود عام ١٩١٤ حدود عام ١٩٢١ خريطة ١: رومانيا. أرملة مدير الشرطة ورغم نجاح الادعاء في توكيل أحد املحامني الضعاف حصل كودريانو على البراءة وهو ما لم يكن مفاجا ة على الا طلاق. اشتهر كودريانو تاريخي ا بوصفه قاي د «كتيبة ري يس امللاي كة ميخاي يل» املعروفني أيض ا باسم الحرس الحديدي. خاضت هذه املنظمة الفاشية معركة مريرة تخللتها اغتيالات سياسية كانت موجهة ضد سلسلة من الحكومات الدستورية ثم بعد ذلك ضد الديكتاتورية امللكية. وفي نوفمبر عام ١٩٣٨ قمعت الحكومة امللكية الحرس الحديدي وأعدمت كودريانو شنق ا. 15

16 الفاشية شكل 1-1: كودريانو يتفقد قواته. لاحظ لباسه الريفي تحت معطفه وقبعته الحضريني. 1 دار أوبرا «كرول» أملانيا ٢٣ مارس ١٩٣٣ ع قدت الجلسة الافتتاحية للبرملان الا ملاني السابق «الرايخستاج» في دار أوبرا «كرول» الواقعة بمنطقة «تريجارتن» وسط برلني بعد أن دمر حريق مبنى الرايخستاج قبل بضعة أسابيع. داخل القاعة تد لى علم ضخم يحمل رمز الصليب املعقوف وراء املنصة التي شغلها مجلس الوزراء وري يس البرملان الا ملاني. وكي يتمكن النواب من الدخول إلى القاعة كان عليهم أن يتحملوا الا هانة أثناء مرورهم وسط جمع مريع من شباب وقح يحتشدون في الساحة الشاسعة املواجهة للمبنى ويرتدون شارة الصليب املعقوف وينادون النواب با وصاف مثل «خنازير الوسط» أو «خنزيرات املاركسية». كان النواب الشيوعيون قد اعت قلوا إثر مزاعم بتورط حزبهم في إحراق مبنى الرايخستاج واحت جز أيض ا عدد قليل من الاشتراكيني وألقي القبض على أحدهم لدى دخوله املبنى. واصطف أفراد كتيبة العاصفة النازية وراء الاشتراكيني وسدوا مخارج املبنى. كان هناك موضوع واحد فقط مطروح أمام الرايخستاج: تمرير «قانون تمكني» يمنح املستشار الا ملاني سلطة إصدار قوانني دون موافقة البرملان حتى إذا كانت قوانني تخالف الدستور. وملا كان القانون يستلزم تعديلا للدستور كان ذلك يتطلب موافقة أغلبية الثلثني ومن ثم كان النازيون بحاجة إلى دعم املحافظني. حوى الخطاب الذي 16

17 مشاهد من تاريخ الفاشية ألقاه هتلر لطرح القانون املقترح تطمينات للمحافظني با ن تمريره لن يهدد وجود البرملان ولا منصب مثلهم الا على الري يس هيندنبورج ما جعل من املنطقي أن يصوت املحافظون ملصلحة قانون التمكني. قرأ هتلر إعلانه في تج هم حا د ورباطة جا ش استثناي ية. لم يتج ل انفعاله املعروف عنه إلا عند دعوته لا عدام مدبر حريق الرايخستاج على رءوس الا شهاد ووعيده الشرس للاشتراكيني. وفي نهاية كلمته هدر النواب النازيون بصوت مد و: «أملانيا فوق الجميع.» رد ا على هتلر احتج الاشتراكي أوتو فيلز بشجاعة مستند ا إلى «مبادئ الا نسانية والعدالة والحرية والاشتراكية». لكن السفري الفرنسي يتذكر أنه تح دث بنبرة أشبه بصياح طفل مضروب. واختتم فيلز الذي غص الانفعال صوته كلمته بالا عراب عن أطيب أمنياته لا ولي ك الذين تحفل بهم السجون ومعسكرات الاعتقال. رد عليه هتلر الذي كان يدون امللاحظات في عصبية محمومة منفعلا ومتهم ا الاشتراكيني با نهم قد عذبوا النازيني طوال ١٤ عام ا. في الواقع لم يكن النازيون يعاق بون على أنشطتهم غري املشروعة في حال عقابهم من الا ساس إلا با خف العقوبات. قوبل رد هتلر بصيحات الاستهجان من الاشتراكيني لكن من وراي هم كان هسيس أفراد «كتيبة العاصفة» يتردد: «سوف ت عدمون شنق ا اليوم.» وافق البرملان على «قانون التمكني» با غلبية ٤٤٤ صوت ا مو يد ا مقابل ٩٤ صوت ا معارض ا من الاشتراكيني الا مر الذي أطاح بسيادة القانون وأرسى الا ساس لنوع جديد من السلطة القاي مة في املقام الا ول على إرادة الفوهرر. عملي ا منح هذا القانون النازيني الحق في اتخاذ ما يرونه مناسب ا ما يحقق «املصالح العليا للشعب الا ملاني» ضد أي شخص يعتبرونه عدو ا للرايخ وكان الاشتراكيون أول الضحايا. هوامش (1) Hulton Archive. 17

18

19 الفصل الثاني «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية استخدم موسوليني مصطلح «الفاشية» لا ول مرة لوصف حركة سياسية جمعت بني التعصب القومي والعداء لك ل من اليسارية والسياسة املحافظة عام ١٩١٩. وبعد ثلاث سنوات تولى موسوليني مقاليد السلطة على رأس اي تلاف مدعوم من املحافظني وفي عام ١٩٢٦ بدأ يو سس ديكتاتورية واسعة النطاق. وبحلول هذا الوقت باتت الفاشية محط إعجاب عدد كبري من الشخصيات السياسية والا دبية البارزة في بقاع كثرية خارج إيطاليا لم تكن كلها تنتمي للتيار اليميني. ثم ضربت النازية ضربتها إبان فترة الا زمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بدأت عام ١٩٢٩ وصعدت إلى السلطة في يناير عام ١٩٣٣. وفي الوقت الذي بدأ فيه موسوليني يو سس مجتمع ا «شمولي ا» شرع هتلر في بناء «يوتوبيا» عنصرية وهو الحلم الذي استتبع إقصاء اليهود من أملانيا والغزو العسكري لا وروبا الشرقية. في الوقت نفسه ظهرت حركات فاشية كبرية في العديد من البلدان الا وروبية الا خرى وفي البرازيل أيض ا. صار الصراع بني الفاشية ومعارضيها يهيمن أكثر فا كثر على املشهد السياسي إذ فازت الجبهات الشعبية املناهضة للفاشية بالسلطة في فرنسا وإسبانيا. حتى في البلدان التي كانت الفاشية بني مواطنيها فيها ضعيفة مثل السويد طرحت الحكومات اليسارية سياسات مبتكرة لدعم الرفاه الاجتماعية وأسعار السلع الزراعية كي تدرأ تهديد الفاشية املحتمل. لكن سياسة التوسعية التي تبناها موسوليني وهتلر نشرت الصراع بني الفاشية ومعاداة الفاشية في ميدان العلاقات الدولية أيض ا الا مر الذي فرض خروج حتى الاتحاد السوفييتي املنبوذ من عزلته الدبلوماسية. وبدء ا من عام ١٩٣٩ كان غزو النازيني جزء ا كبري ا من أوروبا فرصة لتولي الفاشيني مناصب لفترة وجيزة في حكومات البلدان التي كانوا سيشغلون فيها موقع املعارضة لولا غزو النازيني لا سيما في كرواتيا

20 الفاشية ورومانيا. لكن رغبة الفاشيني والنازيني الشرهة في الغزو أوجدت تحالف ا دولي ا نجح في نهاية املطاف في سحق الفاشية لكن على حساب امللايني من القتلى والجرحى واملشردين. بعد عام ١٩٤٥ ما انفك إرث الفاشية يشكل املشهد السياسي فقد استمد القادة السياسيون لدول الحلفاء الشرعية من دورهم في هزيمة الفاشية في حني زعمت حكومتا إيطاليا وأملانيا انبثاقهما من الحركة املناهضة للفاشية. وات هم اليسار مناهضي الشيوعية املحافظني با نهم فاشيون في حني ساوى اليمني بني الشيوعية والفاشية. وبالنظر إلى أن الفاشية تحولت إلى مصطلح دارج للا ساءة على اختلاف أشكالها ليس من املستغرب أن من يحاكون الفاشية لم يتحولوا حتى يومنا هذا إلى حركات فاشية حقيقية من الناحية السياسية بل حركات تحمل طابع الفاشية لا سيما تبنيها للقومية وللعنصرية حققت ما يشبه الطفرة خلال أواخر التسعينيات من القرن العشرين. إن الفاشية شا نها شا ن الليبرالية واملحافظية والشيوعية والاشتراكية والديمقراطية إحدى الا يديولوجيات السياسية املهمة التي ش كلت القرن العشرين. وربما يكون الاهتمام بتاريخ الفاشية وجراي مها في القرن الحادي والعشرين أكبر من أي وقت مضى. لكن كيف لنا أن نفهم أيديولوجية جذبت املتطرفني واملثقفني أيديولوجية تندد بالبرجوازية وفي الوقت ذاته تش كل تحالفات مع املحافظني أيديولوجية تتبنى نمط ا ذكوري ا ومع ذلك تروق لعدد كبري من النساء أيديولوجية تدعو للعودة إلى التقاليد وفي الوقت نفسه مفتونة بالتكنولوجيا أيديولوجية تع ظم من الشعب وفي الوقت عينه تحتقر الجماهري أيديولوجية تدعو للعنف باسم النظام إنها الفاشية! كما وصفها أورتيجا جاسيت: داي م ا «الشيء ونقيضه». لا تزال توجد مشكلة أخرى أكثر جوهرية فا ن التباين في الحركات والا نظمة محل النقاش كبري بدرجة مثرية للجدل إلى حد أننا لا يمكن أن نعمم صفة «الفاشية» عليها كلها وإلا فا ننا نحجب بذلك السمات املميزة لكل منها. هل استخدام مصطلح «الفاشية» ينفي طابع الشر الفريد من نوعه عن النازية هل من الا فضل أن نصن ف النازية والستالينية مع ا بوصفهما مثالني على الشمولية إن عنوان هذا الكتاب في حد ذاته يوحي با نني أعتقد أن «ثمة» شيي ا ما يضيفه استخدام مفهوم الفاشية لذلك يجب أن أبدأ بتفسري هذا التناقض. من يبحث في أدبيات الفاشية على أمل التوصل ملعنى دقيق لها كثري ا ما ينتهي به الا مر ياي س ا خلي الوفاض يزفر في ضجر قاي لا : «الا مر يعتمد على التعريف ومن ثم لا بد 20

21 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية أنها مسا لة رأي شخصي.» وهذا صحيح فكل شيء يعتمد بالفعل على التعريف لكن هذا لا ينبغي أن يكون سبب ا لا همال هذا املفهوم. أخشى أن أ ثقل على صبرك عزيزي القارئ لكني أريد أن أشرح ما نبتغيه من تعريفات فكيف إذن يمكننا أن نع رف التعريفات أحد مبررات استخدام مصطلح الفاشية (أو أي مفهوم آخر مماثل) هو أنه يتيح تقييم الاتجاهات املشتركة بني أكثر من بلد واحد وحقبة تاريخية واحدة واملقارنة بينها. والا قرار بعموميات كهذه لا يتعارض مع التفرد الذي يميز كل حركة ونظام على حدة بل في الواقع املقارنة هي السبيل الوحيد لاكتشاف ما يميز مسا لة ما عن غريها فا حيان ا تكون هناك سمات فريدة مهمة للغاية كالدافع النازي لا قامة «دولة عنصرية». ومع ذلك من املشروع تمام ا أن نركز على جوانب عامة أو محددة هذا يتوقف على ما يطرحه املرء من أسي لة أو ما يبتغيه من اهتمامات طاملا أن املفاهيم املستخدمة تتسع لوجهات نظر أخرى. لكن ذلك لا يعني أن جميع الا ساليب مفيدة بالقدر نفسه بل يجب صياغة أي مفهوم بطريقة تجعله يخضع للنقد ويواجه أي تعارض ممكن. على سبيل املثال مفهوم الع رق كما ير وجه الفاشيون ليس أكثر من تحي ز أو تع صب دوجماي ي لا يخضع لا ي تحليل نقدي. ووراء العنصرية يوجد نوع من التفكري املزدوج يجعل الا يمان بالا همية الحاسمة للع رق في ما من من الا دلة التي تدحض صحته. وهكذا إذا كان شخص ما مقتنع ا با ن اليهود هم السبب في ما أسفرت عنه الرأسمالية من شرور أو با ن قيادة الساي قني الا سيويني سيي ة (نوعان من التحيز الشاي ع لدى العنصرية املعاصرة) فستجده قادر ا على أن يسوق عدد ا لا حصر له من الا مثلة على رأسماليني يهود وساي قني آسيويني سيي ني للتدليل على «أنهم» جميع ا «سواء». لكن الا مثلة التي تتضمن تجاوزات رأسماليني غري يهود أو ساي قني بيض سيي ني لا ي نظر إليها بهذه الطريقة نفسها فا ن حدث ولاحظها أحدهم فسيتغاضى عنها باعتبارها انحراف ا فردي ا لا ي رد إلى الا صل العرقي ولن يع لق أحد با ن هذا السلوك «سمتهم املا لوفة» إذا حدث أن انتقل أحد الساي قني البيض من حارة في الطريق إلى أخرى دون أن يراقب حركة السيارات الا تية من وراي ه. ما يحدث في الواقع أن سلوك «هو لاء» ي عرف بالنظر إلى عرقهم بينما السلوكيات السيي ة التي قد تبدر منا «نحن» ليست سوى حالات فردية. ونظر ا لا ن تفسري هتلر لنشوء النازية على أنه نتيجة للصراع بني العرقني الا ري واليهودي يقوم على افتراضات على هذه الشاكلة لا سبيل لدحضها فلا يمكن قبوله على الا طلاق كوسيلة لفهم الفاشية إذ يجب أن تسمح تعريفاتنا بالتحليل النقدي والدراسة. 21

22 الفاشية إن إثبات خطا التعريفات العلمية ليس بالغ السهولة كما هي الحال بالنسبة للتعريفات التي ر وجها الفاشيون أنفسهم فمعظمها يحمل «بعض» القيمة. لكن كيف لنا أن نح دد أفضل التعريفات لا يجب أن يكون التعريف قابلا للدحض فحسب بل يجب أيض ا أن ينري الطريق ويقدم توضيح ا ملعنى الا شياء التي نعرفها عن العالم فنحن مثلا لا نستطيع أن نميز شخص ا مثلنا من بني البشر إذا لم يكن لدينا بالا ساس مفهوم يوضح ما هو «الشخص». إن حياة البشر من التنوع بحيث لا يمكن لا ي مفهوم أن يوضح «ك ل» ميزة لا ي موضوع قيد الدراسة ودراسة الفاشية لا ت ستثنى من هذه القاعدة. لكن بعض املفاهيم تقدم تفسريات «أكثر» من غريها لذا لا بد لنا أن نسا ل عن مقدار ما يشرحه مفهوم واحد بعينه من موضوع دراستنا وأي جوانب منه. تنشا الصعوبات حينما يدعي العلماء أن نظريتهم الا ثرية هي السبيل «الا وحد» لفهم الفاشية. وملا كانت أي حركة سياسية من التعقيد بحيث لا يمكن أن يشملها مفهوم واحد فسرعان ما يصطدمون بالا دلة التي لا «تتماشى» مع نظريتهم فيلت فون حول املشكلة بزعمهم أن نظريتهم تشرح أكثر جوانب الفاشية «أهمية» وتتغاضى عن سماتها املعقدة لا نها أقل أهمية. للا سف هذا التصنيف لسمات الفاشية إلى سمات أساسية وثانوية ليس سوى عمل اعتباطي أو تحكمه التفضيلات السياسية. أود الا ن أن أعرض بقدر أكبر من التفصيل بعض الطرق الري يسية التي جرى فهم الفاشية من خلالها. ونظر ا لا ن هناك عدد ا كبري ا جد ا من النظريات عن الفاشية فا نه من الضروري أن أتناول الا مر بشيء من التبسيط لذا فقد آثرت أن أج مع النظريات وفق ا ملا إذا كانت ترى أن الجوانب الا ساسية للفاشية هي الجوانب املحافظية أم الراديكالية. كلا النهجني مفيد لكن أي ا منهما لا يمثل السبيل الوحيد لفهم الفاشية. وسوف أقترح في نهاية هذا الفصل تعريف ا أشعر أنه أكثر اكتمالا على النحو الذي بينت ه أعلاه يجمع نقاط القوة في النظريات الا خرى ويمكنه التعامل مع تناقضات الفاشية التي أبرزت ها في الفصل السابق. ومع ذلك حتى هذا التعريف لا يمكنه أن يشمل جميع جوانب الحالات الفردية لكن لعله يساعد في فهمنا لظاهرة الفاشية. مناهج املاركسية لتناول الفاشية إن املاركسية في أبسط صورها تفترض أن املجتمع الحديث ينقسم إلى طبقتني أساسيتني: الطبقة البرجوازية أو طبقة الرأسماليني التي تملك وساي ل الا نتاج 22

23 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية (الا دوات واملصانع) لكنها لا تمارس العمل اليدوي والطبقات العاملة أو البروليتاريا التي تمارس العمل اليدوي لكنها لا تملك وساي ل الا نتاج. ويتصارع الرأسماليون والبروليتاريا على ملكية وساي ل الا نتاج والسيطرة على الدولة. يوجد بني هاتني الطبقتني الكبريني طبقة البرجوازية الصغرية التي تضم أصحاب الا عمال الحرة وصغار رجال الا عمال والفلاحني واملوظفني ذوي الياقات البيضاء. لا يتضح إلى أي الجانبني تنتمي البرجوازية الصغرية: رأس املال أم العمال فهي تملك ممتلكات لكنها مع ذلك تتعرض للاستغلال من قبل الشركات الكبرى. تو كد جميع مناهج تناول املاركسية للفاشية على الصلات التي تربطها بالرأسمالية. كان أكثر تعريفات الفاشية تا ثري ا التعريف الصادر عن «مو تمر الا ممية الشيوعية» لعام ١٩٣٥ والذي ن ص على أن «الفاشية املمسكة بزمام السلطة هي الديكتاتورية الا رهابية السافرة لا كثر عناصر الرأسمالية املالية رجعية وشوفينية وإمبريالية.» كان الاعتقاد أنه عندما بلغ ضغط البروليتاريا لتدمري الرأسمالية أبعاد ا متطرفة لجا الرأسماليون للا رهاب للدفاع عن سيطرتهم على وساي ل الا نتاج. وكان رأي «الا ممية الشيوعية» أن الا زمة التي عانتها الرأسمالية على درجة من الخطورة لم تكف معها الديكتاتورية التقليدية لذلك استخدم الرأسماليون الحركة الفاشية الشاملة لتدمري الاشتراكية. ويذهب تعريف عام ١٩٣٥ إلى أن الفاشية ليست «صنيع» الرأسماليني لا نها اعتمدت أيض ا على أفراد من طبقة البرجوازية الصغرية التي كانت ناقمة نقمة شديدة على رأس املال الكبري لكن الرأسماليني استطاعوا رغم ذلك إقناع البرجوازية الصغرية والتاي هة داي م ا بني الجانبني با ن مصلحتها في الدفاع عن امل ل كية من خطر الاشتراكية. وما إن قفزت الفاشية إلى ال سلطة ود مرت الحركة العمالية لم يعد الرأسماليون بحاجة للفاشية فعمدوا إلى قمعها أو تهميشها. لم يم ر هذا التعريف دون اعتراض من جانب املاركسيني فقد شعر بعضهم أنه ي س م جميع الا نظمة الديكتاتورية دون تمييز با نها فاشية. ف ضل ليون تروتسكي أن يميز بني الديكتاتوريات الفاشية وما يطلق عليها «البونابرتية» التي نشا ت عندما كانت هناك حالة من الجمود بني العمال والرأسماليني لم يكن من املمكن معها أن يهزم أحدهما الا خر الا مر الذي سمح للدولة أن تصبح سيدة املوقف مو قت ا. ولم يكن نظام كهذا قوي ا بما فيه الكفاية لا ن يدمر اليسار ومن ثم كان أقل خطورة من النظام الفاشي. شعر املاركسيون الا خرون أن البرجوازية الصغرية تلعب دور ا أكثر استقلالية مما ادعت الا ممية الشيوعية وأنها تقف إلى حد ما في طريق مصالح الرأسماليني. تبن ى 23

24 الفاشية املاركسيون هذه الانتقادات في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين في محاولة لا ضفاء قدر أكبر من املرونة على نموذجهم. لكن معظم املاركسيني لم يتخلوا عن قناعتهم با ن الفاشية تعمل «بالا ساس» ملصلحة الرأسمالية. ومع ذلك لم يكن هناك فرق واضح بني التفسريات التي قدمها املاركسيون الذين تخ لوا عن أولوية دفاع الرأسمالية عن نفسها والتفسريات التي قدمها غري املاركسيني. وقد بذل املو رخون املاركسيون جهد ا كبري ا اتسم في كثري من الا حيان بقدر كبري من املوهبة والخيال لا لقاء الضوء على العلاقة بني الفاشية والرأسمالية وبينوا أن خطاب الفاشية الثوري لا يمكن أن يو خذ بظاهره. وتكمن قوة النهج املاركسي في أنه يضع الفاشية في سياق النضالات الاجتماعية الا شمل التي شهدها القرن العشرون. وفي الواقع يتعامل النهج املاركسي مع الا سباب دون غريها تقريب ا ولا يبني ما يكفي حول كيفية التعرف على الحركة الفاشية باستثناء أنه سيتخذ شكل حزب جماهريي مكون من أفراد البرجوازية الصغرية يطمح إلى الديكتاتورية وينكر لكل من الرأسمالية والاشتراكية وفي الوقت نفسه يخدم مصالح الرأسمالية بطريقة أو با خرى. واملشكلة الري يسية هنا هي أن النهج املاركسي لا يقدم ما يكفي لكي يدعم الزعم با ن الفاشية تخدم مصالح الرأسمالية وذلك لا ن الرأسمالية قوة عاتية في املجتمع الحديث بدرجة تم كنها من أن تزدهر في ظل أي نظام لا يدمرها تمام ا. ويضاف إلى ذلك أنه في حني لا يمكن إنكار أن الرأسمالية تكي ف كل أنواع العلاقات الاجتماعية فلا سبيل أيض ا لا نكار تا ثريات الا يديولوجية والدين وما إلى ذلك على الطريقة التي يدرك بها الرأسماليون مصالحهم. لذلك يجب أن نوضح السبب في أن بعض الرأسماليني دون غريهم كانوا يعتقدون أن الفاشية تتماشى مع مصالحهم. إضافة إلى ذلك لا تعني قوة الرأسمالية أنها التفسري «النهاي ي» للفاشية. إن املاركسيني في محاولتهم لجعلها كذلك يضطرون إلى تنحية قدر كبري من الفاشية واعتباره ثانوي الا همية. فالاقتناع با ن الفاشية إما أن تعمل في خدمة املصالح الرأسمالية أو تنهار يلزم املاركسيني بالتهوين من شا ن الجوانب الراديكالية للفاشية فهم يرون أن الاشتراكية هي الشكل الحقيقي الوحيد للراديكالية وملا كان الفاشيون ي عارضون الاشتراكية فهم بالضرورة رجعيون. إن املاركسيني ي سقطون من حساباتهم املعارضة الراديكالية التي انتهجتها الحركة الفاشية ضد النخبة الحاكمة القاي مة والسياسيني الساي دين في تيار ي اليسار واليمني وي سقطون أيض ا استعدادهم لتجاهل رغبات رجال الا عمال عندما تبدو أنها تعرقل إقامة مجتمع وطني م ستنفر. 24

25 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية وضرورة إثبات أن الفاشية تخدم في النهاية مصالح الرأسمالية يجعل أيض ا بعض املاركسيني ينظرون إلى ما اتسمت به الفاشية من توسع إقليمي وعنصرية على أنه مكيدة ماكرة لصرف الانتباه عن التوترات بني أنصار الرأسمالية من جهة والفاشية البرجوازية الصغرية من جهة أخرى أو على أنها في الواقع ليست سوى أكثر جراي م الرأسمالية تقدم ا (نسخة حديثة لجريمة استيلاء الا رستقراطيني على أراضي سكان املرتفعات وتهجريهم منها قسر ا). وحتى إذا قبلنا الادعاء املعقول نوع ا ما با ن الفاشية راقت لا صحاب النزعة القومية لرغبتهم جزي ي ا في تقويض سمة «الولاء للطبقة» عند في ة العمال سنظل بحاجة لتفسري املوقف الفكري الذي أدى إلى الاقتناع با ن دفاع الرأسمالية عن نفسها تط لب سياسات مثل قتل املختلني عقلي ا في أملانيا النازية أو «ط ل ي نة» ألقاب العاي لات (أي تغيري ألقاب العاي لات إلى ألقاب إيطالية) في ساوث تريول. ويجب أن يو خذ في الاعتبار الاحتمال با ن السعي لتحقيق هذه الا هداف كان لا سباب لا علاقة لها بمنطق الرأسمالية (امل فترض). الفاشية ومناهضة الحداثة النظرية التالية التي سنتناولها ت عر ف في كثري من الا حيان باسم «الفيبرية» نسبة إلى ماكس فيبر رغم أنها لم تتفرع مباشرة عن منهج ماكس فيبر (١٨٦٤ ١٩٢٠) في علم الاجتماع على الا طلاق. في الواقع كان املو رخون املاركسيون مسي ولني بالدرجة الا ولى عن تطبيق هذه النظرية على إسبانيا وإيطاليا. ومع ذلك يستخدم مصطلح «الفيبرية» حسبما جرت العادة. في حني رأى املاركسيون أن الرأسماليني هم السبب في ظهور الفاشية ألقى «الفيبريون» باللاي مة على الطبقة الحاكمة الا قطاعية أو طبقة ما قبل الثورة الصناعية أي كبار م لاك الا راضي في شرق أملانيا أو في «وادي بو» با يطاليا أو طبقة «اللاتيفونديا» في جنوب إسبانيا أو الطبقة العسكرية في اليابان. وقالوا إن هذه النخب تم كنت من ممارسة نفوذهم الفتاك على مسار تاريخ الا مم لا ن بلدانهم لم تشهد في القرن التاسع عشر ثورة برجوازية ديمقراطية ليبرالية حقيقية. واستغلت هذه النخب التعليم لنشر قيمها الرجعية بني بقية أفراد املجتمع ولجا ت إلى أقصى الوساي ل تهور ا للحفاظ على مكانتها. فقد رعت الحركات القومية الجماهريية في محاولة لتقويض الديمقراطية الليبرالية والاشتراكية إذ دفعت النخبتان الا ملانية والا يطالية بلديهما إلى أتون الحرب عام ١٩١٤ على أمل أن تتيح الحماسة الوطنية لهما فرصة سحق أعداي هما في الداخل. 25

26 الفاشية وحينما فشلت هذه الخطة تحولتا إلى الفاشية في محاولة أخرية لتدمري أعداي هما. لقد كانت الفاشية في الا ساس حركة مناهضة للحداثة وناجمة عن التقارب بني نخب ما قبل الثورة الصناعية والبرجوازية الصغرية الرجعية. أحدث النهج «الفيبري» تحسن ا هاي لا في فهمنا الفاشية داخل سياقها الاجتماعي فقد ب ني أن أفراد الطبقة الا رستقراطية القديمة شا نهم شا ن الرأسماليني كانوا سبب ا مباشر ا لانضمام هتلر إلى الحكومة في يناير عام ١٩٣٣. لكن لا متسع هنا لا ن أتناول هذا النهج بنقد تفصيلي حسبي أن أقول إنه من غري املقنع تمام ا اعتبار الفاشية حركة «مضادة للحداثة» لا نها حملت أيض ا سمات عديدة يراها البعض «حديثة». ثمة صعوبة أخرى تتمثل في أن النهج «الفيبري» يشارك املاركسية في افتراضها أن النخب قادرة على خداع بقية أفراد املجتمع لا سيما أفراد البرجوازية الصغرية متى شاءت. و«الفيبرية» شا نها شا ن املاركسية لا تفسر السمات الراديكالية للفاشية. صحيح أنها تتفوق على املاركسية من حيث ما توليه من اهتمام للا يديولوجية الفاشية لكنها تختزل الا فكار ملجرد تعبريات عن مناهضة الحداثة. الفاشية باعتبارها شكلا من أشكال القومية الشمولية تشمل في ة «الشمولية» مجموعة متنوعة من مناهج تناول الفاشية وهي لا تنفصل كلي ا عن «الفيبرية» لا ن الا خرية تنظر إلى محاولة استعادة شكل من أشكال يوتوبيا ما قبل الحداثة على أنها تش كل مشروع ا شمولي ا. استحدث الفاشيون الا يطاليون كلمة «الشمولية» لتغليف سعيهم إلى إضفاء الصفة «القومية» على الجماهري الا يطالية بغرض إدماجهم ضمن مجتمع هرمي عسكري م ستنف ر يخدم احتياجات إيطاليا. وقد شهد هذا املسمى أ و ج رواجه بوصفه فكرة علمية خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين عندما تبن ى علماء الاجتماع املناهضون للماركسية مفهوم ا ش وه الشيوعية من خلال ربطها بالفاشية. أشهر هو لاء العلماء عالم السياسة الا مريكي كارل يواكيم فريدريك الذي ع رف «الشمولية» كما يلي: (١) حزب شعبي وحيد تحت قيادة رجل واحد يشكل النواة الصلبة للنظام وعادة ما يكون أعلى من البريوقراطية الحكومية أو يكون مندمج ا فيها. 26

27 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية (٢) نظام يمارس الا رهاب من خلال الشرطة أو الشرطة السرية املوجهة ضد خصوم النظام الحقيقيني والوهميني على حد سواء. (٣) سيطرة احتكارية على وساي ل الا علام الجماهريية. (٤) شبه احتكار للسلاح. (٥) سيطرة مركزية على الاقتصاد. (٦) أيديولوجية معقدة تغطي كافة مناحي وجود الا نسان وتتسم با همية قوية [مسيحية أو دينية بصفة عامة] تنبع من مذهب الا لفية. النقطة الا خرية هي أهم النقاط فالفاشيون يهدفون إلى إعادة هيكلة املجتمع وفق ا ملخطط أيديولوجي. يرى من ظرو الشمولية أن مكانة املرء في العالم وفق ثقافة املجتمعات التقليدية مرسومة وفق خطة إلهية. أما التحديث فيتسبب في انهيار الثوابت الدينية ويرى البعض هذا نذير خطر (هو لاء مصابون بما يسمى: يا س أو ارتياع أو شذوذ حضاري) ولذلك يصنعون «أديان ا» بديلة كالشيوعية أو الفاشية. تقول حنا أرندت إن جوهر الشمولية يكمن في استخدام الا رهاب لصنع أيديولوجية تجريدية لفهم العالم ولتدمري كل أشكال التماسك البشري القاي مة باسم هذا املنهاج. انحسر مفهوم الشمولية في السبعينيات ففي ذلك العقد كانت الحرب الباردة قد خ فت حدتها وأظهرت الا بحاث أن الا نظمة النازية والفاشية و(الشيوعية) لم تكن تمثل نظام سيطرة تنازلي ا على الا طلاق بل اتسمت بعدم وضوح هياكل السلطة والفوضى الا دارية. وقد أظهر انهيار الشيوعية عام ١٩٨٩ أدلة جديدة على أهوال الستالينية ومنح الشمولية فرصة جديدة للحياة. في تلك الا ثناء أدى صعود حركة ما بعد الحداثة في الجامعات الغربية إلى إحياء اهتمام العلماء بالا فكار. يصر ما بعد الحداثيني على أننا ينبغي أن نحلل الب نى الداخلية للا فكار لا أن ننظر إليها باعتبارها تعبريات عن املصالح الضمنية الاقتصادية أو الاجتماعية أو غريها. وفي الواقع يعتبر بعضهم أن الا يمان با ي مبدأ أساسي م ن ظم سواء أكان الا يمان باهلل أو بالطبقة أو بالدولة أو بالعرق قمعي في جوهره وهذه الرؤية تلتقي مع رؤية النظرية الشمولية إلى الفاشية على أنها تمثل محاولة لخلق عالم مثالي وفق ا ملبادئ مجردة. حتى العلماء الذين لم يتبنوا مبادئ ما بعد الحداثة بدءوا يو يدون الا فكار الفاشية مجدد ا لا سيما فكرة القومية. 27

28 الفاشية ويرى كثري من العلماء املعاصرين أن القومية املتطرفة جوهر للا يديولوجية الفاشية. يقول روجر جريفني إن الفاشية شكل من أشكال «التعصب القومي الشعبوي» يهدف إلى إعادة بناء الدولة في أعقاب أزمة وتدهور كبريين ويستخدم لوصف الفاشية املصطلح الفيكتوري «الا حياء» الذي يعني «البعث من تحت الرماد». ومحاولة إحياء القومية هذه شمولية في طموحها إن لم يكن في تحقيقها. في ذلك الوقت أحيا مايكل بريلي فكرة النازية لتكون بديلا للدين. يرى من ظرو الشمولية أن الا فكار الفاشية «ثورية» لا ننا إذا كنا نريد بناء يوتوبي ا فلا بد من هدم جميع الهياكل القاي مة سواء أكانت تلك الهياكل أحزاب ا أو نقابات عمالية أو عاي لات أو كناي س. وتشمل الثورة أيض ا خلق «إنسان فاشي جديد» يعيش من أجل الدولة فقط. وملا كان الناس في الواقع متنوعني وبعيدين عن بلوغ الكمال فا ن القوة هي السبيل الوحيد لجعلهم يتقلدون أماكنهم في اليوتوبيا. وهكذا تو دي اليوتوبية داي م ا إلى الا رهاب. يتصدى أنصار الا طروحة الشمولية املعاصرون للاعتراضات التي تلق اها الصور السابقة للنظرية الشمولية فهم يتقب لون الطابع الفوضوي الذي يميز الا نظمة الشمولية بل إنهم يو كدون أن الفوضى البريوقراطية ساعدت على إحداث «تع سف» في الحكم جعل مقاومة الا فراد للنظام أمر ا مستحيلا. ويقول الشموليون أيض ا إنه رغم عدم التمكن من تحقيق الشمولية على أرض الواقع كانت هناك «رغبة» في تنفيذ برنامج يوتوبي. ويقول بريلي مستخدم ا استعارة مدهشة إن النازيني سعوا لا عادة بناء املجتمع الا ملاني كما يعيد مهندسون تشييد جسر حيث لا مجال لهدمه تمام ا لا ن ذلك من شا نه أن يعطل حركة املرور ومن ثم يستبدلون كل جزء منه على حدة بحيث لا يشعر املارة بعملية إعادة التشييد. وتو ضح النظرية الشمولية أن التعصب القومي مك ون أساسي في رؤية العالم من املنظور الفاشي وهذا ما يو من الفاشيون با هميته. إن وضع الفاشيني الدولة باعتبارها أولوية أولى له آثار راديكالية تشمل إمكانية تقويض الا سرة وامل ل كية. وت ظه ر النظرية الشمولية كذلك أن هناك الكثري من القواسم املشتركة التي تجمع بني الفاشية والا صولية الدينية وأن الفاشية تسعى لتحقيق أهدافها من خلال منهج العنف الذي تبرره القناعة با ن املعارضني ليسوا سوى جزء من مخطط شيطاني. تناقض نقاط ضعف النظرية الشمولية نقاط ضعف النهجني «املاركسي» و«الفيبري». أولا : تتحيز النظرية الشمولية للانشغال بالا فكار مما يعني أن تفسريها 28

29 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية لا سباب الفاشية ضعيف فهي عادة تكتفي بتعميمات ميكانيكية عن أزمة الا فكار التقليدية وما نجم عنها من شعور بالتيه والبحث عن أديان بديلة. وبناء على ذلك تقول إن الهزيمة في الحرب العاملية الا ولى إلى جانب الخوف من الثورة أربك الا ملان وجعلهم يتا ثرون با فكار قومية شبه دينية كانت تبشر باستعادة ما يتوقون إليه من شعور باليقني. وما من شك في أن الكثريين أصابهم «التيه» عام ١٩١٨. لكن ليس هناك قانون ينص على أن مثل هذه الفوضى تو دي «حتم ا» إلى التيه بل على العكس تن وعت ردود الا فعال إزاء الا زمة وتباينت تبع ا لتكوين الناس التعليمي ووضعهم الاجتماعي والديني وأعمارهم ونوعهم ذكر ا كان أم أنثى. ومن ثم لا ينبغي للمرء أن يبحث عن أصول البرامج العنصرية الفاشية مثلا باملعنى العام للتيه بل في تاريخ كل في ة على حدة مثل في ة العاملني بمهنة الطب مثلا ويجب على املرء أن يسا ل: كيف وصل أولي ك الذين اعتنقوا أشكالا يسوعية للقومية إلى احتكار السلطة السياسية ثاني ا: تبالغ نظرية الشمولية في الجانب الثوري للفاشية وتذهب إلى أن أي نظام شمولي يهدف إلى تدمري «جميع» أشكال التماسك الا خرى في سعيه لجعل جميع الا فراد تابعني بالقدر نفسه للنظام ولكي يخلق مجتمع ا جديد ا. لكن حلم ا كهذا يستحيل «تصوره» ناهيك عن تحقيقه على أرض الواقع لا نه يتطلب حيادية يستحيل بلوغها. ففي الواقع تش كلت رؤية الفاشيني عن اللايوتوبيا بفعل تحيزات وافتراضات مشكوك في صحتها. كانت الشركات الك برى والا سر متوافقة بشكل ما (ضمن حدود معينة) مع معظم التصورات الفاشية للا مة املستنفرة. أما الشيوعية والحركة النساي ية فلم تتوافقا معها. ولا يمكن النظر إلى الشمولية على أنها مفهوم مفيد إلا إذا تذكرنا أنها تستتبع الدعوة إلى فرض رؤية عاملية ش كلتها تحيزات غري واعية. لذلك لا ينبغي لنا أن نتوقع من اليوتوبيا الفاشية أن تختلف اختلاف ا كلي ا عن العالم على حاله القاي م فهذا التوقع هو ما يجعل الفاشية تروق للكثريين. أيض ا تبدو القومية الفاشية أقل ثورية عندما نتذكر أنها لا تدافع عن حقوق مجموعات قومية معينة باسم مبدأ مساواة عاملي بني جميع الا فراد فهي تو كد على أن الجنسية يجب أن تستعيد هيمنتها أو تصبح مهيمنة داخل دولة معينة وربما أيض ا على املستوى الدولي. والقومية الفاشية مارست ه ا في كثري من الا حيان جماعة عرقية «مهيمنة» أو بالا حرى جزء من الجنسية املهيمنة يعتبر نفسه صواب ا أو خطا مهم لا. وفي حالات أخرى راقت الفاشية لجماعات عرقية كانت أقليات بالفعل كالا ملان في 29

30 الفاشية تشيكوسلوفاكيا خلال الثلاثينيات. كان الفاشيون في هذه الحالة يرغبون في أن يصبحوا جزء ا من دولة أخرى تكون مجموعتهم العرقية قد حققت فيها هيمنة بالفعل. يرد املدافعون عن النهج الشمولي على الانتقادات التي تقول إن نظريتهم ته ون دور الدوافع املحافظة في الفاشية من خلال الزعم با ن تنازلات الفاشية للمحافظني كانت «تكتيكية» أو يقولون كما قال مايكل بريلي إنهم مهتمون «بعلم النفس الا ساسي لا بظاهر الا مور» وهذا تقليد غري واع للا سلوب املاركسي في التعامل مع الحقاي ق التي يستعصي تكييفها. خلاصة القول إن تشبيه بريلي املجتمع بالجسر كان مفيد ا (دون قصد) لا نه أشار إلى أن الكثريين اعتقدوا أن الفاشية ستصلح الدولة وفي الوقت نفسه ستتركهم وشا نهم يستمرون في حياتهم. لكن هذا تشبيه ناقص لا ن الفاشيني حاولوا إعادة تشييد الجسر وفق ا لخطة شهدت تعديلا كبري ا فقد تطلب مشروعهم تعبي ة موارد هاي لة وزعزعة أساسات الجسر والتهديد بعرقلة حركة السري. لكن العديد من املارة ساعدوا املهندسني عن طيب نفس وامتدحوا عملهم. علاوة على ذلك كان املهندسون مقتنعني با ن املارة الا خرين يتا مرون سر ا لتفجري الجسر الذي كانوا يتحركون فوقه. لكن ينبغي ألا يصرف ذلك انتباهنا عما يجري للقطارات التي تمر فوق الجسر حيث كان ق طاع طرق متنمرون يقذفون الركاب الذين دفعوا الا جرة في الوادي الكاي ن أدنى الجسر على مرأى من ركاب آخرين يحاولون تجاهل ما يجري وربما يتساءلون عما إذا كان الزي الذي يرتديه القتلة هو نفسه زي الحراس املا لوفني لهم. إن املشروع الشمولي جديد في جزء منه وما لوف في جزء آخر ويتوقف تحقيقه على جاذبيته ملجموعات معينة وعلى القدر الذي يتسنى له من السلطة والدعم الشعبي. تعريف يجب أن يجمع التعريف الذي سنقدمه مزايا النظريات املاركسية و«الفيبرية» والشمولية ويجب ألا يهمل الا فكار الفاشية أو صلتها بمختلف الفي ات الاجتماعية وينبغي أن ي ظهر جانب ي الفاشية الراديكالي والرجعي. وبما أن الراديكالية والرجعية مهمان فهذا يعني أن «جميع» عناصر تعريفنا للفاشية لا غنى عنها. أنا لا أتفق مع رؤية روجر جريفني التي تذهب إلى أننا يجب أن نفرق بني عناصر الفاشية التي ارتبطت تحديد ا بفترة ما بني الحربني العامليتني والتي ت عتبر بالتالي غري ضرورية (يذكر جريفني عناصر مثل عبادة 30

31 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية الزعيم والقوات شبه العسكرية واملسريات الحاشدة والاقتصاد الكوربوراتي) وبني ما يميزها من «سمات تعريفية» أهمها إحياء التعصب القومي. ومشكلة هذا التفريق أن القومية التي اعتنقها بعض الفاشيني كانت نتاج ا لفترة ما بني الحربني بقدر ما كانت أي سمة أخرى من سمات أيديولوجية الفاشية. على سبيل املثال ارتبطت القومية ارتباط ا وثيق ا بظهور القوات شبه العسكرية وعبادة الزعيم لا ن الفاشيني اعتقدوا أن الدولة تتجسد في قدامى املحاربني وفي الزعيم الشرعي. وكما سيتضح في الفصلني الرابع والخامس كانت الفاشية وتاريخها سيختلفان كثري ا لو لم يكن هناك قاي د كاريزمي وحزب جماهريي يدعيان أنهما يجسدان الا مة. ورغم اختلاف الفاشيني على الوزن النسبي املمنوح لكل جانب من جوانب الفاشية وعلى دلالة هذه الجوانب ارتبطت جميع الا جزاء مع ا. وإذا ر كزنا على السمات التي وصفها جريفني با نها غري ضرورية فثمة خطورة كبرية من أن نسيء فهم أهمية الفاشية في السنوات الفاصلة بني الحربني وديناميتها الداخلية وكيفية اختلافها عن الا يديولوجيات املنافسة. بطبيعة الحال كان هناك كثري من الحركات التي حملت بعض امللامح الفاشية دون سواها. ومن املفيد أن نعتبر بعض هذه الحركات تنتمي إلى في ة أوسع من حركات اليمني املتطرف استناد ا لكونها تشترك معها في سمة العداء «املتطرف» لليسار. والديكتاتوريات السلطوية املحافظة التي سنورد أمثلة كثرية عليها في الفصول اللاحقة تش كل أحد الا مثلة على ذلك. ثمة حالة من نوع مختلف ومثرية للاهتمام هي حالة «الحزب الاشتراكي الفرنسي» الذي ازدهر في فرنسا في الفترة بني عامي ١٩٣٦ و ١٩٣٩. كانت هذه الحركة قد تف رعت من حركة «صليب النار» الفاشية واحتفظت بقومية وشعبوية سالفتها لكنها اختلفت في أنها تخ لت تدريجي ا عن القوات شبه العسكرية وخ ففت حدة لهجتها املعادية للديمقراطية وزاد انخراطها في السياسة الانتخابية التقليدية. وباملثل سنرى أن بعض الحركات املعاصرة مثل الحزب القومي البريطاني والجبهة القومية الفرنسية تشكل بالفعل جزء ا من اليمني املتطرف لكنها ليست فاشية. قد تبدو مثل هذه الفروق أكاديمية لكنها مهمة لا ن حركات اليمني املتطرف غري الفاشية لا تملك التا ثري عينه الذي تملكه الجماعات الفاشية على النظام الاجتماعي والسياسي. ما الشكل الذي ينبغي أن يتخذه تعريفنا من السهل نسبي ا أن نقدم تعريف ا للفاشية في شكل قاي مة حيث يستطيع املرء أن يع دد خصاي ص مثل التعصب القومي ومعاداة الاشتراكية والقوات شبه العسكرية والقومية ومعاداة الرأسمالية لكن 31

32 الفاشية الجدل سيبدأ ما إن نحاول توضيح هذا التعريف. على سبيل املثال ما معنى «معاداة الرأسمالية» بالنظر إلى أن الفاشيني لم يق وضوا الشركات الكبرى بوجه عام لذا أف ضل أن أق دم تعريف ا في شكل نثر استرسالي لا ن ذلك يبرز معنى املكونات والروابط التي تربطها ويبرز الطبيعة املتناقضة للفاشية. ومن ثم سيزداد وضوح املغزى الكامل ملسميات معينة سترد في الفصول اللاحقة. قبل أن أواصل حر ي بي أن أو ضح أنني لا أستطيع أن أ دعي أن تناولي الفاشية نتاج إبداع شخصي فا نا أدين بالكثري لكتابات إرنستو لاكلو املبكرة الذي لا يزال يقدم أفضل توصيف للفاشية فيما يتعلق بالصراعات املتعددة املوجودة في املجتمع الحديث. ولا بد أن أضيف أن تعريفي متوافق عموم ا مع الكتابات الا كثر حداثة لروجر إيتويل والذي يعي بصفة خاصة التناقضات الجوهرية التي تميز الفاشية. وقد اعتمدت كثري ا جد ا على ما قدمت ه البحوث التاريخية الا خرية من أساليب واستنتاجات فيما يتعلق بدور املرأة والعمال في الحركات والا نظمة الفاشية إذ ت ب ني جميع هذه الدراسات التفاعلات املعقدة للتعصب القومي الفاشي مع الطبقة والنوع والدين وغريها من أشكال الهوية وتب ني أيض ا ضرورة إعادة النظر في املقابلات الثناي ية التي عادة ما است خدمت لتصنيف الفاشية (مثلا حديثة وتقليدية أو ثورية ورجعية). فالفاشية متناقضة بطبيعتها. وبينما يجب النظر إلى الفاشية باعتبارها مجموعة متكاملة من الا فكار واملمارسات كلها ضرورية يتطلب الا يضاح أن نبدأ من نقطة محددة ما لذا سا بدأ بقبول «الا جماع الجديد» على أن الفاشية شكل من أشكال التعصب القومي فكر ا وممارسة. لكن نقطة البدء هذه لا تعني أن القومية هي «الجوهر» الذي يمكن أن نستنبط منه جميع الجوانب الا خرى للفاشية أو نفسر به هذه الجوانب فمن املستحيل أن نقطع على سبيل املثال با ن الفاشيني قد عارضوا الاشتراكية لا نهم اعتبروها تهديد ا للوحدة الوطنية أو على العكس أن الفاشيني كانوا قوميني لا نهم في املقام الا ول اعتبروا القومية ترياق ا ضد الاشتراكية. كما أن البدء بالتعصب القومي لا يستلزم أن نقبل دون نقد ما قاله الفاشيون عن أنفسهم لا ننا يجب أن نتذكر أن الا يديولوجية الفاشية تض منت أيض ا كثري ا من الا فكار والافتراضات املشكوك في صحتها. لكن التركيز على التعصب القومي يتمتع بميزة تتمثل في الا قرار با همية «زعم» الفاشيني أنهم قوميون قبل أي شيء آخر. ي ضاف إلى ذلك أن رؤية روجر جريفني للفاشية على أنها أيديولوجية تسعى لا صلاح الدولة بعد فترة من التدهور املزعوم يمكن أن تبرز الطبيعة املتناقضة لا يديولوجية تنشد التغيري لكنها حريصة أيض ا على املاضي. 32

33 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية يسعى الفاشيون إذن إلى خلق مجتمع وطني مستنف ر لا تك ف جميع قطاعات الشعب فيه عن إظهار حبها للنظام ويجد «الا نسان الفاشي الجديد» فيه الشعور بالا نجاز في خدمة النظام. وقد ع رف النازيون الدولة على نحو بيولوجي بينما أدركها آخرون على نحو ثقافي أو تاريخي. هذه القومية قد لا تكون بالضرورة توسعية توسع ا عسكري ا فقد دعا بعض الفاشيني وحتى بعض النازيني إلى «فاشية دولية» أوروبية أو غربية أو مسيحية أو آرية أو للا عراق البيضاء. لكن هذه «الفاشيات الدولية» لم ت نكر أن السياسة الداخلية ينبغي أن ت حددها املبادئ الوطنية. وسوف أعرض في الفصول الثامن والتاسع والعاشر كيف ش كلت القومية املرتبطة ارتباط ا وثيق ا بالا فكار العنصرية السياسات الفاشية في مجالات مثل الرعاية الاجتماعية وسياسة الا سرة علاوة على الا راء الفاشية بشا ن العلاقات بني العامل ورب العمل وبني الرجل واملرأة. ي دين الفاشيون الاشتراكية والحركة النساي ية والرأسمالية وأي حركة جامعة أخرى من منطلق أن هذه الا يديولوجيات ت علي معايري أخرى (الطبقة والنوع ذكر ا أم أنثى واملصالح الاقتصادية وغريها) فوق الدولة. ولهذا ت وص ف الفاشية في كثري من الا حيان با نها أيديولوجية سلبية تعادي هذا أو ذاك. لكن في الواقع تمنح القومية الفاشية جانب ا إيجابي ا أيض ا الا مر الذي سمح لها أن تعلن علوها على املصالح «الفي وية» الدنيا. هذا الا علاء املطلق للدولة هو الذي يركز عليه املنظرون الشموليون حني يقولون بثورية الفاشية. لكن في مناقشتنا عن الشمولية ي فترض أن املفهوم الفاشي للدولة يحوي في الواقع بعض الا فكار الا كثر تقليدية إلى جانب بواعثه الثورية إذ يرى الفاشيون أن الرأسمالية تتماشى مع املصلحة الوطنية أكثر من الاشتراكية. وحينما تحدثوا عن صنع «الا نسان الجديد» كان ما يعنونه حق ا هو «الرجل» لكن كانت وجهات نظرهم بشا ن املرأة تقليدية بعض الشيء في كثري من الا حيان. ولذلك ستب ني أيض ا الفصول الثامن والتاسع والعاشر أن التحيزات بشا ن الطبقة والنوع ش كلت «لاإرادي ا» الا ولويات القومية للفاشيني. ثمة وسيلة جيدة لزيادة إيضاح طبيعة الفاشية على نحو دقيق هي مقارنتها بالديكتاتوريات املحافظة (مثل الا نظمة العسكرية في أوروبا الشرقية أو أمريكا اللاتينية في فترة ما بني الحربني العامليتني). فقد دافع املحافظون الاستبداديون عن إعلاء مجموعة من «املصالح» املحافظة مثل: امللكية والكنيسة والا سرة والجيش والحكومة. صحيح أنهم آمنوا إيمان ا كبري ا بالقومية لكنهم اعتقدوا أن النخب لا الشعب هي التي 33

34 الفاشية تتحدث باسم الا مة وهدأت جذوة قوميتهم بفعل ضرورة الحفاظ على استقلالية املصالح املحافظة ومن ثم تركوا متسع ا للمبادرات الفردية فلم يمنعوا تمام ا وجود «منظمات املجتمع املدني» بمعنى حرية الا فراد في الاجتماع في منظمات بدافع من أسباب اقتصادية أو سياسية أو غريها وق لت محاولتهم تنظيم الا سرة أو الاقتصاد باسم املصلحة الوطنية. في املقابل لا تدافع الفاشية مطلق ا عن امللكية أو الا سرة وهما أمران يحظيان بقدسية لدى املحافظني. ويو ثر التعصب القومي على املواقف التي تتخذها الفاشية إزاء امل لكية والا سرة في ثلاثة مناح أولا : أن الفاشية تميز بني الشركات والا سر حسب الانتماء لجنسية ما تحظى بالا فضلية. إذ يحدث في بعض الا حيان أن ت صاد ر ممتلكات أشخاص «أجانب» وتنال الا سر التي تحظى بقبول من الناحية القومية (أو العنصرية) حظ ا أوفر في سوق العمل وتوزيع خدمات الرعاية الاجتماعية. ثاني ا: لا يهاجم الفاشيون رأس املال نفسه لكنهم مع ذلك يقولون إن «أنانية» الشركات التجارية الكبرى (أي سعيها للربح على حساب الانسجام داخل الا مة) تفقر العمال وتدفعهم إلى أحضان الاشتراكية. وباملثل يقولون با ن حب الذات لدى الرجل واملرأة يجعلهما يفضلان الوضع املعيشي أو الوظيفة املريح ني على إنجاب أطفال أصحاء للا مة. هذه القناعات تفتح الباب أمام ما يراه املحافظون «تدخلا «تشريعي ا في الاقتصاد والا سرة من جانب الا نظمة الفاشية. أخضعت الفاشية الشركات أيض ا للتنظيم حيث أ جبر العمال على الانضمام إلى النقابات الفاشية وباتت ولادة الا طفال واجب ا سياسي ا. أما املحافظون السلطويون فيشعرون بالقلق من «أي» هجوم على امللكية حتى أملاك اليهود. كما لا يحب املحافظون لا سيما الدينيون منهم رؤية أي هجوم على الا سرة باسم صحة الا مة. يضاف إلى ذلك أن الفاشية تختلف عن املحافظية الاستبدادية على الصعيد املو سسي فاملحافظية الاستبدادية تحكم من خلال كيانات راسخة: كالكناي س والجيوش والدواي ر الحكومية وينشي املحافظون الاستبداديون أحيان ا تنظيمات شعبية لتقديم الدعم لكن نظر ا لا نهم يعتبرون الا سر والشركات معاقل تحمي نطاق ا خاص ا لا ينبغي أن يخضع لتدخل الدولة فهم لا يسعون إلى إلحاق الا مهات أو العمال بمنظمات تحمل صبغة سياسية صريحة. وفي واقع الا مر نادر ا ما تلجا الديكتاتوريات املحافظة إلى قمع أي من التنظيمات غري السياسية القاي مة. في املقابل يحاول الفاشيون أن يضعوا السلطة في يد نخبة جديدة على رأس حزب جماهريي يمثل تجسيد ا للشعب واملصدر الحقيقي للهوية الوطنية. ويسعى 34

35 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية الحزب لاحتكار التمثيل السياسي ويحاول تقويض التراتبات الهرمية التي يعتمد عليها املحافظون كالتراتبات الا دارية والعسكرية والكنسية رغم أنه لا ينجح داي م ا في ذلك. وبينما يستخدم املحافظون الاستبداديون الشرطة والجيش لقمع اليسار تقوم التنظيمات الفاشية شبه العسكرية بهذه املهمة بنفسها لاعتقادها أن السلطات لن تستطيع إنجاز هذه املهمة وحدها. ويمثل الفاشيون نخبة «ذكورية» جديدة منوط ا بها أن تح ل محل السياسيني الضعفاء «املتا نثني» أو «العاجزين» وأن تضمن خضوع الشركات والا سر للمصلحة الوطنية. من املهم أيض ا أن نو ضح ما يفعله الفاشيون كي يروقوا للناس فهم لا يعتبرون الشعب في ة اقتصادية أو اجتماعية. على سبيل املثال هم لا يستخدمون مسمى البرجوازية الصغرية بل مسمى «الشعب» حينما يريدون التعبري عن املشاعر املناهضة للدولة لدى «أي» جماعة من الناس من العمال الساخطني إلى الرأسماليني الا ثرياء. كل ما يمكننا أن نو كده هو أن أنصار الفاشية «يعتبرون أنفسهم مهملني من قبل الا حزاب اليمينية أو اليسارية القاي مة» (أما ما إذا كانوا مهملني حق ا أم لا فهذا شا ن آخر). هذا الشعور بالا همال يغذي الراديكالية الفاشية. يضاف إلى ذلك أن الفاشيني حينما يزعمون أن إرادة الشعب يجب أن تسود فوق إرادة النخب الفاسدة أو عندما يصفون الحكومات القاي مة با نها «لا تعبر عن الشعب» فهم لا ينشدون الديمقراطية كما تفهمها املجتمعات الليبرالية. لكن تمجيد الفاشيني للشعب باعتباره مصدر ا للنخبة الجديدة يختلط بالازدراء لا ن الفاشيني مصرون على أن توزيع املواهب متفاوت لدى الا فراد ويخشون من انفلات الجماهري في حال عدم وجود زعامة بطولية. لكن الناس لا يستطيعون اختيار زعيم من خلال صناديق الاقتراع فكل ما تفعله الانتخابات ببساطة أنها تتيح للجماهري املتواضعة أن تختار مرشح ا متواضع ا. لذا يجب التعبري عن سيادة الشعب اعتماد ا على «حدس» الحزب الفاشي وزعيمه. وقد ع بر أحد أتباع كودريانو عن ذلك على النحو التالي: يجب أن يحوي التاريخ عنصر ا إبداعي ا بحيث لا يكون الرجل ضد الجماهري (الديكتاتورية [املحافظة]) ولا تكون الجماهري ضد الرجل (ديمقراطية الوقت الحالي املنفلتة) بل يكون الرجل الذي وجدته الجماهري. صحيفة «كوفينتول» الرومانية ٢٧ يناير ١٩٣٨ 35

36 الفاشية تاريخي ا نشا ت الحركات الفاشية من مصدرين أولا : خلال سنوات ما بني الحربني العامليتني كان أنصار أحزاب اليمني الساخطون هم أكثر وليس كل من اعتنق الفاشية وسوف نرى هذا في الفصول الرابع والخامس والسادس. ففي ظروف الا زمة شعر كثري من املحافظني من عامة الشعب أن اليمني التقليدي أضعف من أن يحقق وحدة وطنية أو يواجه الاشتراكية والحركة النساي ية والا زمة الاقتصادية والصعوبات الدولية ورأوا أن الفاشيني أكثر وطنية وتصميم ا من املحافظني التقليديني بل واعتبروا أن إزالة املو سسة الرسمية القاي مة شرط مسبق لا صلاح النظام فطالبوا بفرض النظام باسم الثورة وبالثورة باسم فرض النظام. يمكن أن تنشا الفاشية أيض ا من أزمة اليسار. صحيح أن هذا نادر ا ما يحدث لكنه حدث فعلا خلال سنوات ما بني الحربني العامليتني ولو أنه أكثر وضوح ا في الوقت الحاضر. وحينما تنشا الفاشية من اليسار يكون املزيج الفريد بني الراديكالية والرجعية ناجم ا عن امتزاج ما تب قى من العداء اليساري للدولة مع الشعور با ن اليسار قد خان الشعب من خلال مثلا الاهتمام املفرط بالا قليات العرقية أو الحركات النساي ية. لكن بالطبع ليس كل من يرفض الا حزاب القاي مة يتحول إلى الفاشية. إن تنوع أصول من تحولوا إلى الفاشية يو كد مرة أخرى على الطبيعة املتناقضة للفاشية ويذكرنا با ن الفاشيني اختلفوا فيما بينهم حتى حول جوهر حركتهم فقد زاد بعضهم تركيزه على الجوانب الراديكالية للفاشية بينما ر كز البعض الا خر على جانبها املحافظ (قلة هي من اعتنقت إما الجوانب الراديكالية فقط أو الرجعية فقط لكن من وجهة نظرنا هو لاء لم يعودوا فاشيني حق ا مهما زعموا غري ذلك). ظهرت أيض ا خلافات حول طبيعة الراديكالية الفاشية فالبعض رأى أنها تتمثل في النهج «الكوربوراتي» الذي طبقته الفاشية في مجال علاقات العمل في حني اعتقد آخرون أن هذا النهج ق وض سيادة املصلحة الوطنية. ورأت قلة أن الفاشية فرصة لدفع قضية املرأة في حني رأت الا غلبية أن الفاشية «ثورة ذكورية» من نوع ما. نشا مزيد من الخلافات بسبب علاقة الفاشية باملحافظية. وبالنظر إلى رغبة الفاشيني في استعادة النظام وتدمري اليسار كان من املرجح دوم ا أن يلقوا دعم املحافظني السلطويني. لكن الفاشيني أرادوا أيض ا أن يا خذوا مكان املحافظني بصفتهم يجسدون الا مة. صحيح أن علاقة الفاشيني بالتيار املحافظ نادر ا ما انقطعت تمام ا لكنها كانت داي م ا علاقة صعبة. تحمل الفاشية أثر ا لا سبيل ملحوه ناجم ا عن سياق ظروف أوروبا خلال فترة ما بني الحربني متمثلا في إرث الحرب العاملية الا ولى والا جندات الفكرية (لا سيما امليل إلى 36

37 «الشيء ونقيضه»: ما الفاشية تصوير املجتمع البشري والعلاقات بني الدول من منظور قوانني الطبيعة والبحث عن «طريق وسط» بني الرأسمالية والاشتراكية) والصراعات الاجتماعية في تلك الفترة. ومع ذلك فا ن الفاشية بمجرد نشوي ها تصبح «أيديولوجية جاهزة» تستطيع الانتشار في مختلف الظروف املتباينة تباين ا تام ا. ولا يستحيل أن تعاود الظهور في شكل لم يشهد تعديلا في أغلبه. الفاشية: مجموعة من الا يديولوجيات واملمارسات التي تسعى لوضع الا مة امل ع رفة من النواحي البيولوجية أو الثقافية أو التاريخية الخالصة أو جميعها فوق جميع مصادر الولاء الا خرى وتسعى إلى خلق مجتمع وطني م ستنف ر. تتسم القومية الفاشية بالرجعية وتستتبع العداء الراسخ للاشتراكية والحركة النساي ية لا نها تعتبرهما إعلاء للولاء للطبقة أو للنوع فوق الولاء للا مة. وبهذا تعتبر الفاشية حركة من حركات اليمني «املتطرف». والفاشية حركة من حركات اليمني «الراديكالي» أيض ا لا نها تعتقد أن هزيمة الاشتراكية والحركة النساي ية وإقامة الا مة املستنف رة إنما يعتمد على وصول نخبة جديدة للسلطة تعمل باسم الشعب على رأسها زعيم كاريزمي وتتجسد في حزب جماهريي ذي طابع عسكري. يضطر الفاشيون للتعاون مع التيار املحافظ بسبب اشتراكهما في كراهية الاشتراكية والحركة النساي ية لكن الفاشيني يتحفزون للهيمنة على املصالح املحافظة كالا سرة وامللكية والدين والجامعات والدواي ر الحكومية متى رأوا أن مصالح الا مة تستلزم ذلك. تنشا الراديكالية الفاشية أيض ا من الرغبة في تسكني السخط من خلال قبول مطالب محددة للعمال والحركات النساي ية طاملا كانت تلك املطالب تتماشى مع الا ولوية القومية. يسعى الفاشيون إلى ضمان إحداث تواؤم بني مصالح العمال واملرأة من جهة ومصالح الا مة من جهة أخرى وذلك عن طريق تنظيمها داخل أقسام خاصة في الحزب أو داخل نظام «كوربوراتي» أو داخل كليهما مع ا. ويعتمد الوصول إلى هذه املنظمات وإلى املنافع التي تمنحها للا عضاء على الخصاي ص الوطنية أو السياسية أو العنصرية أو كلها مجتمعة للفرد. وتتسم جميع جوانب السياسة الفاشية با نها تنضح بالتعصب القومي. التعريف السابق كامل نسبي ا. وليس لزام ا أن يو ضح الجوانب غري «الوظيفية» أو الادعاء با ن ثمة أجزاء محددة دون غريها هي الا هم «على نحو مطلق». وهو يغطي الا فكار الفاشية وسياقاتها أيض ا فهو يعرض امللامح الراديكالية إلى جانب امللامح الرجعية للفاشية ويرى أن كل هذه امللامح مرتبطة ارتباط ا وثيق ا بحق. إن غموض الفاشية يوضح لنا السبب في انجذابها للمحافظية وفي إقصاء املحافظية لها ويفسر لنا التا رجحات الشهرية التي شهدتها الفاشية خلال تاريخها بني الراديكالية والرجعية. كان هناك بعض املحاولات لرؤية تاريخ الفاشية على أساس كونها سلسلة من «املراحل» التي 37

38 الفاشية يمكن تحديدها لكن التغري املتكرر في التوجهات الفاشية لم يتبع نمط ا واضح ا. وكانت تحولاتها ناجمة عن صراعات داخل حركات فاشية كانت تعمل في ظل ظروف تاريخية لم يكن من املمكن التنبو بمجرياتها وسوف نستكشف هذا في الفصول اللاحقة. لا أستطيع أن أبالغ في صحة هذا التعريف لكنني إن أردت دراسة الهياكل الا يديولوجية املشتركة بني الستالينية والنازية لكان مفهوم الشمولية أكثر ملاءمة لهذا الغرض. وإذا كان غرضي شرح محرقة «الهولوكوست» ملا تمكنت من تحديد ك ل من السمات الفريدة والعامة لهذا املوضوع إلا من خلال مجموعة من املفاهيم منها الفاشية والشمولية والرأسمالية. وإن كنا بصدد فهم أصول كل حركة من الحركات الفاشية وتطورها فسنحتاج إلى استخدام مجموعة من املفاهيم إلى جانب مفهوم الفاشية. ولا يسعني إلا أن أقول إن هذا التعريف هو أفضل تعريف من املمكن أن يتلاءم مع ما يبغيه هذا الكتاب الصغري من غرض محدد ألا وهو استكشاف الفاشية في سياقاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية. 38

39 الفصل الثالث فاشية ما قبل الفاشية كانت الفاشية أحد نواتج الحرب العاملية الا ولى والا زمة التي أعقبتها ومع ذلك فقد ظهرت في العقود التي سبقت عام ١٩١٤ إرهاصات للفاشية لم يكن أي منها كامل النضج. ظهر أول هذه الا رهاصات في ولاية تينيسي بعد فترة وجيزة من الحرب الا هلية الا مريكية حينما أسس بعض ضباط الكونفيدرالية الذين سر حوا من الخدمة تنظيم «كو كلوكس كلان» من أجل الدفاع عن سيادة العرق الا بيض ضد ما اعتبروه تحيز ا للسود من جانب الحكومة. كان لا عضاء هذه املنظمات لباس خاص وكانوا يمارسون طقوس ا غريبة ص ممت لتا كيد عضويتهم في جماعة متميزة وكانوا يقتلون السود باسم القانون «الذي لا يمكن أن تحيد عنه القوانني البشرية للا بد». ربما وصل عدد أعضاء «كلان» إلى نصف مليون شخص قبل أن يحلها زعماؤها عام ١٨٦٩. بدأت موجة ثانية من التنظيم عام ١٩١٥ مدفوعة جزي ي ا بالفيلم الصامت «ولادة أ مة» للمخرج الا مريكي ديفيد وارك جريفيث والذي صور تنظيم «كو كلوكس كلان» الا ول على أنه امل خ لص الا ول لا مريكا. ورغم أن هذا التنظيم ب شر بكثري من سمات الفاشية التي لم يكن أقلها العنصرية قيل إنه تميز عن الفاشية بدرجة من الفردية الشعبوية التحررية املعادية للدولة والتي ظلت داي م ا تميز قطاعات واسعة من اليمني املتطرف الا مريكي. إذا أردنا رؤية مزيد من الا رهاصات الفاشية الا ولى الحقيقية فعلينا أن ننظر إلى أوروبا. لكن حتى في أوروبا كان التعصب القومي يفتقر إلى سمات فاشية مهمة وكان في فرنسا حيث لم يحدث قط أن حققت الفاشية تا ثري ا أقوى منه في أملانيا أو إيطاليا. كانت الا حزاب املحافظة قبل الحرب العاملية الا ولى واقعة بدرجة كبرية تحت سيطرة القلة الثرية إذ كان بعضها لا يكاد يتجاوز كونه واحد ا من أندية النبلاء املسي سة. وفي املقابل راق اليمني املتطرف الجديد الذي ظهر في أواخر ثمانينيات وتسعينيات القرن

40 الفاشية التاسع عشر للشعب بفضل التقارب الذي أتاحه عدد من التطورات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فيما يلي سا برز ميل تيار اليمني الراديكالي للاقتباس من جميع أنحاء أفكار الطيف السياسي وممارساته وهو الا مر الذي عادة ما اعت بر آنذاك متناقض ا. لنبدأ بالا صول الفكرية للفاشية. إذا حاولنا أن نعرف الفاشية على نحو ضيق بما فيه الكفاية فيمكن أن نر دها إلى الطواي ف الراديكالية ل «حركة الا صلاح البروتستانتي» أو حتى إلى العالم الكلاسيكي وهذا من شا نه أن يكون مفيد ا لو كنا نهدف إلى دراسة عقلية متعصبة غري ليبرالية شبه دينية. لكن بما أننا نريد أن نستكشف الخصاي ص املشتركة بني بعض الحركات والا نظمة التي ظهرت في التاريخ الحديث سيكون من املفيد أكثر أن نبدأ من القرن الثامن عشر لا نه أنتج شيي ا شبيه ا بالاتجاهات السياسية الحديثة. لكن إرث القرن الثامن عشر إرث مركب فمن ناحية تدين الفاشية بشيء ما لفكرة «التنوير» التي ترى أن التقاليد لا يجب أن تشكل املجتمع بل يمكن أن يجري تنظيم املجتمع وفق ا ملخطط مستمد من مبادئ عاملية. ومن الا مور ذات الصلة بموضوعنا مفهوم مفكر عصر التنوير جان جاك روسو با ن املجتمع ينبغي أن ي حك م بمبدأ عاملي مثل «الا رادة العامة» لا سيما أن أكثر ثوار الثورة الفرنسية ثورية قد اعتنقوه: «اليعاقبة». فقد كان «اليعاقبة» يبررون العنف باعتباره وسيلة لبناء نظام جديد واجتثاث من يعارضون الا رادة العامة (أو الا مة) وكانوا على استعداد لا جبار الناس على أن يكونوا أحرار ا. من ناحية أخرى تدين الفاشية إلى الفكر املناهض للتنوير فقد أنكر العديد من املعارضني الا ملان صلاحية املبادئ العاملية بدعوى إعلاء التقاليد الوطنية وجادل مناهضو الثورة الفرنسية مثل جوزيف دي ميستر با ن املجتمعات «الطبيعية» كالا مة واملهنة والا سرة أكثر أهمية من الفرد. وكان للفلسفة املناهضة للتنوير تا ثري كبري على رومانسية القرن التاسع عشر التي كفرت بالعقل وف ضلت عبادة الطبيعة ورأت أن عبقرية الفنان تعادل تا ثري تواضع الجماهري. ومن منظور أكثر محدودية وضع البعض بزوغ اليمني الراديكالي في إطار الثورة ضد العقل التي قيل إنها كانت سمة العقود الا خرية من القرن التاسع عشر. وهذا صحيح إلى حد ما لكن الفاشية الا ولى لم تكن لاعقلانية على نحو مطلق. بالطبع عارض كثري من مفكري «نهاية القرن التاسع عشر» العقلانية وتشعباتها: الليبرالية والاشتراكية 40

41 فاشية ما قبل الفاشية واملادية والفردية. وكانوا متشاي مني لا يرون التاريخ من منظور التقدم بل نظروا إليه على أنه صراع ياي س ضد الانحطاط. فانبثقت الدعوة الفاشية إلى صعود نخبة كي تنقذ الا مة من الانحطاط فكرة البعث من تحت الرماد من هذا املناخ. في أملانيا ر وجت روافد متنوعة من الفكر الروحاني املتح در من الرومانسية فكرة «الشعب الا ملاني» باعتباره مجتمع ا أخلاقي ا وأبوي ا وعرقي ا ولغوي ا ومتحد ا اجتماعي ا. وفي فرنسا هاجم موريس باريه التيار الجمهوري العقلاني باسم تمجيد الا جداد والتراب الوطني. يمكن أن نذكر أيض ا من بني من أث روا في الفاشيني مفكر ا فرنسي ا آخر هو جوستاف لوبون الذي قال إن الزعماء الكاريزميني يخدعون الجماهري غري العقلانية وهناك أيض ا جورج سوريل الذي قال إن الخرافات تحرك الجماهري. أما عاملا السياسة الا يطاليان فيلفريدو باريتو وجايتانا موسكا فقد أكدا على دور القوة في السياسة. وكان الفيلسوف الا ملاني فريدريك نيتشه على قناعة با ن العاملية ق وضت احترام القوي. وأمل نيتشه أن يجود القدر با نسان يقيم مجتمع ا أكثر روحانية. واختلف الباحثون فيما بينهم حول درجة انتماء هو لاء املفكرين العظماء أنفسهم إلى الفاشية الا ولى. لكن بيت القصيد هو أن الفاشيني الا واي ل اختلسوا أفكارهم وأساءوا استخدامها. اعتمد الفاشيون الا واي ل على العلوم املعاصرة (أو بالا حرى الزاي فة) وعلى اللاعقلانية أيض ا. صحيح أن مبدأ داروين البقاء «للا صلح» كان ولا يزال يحظى بالاحترام من الناحية العلمية أما تطبيقه في السياسة الاجتماعية فكان مشكوك ا في صحته. فالداروينيون الاجتماعيون كانوا يخشون من أن تو دي وساي ل الراحة في املجتمع الحديث إضافة إلى املساعدات التي تق دم للفقراء إلى الانحطاط والانحلال الاجتماعي ني فنصحوا بما اصط لح على تسميته «اليوجينية» التي تقترح تدابري «سلبية» مثل تعقيم «غري الصالحني» أو إصلاحات «إيجابية» مثل التشجيع على إنجاب الا صحاء أو كليهما مع ا. شعر بعض الداروينيني الاجتماعيني أن الزعماء الا قوياء فقط هم الذين يملكون القدرة على منع الجماهري من الاستسلام للكسل في أواخر القرن التاسع عشر. واعتقدوا أيض ا أن هناك صراع ا داي ر ا بني الدول القومية على الهيمنة. ورأى البعض أن مصري الا فراد قليل الا همية إذا ما قورن بمصري الا مة. كانت الداروينية الاجتماعية منحازة إلى العنصرية «العلمية» الا كثر إثارة للجدل فكتب املفكر املناصر للملكية الكونت جوبينو في «مقال عن التفاوت بني أعراق البشر» الذي ظل محط تجاهل منذ نشره عام ١٨٥٣ لكن بدأ مع الا سف ي لقى إقبالا 41

42 الفاشية موريس باريه شكل 1-3: موريس باريه عام ١٨٨٨. كانت قواعد اللباس في أواخر القرن التاسع عشر تجعل من الصعب على مفكري تيار القومية أن يظهروا كرجال من عامة الشعب. 1 على قراءته في تسعينيات القرن التاسع عشر. كان أحد املعجبني باملقال امللحن ريتشارد فاجنر الذي جمع بني العداء للسامية والجرمانية املسيحية بعد تطهريها من «العناصر اليهودية» مع الوثنية لتتحول جميعها إلى أسطورة جرمانية مثالية. وأضاف زوج ابنة زوجته هيوستن ستيوارت تشامبرلني أفكار ا داروينية اجتماعية وأفكار ا عنصرية «علمية» عصرية. كان هتلر أحد أنصار تشامبرلني املتعصبني وأمضى حياته يحلم أحلام فاجنر عن النصر أو املوت. لكن هتلر أنكر أن النازية ديانة فبعض خطبه تحمل طابع السخرية من اللغة الفخمة الجازمة التي أتقنها «الاشتراكيون العلميون». إن رسم خطوط مباشرة بني هذا املناخ الثقافي والفاشية أمر جذاب لكنه يتسم بالسطحية لا ن الفاشية لم تكن سوى إحدى عواقب عديدة كانت ممكنة الحدوث. على سبيل املثال اختر عت اليوجينية في بريطانيا على يد املحافظ فرانسيس جالتون 42

43 فاشية ما قبل الفاشية وتلميذه اليساري كارل بريسون. وكانت الفاشية الا ولى جزء ا من مجموعة كبرية من الا فكار تض منت الروحانية والعلموية والتقليدية والحداثة والعقلانية واللاعقلانية. وقد رجع بعض القوميني مرة أخرى للنظر إلى الجنة الريفية في حني م جد «املستقبليون» الا يطاليون عصر الا لة. وإذا كنا نريد حق ا أن نشرح كيف تج سدت أفكار كهذه في حركات الفاشية والفاشية الا ولى يجب أن نا خذ السياق املحيط في الاعتبار. في البداية شهدت هذه الفترة ظهور تخصصات حديثة في الجامعات مثل: التاريخ وعلم الاجتماع وعلم السياسية والفيزياء والبيولوجيا والنقد الا دبي وما إلى ذلك وأدى ازدهار الا بحاث التخصصية البارعة إلى إقصاء علماء الطراز القديم من املشهد وفي بعض الا حيان إقصاء الهواة الذين كانوا ي دعون الخبرة في عدة مجالات. فبات املحامون والا طباء تحديد ا الذين كانوا يسيطرون من قبل على الكليات الجامعية أكثر ميلا لا دعاء الكفاءة واسعة النطاق وانجذبوا إلى الا فكار العنصرية واليوجينية والنفسية والتاريخية املبينة أعلاه. استاء غالب ا أصحاب املعارف املوسوعية هو لاء من عدم اعتراف الا ساتذة الا كاديميني املتخصصني بهم واستعاضوا عن هذا الاعتراف املفقود بالسعي إلى تحقيق نجاح على الصعيد السياسي فف ضل بعضهم اليسار املتطرف (كان لينني الذي درس القانون موسوعي ا بارع ا) وف ضل البعض الا خر اليمني الجديد. واعتبر باريه رفض الدولة الجمهورية احترامه بوصفه من ظر ا في مسا لة الا عراق سبب ا لدخول معترك السياسة. لذا ليس من قبيل املصادفة أن الا طباء واملحامني كانوا يتمتعون با همية في اليمني املتطرف. واقترن سخطهم على املتخصصني بتخوف من ازدحام املهن بالعاملني من اليهود والنساء وبكراهية لخطط الحكومة الرامية لطرح برامج «اشتراكية» للرعاية الصحية. وتبن ى الا طباء واملحامون نظريات يوجينية اعتقدوا أنها تمنحهم الحق في القيام بدور الله. أما الا كاديميون املتخصصون فكانوا غالب ا متا ثرين باملعرفة العلمية الزاي فة وبالقومية بالقدر نفسه. فكان من املتخصصني م ن امتلك في بعض الا حيان نفوذ ا داخل الحركات القومية املتعصبة التي ظهرت في فترة ما قبل الحرب لكن املوسوعيني الحانقني داي م ا كانوا هم من يضعون الخطط باستمرار. كان هذا كله أكثر أهمية من ذي قبل نظر ا لا نه في إطار هذه اليوجينية عارضت العديد من النخب تقديم الديمقراطية في مطلع القرن لكونها تعبر عن «عصر الجماهري» املثري للذعر بالنسبة لهم. كانت الا فكار العنصرية واليوجينية تمثل للبعض وسيلة جديدة 43

44 الفاشية وأكثر فعالية للسيطرة على الجماهري الخطرة وتوجيهها. لكن قبل عام ١٩١٤ وفي جميع أنحاء أوروبا من فرنسا التقدمية إلى روسيا الا وتوقراطية اتسع نطاق الحق في التصويت (عادة لم يكن هذا الحق يشمل النساء أيض ا) ونما اهتمام الناس بالانتخابات بينما ظهرت أحزاب جماهريية قومية واشتراكية وكاثوليكية وأحزاب تمثل الفلاحني وظهر معها عدد ضخم من الجماعات املناصرة لقضية بعينها كجماعات النباتيني والنقابات العمالية والجماعات النساي ية وجماعات الضغط املناصرة للاستعمار وفتح التقدم التكنولوجي املجال لظهور منظمات قومية داي مة. وامتدت السكك الحديدية من املناطق الري يسية إلى القرى الصغرية وبدأ يظهر تا ثري الهاتف والا لة الكاتبة. ولولا الحق في التصويت والوساي ل التقنية للتنظيم في مجتمع ديمقراطي ملا ظهرت الفاشية من الا ساس. أيض ا كانت هذه فترة الا مبريالية ففي ثمانينيات القرن التاسع عشر وتسعينياته أدى تقسيم القوى الكبرى أفريقيا وجزء ا كبري ا من آسيا إلى إثارة التنافس القومي وتعزيز العنصرية فقد أشعل اعتقاد الا يطاليني والا ملان أنهم لم ينالوا نصيبهم العادل من الا مبراطورية هسترييا القومية بينما كان الدفاع عن الا مبراطوريتني الضخمتني أمر ا ضروري ا بالنسبة للمتع صبني قومي ا من البريطانيني والفرنسيني. تبن ت القوى الا وروبية العلم العنصري املعاصر كي تبرر هيمنتها على الشعوب غري الا وروبية وكانت الا راء عن «شخصيات» من ينتمون لا عراق «دنيا» تتيح للقوى الاستعمارية أن تضرب عرض الحاي ط بسيادة القانون متى رأت ذلك مناسب ا. والا ن بتنا نعرف أن السياسات الشبيهة بسياسات القضاء على الجماعات العرقية والتي مورست ضد بعض الشعوب الا صلية لم تكن سوى سوابق ملحرقة الهولوكوست. ازدهرت القومية أيض ا ففي هذه الفترة كان الانفصاليون القوميون يعتنقون الليبرالية أو الديمقراطية أو الاشتراكية أو ثلاثتهم ونظر ا لا نهم كانوا يعارضون الطبقات الحاكمة في دول متعددة الجنسيات مثل روسيا وهابسبورج وبريطانيا فقد قدموا مطالبهم من منطلق حق املساواة في املعاملة لجميع الجنسيات (رغم أن العاملية لم تكن في بعض الحالات سوى مجرد مظهر خادع). ومع ذلك تبنى بعض القوميني شكلا يمكن أن يوصف با نه غري ديمقراطي من القومية الرومانسية والذي طالب السكان بتوكيد يومي شبه روحاني على فكرة القومية. على سبيل املثال في تسعينيات القرن التاسع عشر قاطع كثري من القوميني البولنديني الليبرالية ومنحوا «الا رادة» الا ولوية الا ولى. كانوا يعتقدون أن كره الا جانب والعدوان والعنف يستطيع أن يقيم الا مة البولندية. 44

45 فاشية ما قبل الفاشية كانت الفاشية الا ولى قوية في البلدان التي أقامت الحركات القومية فيها دولا جديدة للتو لا سيما أملانيا وإيطاليا. بدأت حكومتا هذين البلدين تحويل الا شخاص العاديني إلى مواطنني وطنيني من خلال التعليم والتوحيد اللغوي والتجنيد والحد من تا ثري الكناي س فوق القومية. وكانت الجمهورية الفرنسية التي نشا ت حديث ا فقط حريصة بالقدر نفسه على تحويل السكان الفلاحني إلى مواطنني فرنسيني. أذكت هذه السياسات الحكومية التنافس على الوظاي ف والا ثابة والتعليم بني املجموعات العرقية داخل هذه الدول كما شهدنا في حالة امللاحات في إيج مورت. ظهرت أيض ا الحركات الراديكالية اليمينية حيثما تعرضت القوميات الحاكمة لتهديد الحركات الانفصالية ففي الجزء النمساوي من الا مبراطورية النمساوية املجرية شعر الحكام الا ملان أن ما جرى التنازل عنه للتشيكيني والبولنديني كثري وفي روسيا بعد ثورة ١٩٠٥ ظهرت حركات قومية راديكالية مثلما ظهرت في بريطانيا خلال أزمة الحكم الذاتي الا يرلندي من عام ١٩١١ إلى ١٩١٤. كانت معاداة الاشتراكية مك ون ا إضافي ا أضيف إلى خلطة ما قبل الفاشية ففي ثمانينيات القرن التاسع عشر وتسعينياته اقتحمت الا حزاب الاشتراكية معترك السياسة الجماهريية في العديد من البلدان منها روسيا والنمسا وأملانيا وفرنسا وإيطاليا في الوقت الذي انتشرت فيه الا ضرابات السياسية غالب ا في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا. وظهر سريع ا بالتوازي مع هذه الا حزاب الاشتراكية وغالب ا كرد فعل ضدها عدد ضخم من املنظمات املعادية للاشتراكية ضمت نقابات واتحادات أصحاب الحرف اليدوية وروابط للفلاحني ومجموعات تجارية معادية للماركسية. وكانت هذه الكيانات كثري ا ما تتداخل مع الحركات القومية على مستوى العضوية والتنظيم. وكان ظهور الحركة النساي ية باعتبارها حركة منظمة يمثل جانب ا آخر من جوانب السياسة املنظمة واملجتمع الجماهريي. بلغت الحركة النساي ية أ و ج قوتها في أمريكا وبريطانيا لكنها كان لها حضور ضعيف بعض الشيء في معظم الدول الا وروبية. في ثمانينيات القرن التاسع عشر علا صوت أنصار الحركة النساي ية أكثر فا كثر في املطالبة بحق العمل في مختلف املهن وفي العقد التالي ح ولوا انتباههم للمطالبة بحق التصويت في بعض البلدان وتل قت الاتحادات الشعبية اليمينية القاسم الا كبر من ردود الفعل العنيفة الحتمية من جانب الذكور. إذن لم ينشا اليمني الراديكالي نتيجة التعصب القومي أو العداء املتطرف للاشتراكية وحدهما بل كان ر د فعل متشعب ا وله جذوره في الصراعات اليومية مع الاشتراكيني 45

46 الفاشية والا قليات العرقية وأنصار املرأة والليبراليني على فرص العمل واملكافا ت املالية والنجاح التعليمي واملجد السياسي وهذا كله في سياق الا مبريالية وبناء الا مة. وهكذا ض مت جمعيات اليمني الراديكالي في أملانيا كل أبناء الا مة الا ملانية املو منني إيمان ا صريح ا بالقومية و«رابطة النضال املناهض لتحرير املرأة» و«الرابطة الا مبريالية املناهضة للديمقراطية الاجتماعية». فبالنسبة للقوميني املتطرفني في كل مكان كانت كل هذه التهديدات للا مة مرتبطة ببعضها البعض إذ كانت الاشتراكية تمثل خطر ا على امللكية والا مة والسلطة الذكورية في الا سرة. واعت بر اليهود مسي ولني عن إفساد الا مة ودعم الحركة النساي ية والاشتراكية. وهكذا كان الاشتراكيون وأنصار الحركة النساي ية عملاء لليهودية وكان اليمني الراديكالي يعتبر أعداءه جزء ا من مو امرة شيطانية. ولم يكن اليمني الراديكالي مقتنع ا با ن اليمني املوجود يصلح ملجابهة هذا الخطر لا سيما أن الحكومات كانت بالفعل غالب ا ما تقلل من أهمية القضايا القومية لخشيتها من إثارة هسترييا جماهريية فطال ب بحكومات أكثر تجاوب ا مع احتياجات الشعب. وأدان القوميون الراديكاليون الا ملان «القدسية الرسمية» وطالبوا «بتصعيد كل فصاي ل الا مة للتشاور في الشي ون الوطنية واملشاركة فيها» وأن ذلك سيتم من قبيل املفارقة من خلال وجود زعيم قوي. من الناحية السياسية نشا ت هذه الشعبوية من التقاء ثلاثة روافد أولا : أنها مث لت خلف ا مشوه ا لتقليد أقدم من تقاليد الراديكالية الديمقراطية الا وروبية كان قد بلغ ذروته مع ثورات عام ١٨٤٨. والراديكالية الديمقراطية مع كونها أكثر سخاء بكثري من اليمني الراديكالي لم تكن قط إنسانية بحتة فهي نادر ا ما أي دت حقوق املرأة وكانت في بعض الا حيان كارهة للا جانب. وقد ازداد هذا التيار الثانوي الا قصاي ي وضوح ا في أواخر القرن التاسع عشر وسط محيط من الا مبريالية والقومية ومعاداة الحركة النساي ية والاشتراكية. فقد أ دى ظهور الحركة النساي ية إلى خروج كره الراديكالية الشعبية الكامن للنساء إلى العلن. وكان صعود الاشتراكية املاركسية تحديد ا سبب ا في اندفاع الراديكالية الشعبية إلى اليمني (لكن لا بد من التا كيد على أن ذلك لم يطل كل عناصرها). كانت الراديكالية التقليدية تطالب بحقوق «للشعب» و«للا مة» ولفي ات شملت الا ج راء وصغار أرباب العمل وأصحاب املحال والفلاحني. ومع ذلك نجحت املاركسية في أن تجذب بدرجة كبرية العمال الصناعيني وحدهم وكانت ذات طابع عاملي. وهناك أمثلة كثرية على هذا التحول من اليسار إلى اليمني منها أن امللحن ريتشارد فاجنر مثلا كان ممن شاركوا في 46

47 فاشية ما قبل الفاشية معركة املتاريس عام ١٨٤٨ وأن أصحاب املحال في باريس وفيينا تحولوا من الراديكالية إلى اليمني الكاره للا جانب. ثاني ا: أتاح منح حق التصويت مقرون ا بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية انضمام من كانوا حتى تلك اللحظة محافظني غري نشطني من عموم الشعب إلى اليمني الراديكالي ففي بعض مناطق الريف الفرنسية والا يطالية كان رجال الدين الكاثوليك (الذين كانوا من قبل ي ع دون حاي ط صد للنظام القاي م) يحرضون الفلاحني. وفي أملانيا ص ور السياسيون املحليون الاشتراكيني والا رستقراطيني البروسيني واليهود على أنهم أعداء للفلاحني. ثالث ا: تعددت حالات دعم النخبة لليمني الراديكالي فقد تعاون املحافظون البريطانيون سر ا مع «قوة متطوعي كارسون ألستر» وأ سس الا رستقراطيون البروسيون «عصبة الا راضي الا ملانية» وم ول امللكيون الفرنسيون «الرابطة املعادية للسامية» أثناء قضية دريفوس. كان هذا الدعم مدفوع ا في جزء منه با دراك اليمينيني القدامى والجدد أنهم يشتركون مع ا في العداء للحركة النساي ية والاشتراكية والا قليات القومية. لكن كان هناك موقف دفاعي من النخبة أيض ا لا نه في هذه الفترة شعر كثري من املحافظني أن «صعود الجماهري» عملية حتمية يتعني على املحافظني التا قلم معها أو مواجهة احتمال املوت السياسي لذا تحالفوا مع اليمني الراديكالي «رغم» توجهاته الراديكالية على أمل أن يتم كنوا من تحويل املطالبة بمزيد من الديمقراطية إلى الشعبوية السلطوية الا قل شر ا. إن التفاعل بني النخب والجماعات الراديكالية في ظل سياقات وطنية محددة هو الذي ش كل التاريخ الفعلي للحركات الفاشية الا ولى. كانت فرنسا أكثر البيي ات ملاءمة في أوروبا ما قبل الحرب لظهور الفاشية الا ولى فقد م نيت بالهزيمة من أملانيا عام ١٨٧٠ وشهدت أسوأ الصراعات الا مبريالية مع بريطانيا وساءت سمعتها على أنها بلد ثورات متكررة ثم بدا أن الاشتراكية املاركسية والنقابات الثورية تهدد باندلاع انتفاضات جديدة. حاولت الحكومات الجمهورية أن تبني دولة قومية وحدوية قاي مة على مبادئ ليبرالية ديمقراطية ونجحت إلى حد كبري في ذلك لكنها واجهت مقاومة شديدة من الكاثوليك. وقد أدت حاجة فرنسا لقدوم مهاجرين كي يعملوا في مصانعها الكبرية الجديدة إلى اشتعال كراهية الا جانب لدى الشعب الفرنسي. نتج اليمني الراديكالي الفرنسي من التقاء تيارات ثلاثة: امللكيون الذين جرى تهميشهم وتبن وا الراديكالية إثر ما لقوه من هزاي م متتالية على يد الجمهوريني 47

48 الفاشية والشعبويون الكاثوليك الذين يي سوا من مقاومة العلمنة ومن استيلاي هم على زعامة البروليتاريا من الاشتراكيني والقوميون الساخطون من عدم اهتمام الحكومة الواضح بالانتقام من أملانيا. وعلى الصعيد الاجتماعي جذب اليمني الراديكالي الا رستقراطيني الذين فقدوا طبقتهم الاجتماعية مثل املاركيز دي موريس امل عادي للسامية وأصحاب املحال العنصريني في باريس والعمال الكارهني للا جانب والذين أقبلوا على النقابات العمالية «الصفراء» إبان العقد الا ول من القرن العشرين. تو حدت إيطاليا بني عامي ١٨٥٩ و ١٨٧٠ عن طريق عمل عسكري نفذته دولة بيدمونت وحليفتها الفرنسية لا من خلال حركة قومية ذات قاعدة شعبية عريضة. تبع ا لذلك شعر بعض القوميني أن إيطاليا لم تتوحد حق ا وهي الرؤية التي ربما أ كدها ضيق القاعدة السياسية للحكومات الا يطالية الليبرالية قبل عام ١٩١٤. كان حق الانتخاب محدود النطاق ورفض الكاثوليك املشاركة في الانتخابات لا ن التوحيد تحقق على حساب سيادة البابا على وسط إيطاليا. ي ضاف إلى ذلك أن إيطاليا في تسعينيات القرن التاسع عشر شهدت فضاي ح برملانية واضطرابات العمال في الشمال واحتلال الفلاحني الفقراء في الجنوب ممتلكات كان يملكها الا قطاعيون الا ثرياء وهزيمة عسكرية في الحبشة عام ١٨٩٦ واغتيال امللك عام ١٩٠٠. وملا كان اليساري الليبرالي جوفاني جوليتي ري يس وزراء إيطاليا بدء ا من عام ١٩٠١ مقتنع ا با ن القمع لن يجدي نفع ا بدأ يتودد للاشتراكيني والكاثوليك املعتدلني كي يدعموا حكومته. ح قق جوليتي بعض النجاح لكنه لم يستطع أن يمنع التعبي ة التي مارسها اليمني الراديكالي ضده. كان القوميون يشعرون أن جوليتي زاد إضعاف الوحدة الوطنية من خلال استرضاي ه الاشتراكيني. وفي عام ١٩١٠ تكت ل القوميون مع ا في «الجمعية القومية الا يطالية». تلقت هذه الجمعية دعم ا من الشركات الكبرى والدولة والا كاديميني لكن أغلب أعضاي ها كانوا من الطبقات املتوسطة بما فيها املحامون وخاصة املعلمني الذين خرج من بينهم في وقت لاحق الفيلسوف الفاشي جوفاني جنتيلي. كان املعلمون في طليعة من ناضلوا من أجل «صنع» املواطن الا يطالي. استندت «الجمعية القومية الا يطالية» على قومية ماتسيني الوطني في القرن التاسع عشر لكنها نزعت عنها إنسانيتها الليبرالية وروجت لا نه لا يمكن تحقيق الوحدة القومية إلا من خلال دولة سلطوية. وهذا استتبع قمع املنظمات الاشتراكية وضم العمال لكيانات «كوربوراتية» جديدة توالي الا مة الا يطالية. أرادت الجمعية أيض ا أن تعيد تشكيل 48

49 فاشية ما قبل الفاشية الا مة من خلال الحرب فقد دعا املفكر إنريكو كوراديني العاملية الليبرالية «املو نثة» لا ن تفسح املجال أمام الرجولة «الذكورية» فهو لم يكن يرى الحرب وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية أو للحصول على أسواق ومواد خام بل لدمج جميع الطبقات في الا مة املستنف رة. علاوة على ذلك كان هناك بعض التقارب بني الجمعية القومية الا يطالية والنقابيني الثوريني (الذين آمنوا با ن النقابات العمالية ينبغي أن تقود املسرية نحو الاشتراكية). وكان بعض املفكرين النقابيني قد باتوا مقتنعني با ن الاشتراكية مستحيلة في إيطاليا املعاصرة نظر ا لفشل حركات الا ضراب. وكانوا يرون أن من الضروري إقامة دولة قومية حقيقية كي تتمكن البروليتاريا من الاستيلاء على السلطة واتفقوا مع القوميني على أن الحرب ربما تساعد في تحقيق هذا الهدف. على أية حال آمن النقابيون «بالشعب» أكثر من البروليتاريا وكانوا متا ثرين بالا فكار اليوجينية وباملناخ الثقافي الذي وصفناه آنف ا. توحدت أملانيا أيض ا «من أعلى» في الفترة من عام ١٨٦٦ إلى عام ١٨٧١ بفضل الجيوش البروسية. قامت الدولة الا ملانية على قومية محافظة نخبوية تميزت بعداي ها للكاثوليكية والاشتراكية والحركة النساي ية والليبرالية. وازدهر التعصب القومي في هذا املناخ. وكان كتاب «رامبرانت مع لم ا» الذي نشره يوليوس لانجبني عام ١٨٩٠ دون أن يحمل اسمه خري مثال على الا نتاج «العرقي» لهذه الفترة. اعتقد لانجبني أن السيد الهولندي مثله مثل إخوانه املواطنني أملاني العرق وعرض كتابه الفوضوي شخصية رامبرانت الذي هو مع لم لنوع جديد من إصلاح أملانيا. كان لانجبني مثالا للهواة املوسوعيني وظل طيلة حياته ينقد «بعثرة» العلم على التخصصات. ودعا لدمج العلم مع الفن والاستعاضة عن التاريخ الجاف الذي يدرسه الا كاديميون بتاريخ يستقي معلوماته من الواقع النفسي للعرق. واستحضر اليوجينية التي كانت راي جة في عصره (معتقد ا با نه لو حلت حمامات عامة محل حانات برلني لتسنى الاغتسال للتخلص من الاشتراكية) وقد استحضر أيض ا مثلما فعل فاجنر أسطورة الفنان البطل الذي تعود أصوله «للشعب الا ملاني» والذي سيتمم الوحدة السياسية بالروحانية. كان الا صلاح الجديد الذي نادى به لانجبني يتطلب قمع فصاي ل سياسية وإحياء مسيحية جرمانية أكثر «رجولة» (وهرطقة) ومعاملة اليهود بوصفهم «سم ا» وإقامة الا مبراطورية الا ملانية من أمستردام إلى ريجا. وقد حقق كتابه مبيعات ضخمة بل إن الكاثوليك ر حبوا به بما تض منه من نقد للا فكار التقدمية رغم وجهات نظر لانجبني التجديفية وربطه أملانيا 49

50 الفاشية بطبقة الفلاحني البروتستانتية. وقد شهدت مبيعات هذا الكتاب ارتفاع ا آخر في أواخر عشرينيات القرن العشرين. في تسعينيات القرن التاسع عشر أدرك أهمية هذا البرنامج «الشعبوي الا ملاني» كثري من املحافظني الذين اعتبروا خصوم القومية املتطرفة أعداءهم واستغ لوا الديماجوجية القومية للدفاع عن املصلحة املادية. فحظيت «جمعية الا راضي» الشعبوية املعادية لك ل من الاشتراكية والسامية برعاية وتا ييد أصحاب الا راضي املحافظني الذين أرادوا أن يكسبوا تا ييد الفلاحني لفرض تعريفات حماي ية بينما أ ججت «جمعية الزحف الشرقي» املشاعر املو يدة للاستيلاء على أراض زراعية جديدة من أراضي البولنديني في الشرق. وحظيت جمعيتا «الاتحاد الجرماني» و«سلاح البحرية» بدعم ورعاية أصحاب املصالح التجارية واملهنيني الا ثرياء واملسي ولني الحكوميني لاعتقاد كل هذه الا طراف با ن الاستعمار يمثل وسيلة لدعم الدولة الا ملانية وتوفري أسواق جديدة للصناعات الا ملانية. مارست القومية الشعبية أيض ا دور ا مهم ا في أملانيا فقد تكونت «الجمعية الزراعية» جزي ي ا من اتحادات الفلاحني التي كانت موجودة من قبل مثل الجماعات التي ترأ سها أوتو بيكل «ملك الفلاحني» الذي ألقى باللاي مة على اليهود واملدن ورجال الدين والا طباء والدولة وحتى الطبقة الا رستقراطية ملا يعانيه الفلاحون من مشاكل. فا درج حزب املحافظني الا ملاني في مو تمره في تيفولي عام ١٨٩٣ معاداة السامية في برنامجه رغبة منه في نزع فتيل هذا الشعور بالسخط. وحينما أطلقت الحكومة التي اتسمت باملحافظة الشديدة حملتها لبناء سلاح البحرية عام ١٨٩٦ اعتمدت في ترويجها لهذا الشا ن على جمعية «الاتحاد الجرماني». لكن هذا الاتحاد صار أكثر راديكالية من الحكومة بكثري لا سيما في هجومه على الكاثوليك وعلى السياسة البريطانية. وبحلول عام ١٩٠٢ تح ول أعضاء «الاتحاد الجرماني» بري اسة هاينريش كلاس من الولاء للقيصر إلى الولاء «للشعب الا ملاني». وفي عام ١٩١٣ قال كلاس إنه لا سبيل لا نقاذ أملانيا إلا من خلال زعيم قوي ول خص برنامجه الذي تبن ى هذه الدعوة في كتيب له بعنوان «لو كنت القيصر». ارتبطت القومية الراديكالية النمساوية ارتباط ا وثيق ا بنظريتها الا ملانية. اتخذ الجزء النمساوي من إمبراطورية هابسبورج اتجاهات فريدة في نوعها من حيث التنظيم. كانت هناك سلالة جرمانية تحكم حكم ا شبه مطلق وبريوقراطية على رأس فيدرالية مكونة من جماعات وطنية تمتلك حقوق ا كثرية. وبالطبع شعر الا ملان املهيمنون أن الحكومة 50

51 فاشية ما قبل الفاشية ض حت بمصالحهم من أجل أقليات لا سيما املجريني والتشيكيني الذين يكادون يكونون مستقلني. ظهر الحزب الاجتماعي املسيحي أهم الحركات القومية الراديكالية الذي أسسه كارل لوجر في فيينا وكان عبارة عن خليط من الخصومات العرقية ومقر قيادة لحركة اشتراكية قوية. كسب لووجر الذي حظي في البداية بتا ييد اليسار الليبرالي الديمقراطي دعم أهل فيينا من الحرفيني والعمال ذوي الياقات البيضاء واملعلمني الذين كرهوا الرأسمالية والاشتراكية «اليهوديتني» واستاءوا من استبعادهم من الطبقة البرجوازية. في بادئ الا مر كان عداء حركته الراديكالي للسامية وعقيدتها الاجتماعية الكاثوليكية سببني لا ثارة ذعر تيار اليمني القديم حتى إن الا مبراطور فرانز جوزيف رفض اعتماد انتخاب لووجر عمدة لفيينا لفترة عامني. لكن فيما بعد صار لووجر أكثر اعتدالا وتحالف مع املحافظني في الريف. وهذا فتح املجال لظهور عدد أكبر من الجماعات الراديكالية مثل جمعية «أوستارا» التي كانت تسعى لتنقية الجنس الا ري مما يلوثه من أجناس أدنى مرتبة والليبراليني والاشتراكيني. في ذلك الوقت كان هتلر الذي لم يكن سوى أحد فقراء فيينا العديدين الذين لا هدف لهم من متابعي املنشورات التي تصدرها هذه الجمعية. خلال ثورة عام ١٩٠٥ ات خذ املحافظون الروس أيض ا رد فعل مضاد ا لارتفاع شا ن الا قليات العرقية. كان «اتحاد الشعب الروسي» املشهور باسم «املي ات السود» يحظى برعاية الحكومة والقيصر الذي تو هم هو الا خر أن الثورة من تدبري اليهود. وفي ظل تواطو السلطات ساهم «املي ات السود» في مي ات املذابح املنظمة التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف يهودي. ورغم تعاون «املي ات السود» مع اليمني القديم كانوا مرعوبني من عجز القيصر الواضح عن مجابهة تيار اليسار وتمن وا أن ينصبوا مكانه «أوتوقراطية شعبية». وفي بريطانيا ضمت املحافظية البريطانية قبل عام ١٩١٤ عناصر من القوميني املتعصبني. كان انتصار الليبراليني عام ١٩٠٦ وتكرار فوزهم بالانتخابات في السنوات التالية قد أسفر عن انقسام مرير في حزب املحافظني. وفي الوقت نفسه أدت الا صلاحات الاجتماعية الليبرالية وتق لص صلاحيات مجلس اللوردات وصعود حزب العمل والا ضرابات واملظاهرات املنادية بمنح املرأة حق التصويت إلى إثارة املخاوف من اندلاع ثورة وبدا أن تمرير قانون «الحكم الذاتي الا يرلندي» نذير ا بتفكك اململكة املتحدة. حيني ذ أدت معارضة «قوة ألستر» لهذا القانون إلى حفز القومية الراديكالية 51

52 الفاشية التي حظيت بتا ييد العديد من املحافظني. اتهم البعض رجال املال الا ملان اليهود بنهب ثروات الدولة وفي منطقة «إيست إند» بلندن قامت «عصبة الا خوان» التي ضمت ٤٥ ألف عضو بمهاجمة اليهود الذين كانوا يلجي ون لبريطانيا هرب ا من املذابح املنظمة في روسيا. أخري ا ت ب ني الحالة املجرية أن كل ما أفرزته القومية املتعصبة لم يكن يميني ا فقد نالت املجر الحكم الذاتي داخل مملكة هابسبورج عام ١٨٦٧ وشرعت في برنامج لاستيعاب الا قليات الوطنية وصبغها بالصبغة املجرية ولتقليص تا ثري الكنيسة الكاثوليكية. ومع ذلك طالب قوميو املعارضة املجرية بزيادة الهمة في عملية بناء الدولة القومية فقد كانوا يكرهون تد خل الا سرة الحاكمة النمساوية في الشي ون املجرية ويكرهون مقاومة الا قليات العرقية لبرنامج استيعاب الا قليات وانتشار الاشتراكية الا ممية الطابع في بودابست. وإذا فصلنا هذه الا فكار عن سياقها الزمني فسنجد أنها إرهاصات للفاشية فالقوميون كانوا يريدون إحياء املجر بعد فترة من التراجع املزعوم لكن قوميي املعارضة في املجر ظلوا يساريني لا ن اليمني كان يرغب في اتحاد أوثق مع النمسا وهو الا مر الذي كان يشكل جريمة في نظر القوميني. ورغم أن القومية املجرية صارت جزء ا من الفاشية بعد الحرب كانت في ذلك الوقت منفصلة عن اليمني الراديكالي بسبب معارضتها الشديدة للمحافظني. حتى في الدول التي ظهرت فيها الحركات الراديكالية اليمينية لم تكن توجد مقدمات مباشرة للفاشية. وت ظهر الدراسات التي تناولت حالة أملانيا أنه ما من ارتباط واضح بني دعم املعادين للسامية في تسعينيات القرن التاسع عشر ومساندة النازيني. إضافة إلى أن اليمني الراديكالي في أملانيا كان أضعف منه في فرنسا حيث لم تنتصر الفاشية قط. ولولا موسوليني وهتلر لاعت بر القوميون املتطرفون الذين ظهروا قبل الحرب في إيطاليا وأملانيا مجرد حالات عارضة في التاريخ. ي ضاف إلى ذلك أن أي ا من الحركات التي خضعت للدراسة ربما باستثناء الحركات الفرنسية لم تكن تريد السلطة لنفسها بل كانت في أغلب الا حيان تسعى لا ضفاء الراديكالية على الا نظمة القاي مة. وما يفوق كل ذلك أهمية أن هذه الحركات كانت أكثر خضوع ا من الحركات الفاشية لسيطرة النخب القاي مة مثل أصحاب الشركات الكبرى والا ساتذة الا كاديميني والزعماء الدينيني ومسي ولي الحكومة. لذا فا ن غاية ما نستطيع قوله هو أن القومية الراديكالية كانت أحد الخيارات املتوافرة أمام اليمني املتطرف في جميع أنحاء أوروبا 52

53 فاشية ما قبل الفاشية وربما تسن ى استغلالها في ظروف الا زمات. علاوة على أن القومية الراديكالية لم تكن سوى أحد أشكال عدة ممكنة للاحتجاج الشعبوي الذي ربما جرى توجيهه ضد اليهود أو غريهم من الا قليات أو الرأسماليني أو الاشتراكيني أو جميعهم. وبناء على هذا فا ن الظروف قبل عام ١٩١٤ لم تكن تحتم انتصار الفاشية في إيطاليا وأملانيا. الحرب العاملية الا ولى أدت الحرب العاملية الا ولى ومعاهدات السلام والصعوبات الاقتصادية التي شهدتها سنوات ما بني الحربني إلى تغ ري الوضع تغري ا جذري ا فقد أصاب الوهن التيار املحافظ القاي م لا ن الحكومات التي واجهت صعوبات في الحرب تنازلت تنازلات جوهرية للقوميني والفلاحني والاشتراكيني والنساء في محاولة منها لكسب الدعم للمجهودات الحربية. ومع انتهاء الحرب صار الاستياء الشعبي واندلاع الانتفاضات في جميع أنحاء أوروبا يدفع الحكومات املذعورة إلى تعزيز الديمقراطية وزيادة ما تمنحه من حقوق للمرأة والعمال والا قليات العرقية. فقد أثارت الثورة الروسية تخوف ا هاي لا لدى أوروبا املحافظة لا سيما مع تغ ول الحركات الشيوعية في املجر وفنلندا وفرنسا وأملانيا. فالشيوعية لم تهدد بدمار الرأسمالية وحدها بل بدمار الا سرة أيض ا علاوة على أنها تبن ت قضية الا قليات العرقية في جميع أنحاء أوروبا. كان من املحتم ظهور رد فعل مضاد لهذه التهديدات متعددة الرءوس لكن نظر ا لتشوه سمعة الحركات املحافظة القاي مة كان رد الفعل غالب ا ما يا تي من جانب اليمني الجديد. الا كثر من ذلك أن هذا كان يجري في مناخ حمل طابع الوحشية جراء الحرب والحرب الا هلية واكتسبت القومية فيه قوة كبرية وصارت كل حكومة مهمومة بضمان أهلية دولتها للنجاة من الوضع الدولي العصيب في عالم ما بعد الحرب. وتدخلت الحكومات في زمن الحرب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والا سرية إلى حد لم يسبق له مثيل في أوروبا وشجع هذا الكثريين على الاعتقاد با ن العلم وتخطيط أمور الدولة يستطيعان استعادة العظمة الوطنية. كانت القوة القومية في أكثر أشكالها راديكالية والذي اعتنقه الفاشيون في كل مكان تستلزم الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الذي يحتمي وراء التعريفات الجمركية التي تزيد من سعر الواردات وقمع الاشتراكية وإدماج العمال في املجتمع القومي وتشجيع النساء على التخلي عن الالتحاق بالوظاي ف وعن السعي للمساواة من أجل إنجاب أطفال للا مة واستيعاب الا قليات العرقية في النسيج القومي أو 53

54 الفاشية إقصاءها منه وطرح خطط رعاية اجتماعية يوجينية تهدف إلى تحسني اللياقة البدنية لا بناء الا مة. شجعت أيض ا الحرب استخدام القوة لا غراض سياسية. لكن لم يكن كل العسكريني مهووسني باستخدام القوة فقد أصبح كثري منهم دعاة سلام. لكن كان واضح ا أن ظهور الحركات شبه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا خلال سنوات ما بني الحربني كان نتيجة من نتاي ج الحرب. في الواقع من املستحيل فهم الفاشية من دون أن نا خذ بعني الاعتبار الحراك البالغ الذي أحدثته الحرب العاملية الا ولى ومن املهم للغاية أن ندرك أن الفاشية جاهدت كي تفرض نفسها خارج السياق الزماني والجغرافي لا وروبا ما بني الحربني. هوامش (1) Mary Evans Picture Library. 54

55 الفصل الرابع إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» أول ما لفت بنيتو موسوليني الاهتمام الوطني كان عام ١٩١٢ حينما كان زعيم ا للجناح الراديكالي للحزب الاشتراكي الا يطالي املناهض لجوليتي وحربه في ليبيا. وتماشي ا مع مبادي ه اليسارية كان يدعو في بادئ الا مر لا ن تظل إيطاليا واقفة على الحياد في الحرب العاملية الا ولى لكنه انضم في عام ١٩١٥ إلى «الحركة التدخلية» متنوعة الاتجاهات السياسية حيث التقى املستقبليني والقوميني الراديكاليني والليبراليني املحافظني. ومن عام ١٩١٥ انحاز موسوليني إلى جانب القوميني من ضمن أصدقاي ه الجدد معتبر ا الا مة منذ ذلك الحني قوة سياسية مو ثرة أكثر منها طبقة. لكن موسوليني لم يتخ ل قط عن كراهيته الا خلاقية للمو سسات السياسية أو التجارية وكان متا ثر ا بالنقابيني الثوريني فبات مقتنع ا مثلهم با ن القومية من شا نها أن ت نتج حركة قادرة على مجابهة الليبرالية البرجوازية وعلى خلق إيطاليا جديدة. في عام ١٩١٥ نجح «التدخليون» في مسعاهم ودخلت إيطاليا الحرب. وقد نجحت الحرب في تغيري إيطاليا لكنها لم تخلق الوحدة الوطنية التي حلم بها القوميون بل على العكس فاقمت الحرب الصراع بني الطبقات وبني أدوار الجنسني. ظل الحزب الاشتراكي ثابت ا على موقفه املعارض للحرب على عكس أي من نظراي ه الا وروبيني. ونمت مستويات التنظيم النقابي وشاعت الا ضرابات. أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من ٦٠٠ ألف شخص وسر ي ان عدوى انخفاض الروح املعنوية بني صفوف الجيش وبدا أن الحرب أحدثت انقلاب ا في العلاقات الطبيعية بني الجنسني فقد التحقت النساء ببعض الوظاي ف التي كانت مخصصة للذكور وكان ي نظر إليهن على أنهن يهتممن بالتربح من غياب رجالهن لا أنهن يدعمن املجهود الحربي.

56 الفاشية لم ت ث ر هزيمة الجيش الا يطالي في معركة «كابوريتو» في أكتوبر ١٩١٧ الرأي العام الا يطالي إلا في وقت متا خر ما سمح لا يطاليا أن تصمد لبقية الحرب. صحيح أن البلاد نالت الكثري من الا راضي النمساوية بموجب معاهدة السلام لكن هذا لم ي ر ق حتم ا ملا أراده القوميون الذين كان يصعب إرضاؤهم. فقد دفع الغضب الشاعر دانونسيو على رأس فرقة من قدامى املحاربني للاستيلاء على ميناء «فيومي» الا درياتيكي في شهر سبتمبر عام ١٩١٩ وظلوا فيها إلى أن جرى طردهم منها في نهاية السنة التالية. وعملت الاضطرابات الاجتماعية املستمرة على تفاقم الغضب القومي على «الانتصار املبتور» ففي الفترة بني ١٩١٨ ١٩٢٠ («السنوات الحمر») شاعت الا ضرابات واحتلال املصانع في مدن الشمال بينما شارك العاملون بالزراعة والفلاحون في الا ضرابات في وادي بو وعمد العمال املعدمون في الجنوب لاحتلال الا راضي غري املزروعة وطالبت الا قليات السلافية والا ملانية في املناطق الحدودية بالاستقلال ونشطت الحركة النساي ية أيض ا بفضل مشاركتها في املجهود الحربي وأق ر مجلس النواب منح املرأة حق التصويت ولو أن هذا الا جراء لم يتحول إلى قانون رسمي. وحقق الحزبان الاشتراكي والكاثوليكي مكاسب كبرية في الانتخابات العامة لعام ١٩١٩ لكن نظر ا لا ن أي ا منهما لا يمكنه أن يحكم وحده ولا أن يك ون اي تلاف ا مع الا خر فقد ش كل السياسيون الليبراليون القدامى سلسلة من الحكومات بدعم كاثوليكي. لكن هذه الحكومات كانت مشلولة بفعل الانقسامات بني أتباع ك ل من جوليتي والتدخلية والحيادية ومعارضيها. هذه هي الظروف التي تحولت الفاشية في ظلها إلى حركة جماهريية. حتى ذلك الحني لم يكن موسوليني فاشي ا بمعنى الكلمة فقد ضمت «عصبة املناضلني» التي أسسها في ميلانو في ٢٣ مارس عام ١٩١٩ عدد ا قليلا من العسكريني السابقني والنقابيني واملستقبليني. ومزج برنامجها بني القومية والجمهورية وفصل الدين عن السياسة ومنح املرأة حق التصويت والا صلاح الاجتماعي في ظل فكرة ري يسية تدعو لحشد الرجال والنساء والعمال وأرباب العمل والفلاحني وملاك الا راضي في مجتمع وطني علماني. لم تحظ الفاشية با صوات كثرية عام ١٩١٩ لكنها عام ١٩٢١ مع بلوغ غضب الطبقة العاملة والفلاحني ذروته بدأت تكسب املزيد من املو يدين. علا شا ن الفاشية في املناطق التي كانت متضررة جراء اضطرابات الفلاحني حيث بدأ شباب البرجوازية الريفيون ينضمون لها با عداد كبرية فقد رأى هو لاء الشباب من أبناء مديري الع ز ب ومسي ولي البلدات الصغرية واملعلمني الذين كان أكثرهم من 56

57 إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» سويسرا النمسا كابريتو ساوث املجر تريول ميلانو تورينو سالو كريمونا فيومي فينيسيا فريارا جنوا بولونيا يوغوسلافيا إستريا ترييستي البحر الا درياتيكي رومانيا فلورنسا نهر بو توسكانيا بيدمونت روما نابولي سردينيا صقلية ٠ ميل ١٠٠ ٥٠ املنطقة الصناعية الري يسية مناطق شهدت صراع ا ريفي ا بعد عام ١٩١٨ وتوسع ا فاشي ا مفاجي ا بني عامي ١٩٢٠ و ١٩٢٢ خريطة ٢: إيطاليا. قدامى املحاربني في الفاشية وسيلة للاضطلاع بمهمة محاربة الجماعات الاشتراكية والكاثوليكية واكتسبوا دعم العديد من صغار الفلاحني والعمال املعدمني املحافظني الذين شاركوهم الرأي با ن السلطات لا توفر لهم الحماية من تيار اليسار. بدأت «الكتاي ب الفاشية» حملة ترويع شعواء استهدفت الكاثوليك والاشتراكيني خاصة راح ضحيتها عدة مي ات من القتلى. وبحلول عام ١٩٢٢ كان الفاشيون قد نجحوا فعلي ا في تولي تطبيق القانون والنظام في كثري من املناطق الريفية. وفي الوقت نفسه خاض الفاشيون صراع ا مع الا قليات السلافية في إقليم فينيتسيا جوليا وتو سعوا ووصلوا إلى املدن حيث نجحوا 57

58 الفاشية في شهر يوليو في إنهاء إضراب عام. وبحلول نهاية عام ١٩٢٢ كان عدد أتباع الفاشية قد بلغ ربع املليون. ق دم كبار ملاك الا راضي ورجال الا عمال للفاشية التشجيع والا موال بعد أن يي سوا من أن توفر لهم الحكومة الدعم ملواجهة املضربني. لكن العلاقة بني املحافظني والفاشيني لم تخل من توترات لا ن الفاشيني كانوا يرفضون ما تتسم به البرجوازية من نعومة «أنثوية» وأعلنوا ظهور نخبة رجولية جديدة زادتها الحرب صلابة ومستعدة للقيام بكل ما يلزم لهزيمة أعداء الا مة. انتقد الفاشيون خمول البرجوازية أيض ا ورأوا أنفسهم ممثلني لا ولي ك الذين يعملون القادرين على حكم البلاد وخلق إيطاليا جديدة. لكن املثري للقلق أن الفاشيني كانوا على استعداد لشن حرب شوارع على القوميني املحافظني بقدر ما كانوا على استعداد للتعاون معهم. ظل موسوليني متردد ا حيال قطع كل صلة بالاشتراكيني وبينما كان الا ثرياء سيقنعون بمجرد رؤية املنظمات الاشتراكية والكاثوليكية ت د مر راح الفاشيون يش كلون نقابات خاصة بهم واعتمدوا على تمويل التيار املحافظ الذي كان موجود ا من قبل بني بعض الفلاحني والعمال في حني شجعت أساليب العصا والجزرة كثريين آخرين على الانضمام لهم. ومع ذلك لم يكن الفاشيون ي دينون امللكية الخاصة في حد ذاتها الا مر الذي جعلهم في نظر الا ثرياء أفضل بكثري من التيار اليساري. وقد شعر املحافظون بالاطمي نان في نهاية عام ١٩٢١ حينما تح ولت الفاشية إلى حزب نظامي الحزب الوطني الفاشي واعتنقت مبادئ امل لكية والاقتصاد الحر. لم تكن الفاشية قد صارت قوة في البرملان بعد فهي لم ت ف ز سوى بخمسة وثلاثني مقعد ا في انتخابات عام ١٩٢١ لكنها تو لت السلطة من خلال مزيج من ضغط الشارع ودعم النخب من رجال الا عمال والزراعيني والسياسيني في البلاد. ففي صيف عام ١٩٢٢ تعاظم الضغط الفاشي الشعبي للا مساك بزمام السلطة وفي الخريف كانت خ طط مسرية «الزحف على روما» قد و ضعت ووجد السياسيون الليبراليون أنفسهم أمام أحد خيارين صعبني فهم إذا قاوموا ربما يرفض الجيش والشرطة محاربة الفاشيني لا سيما وقد ثبت تا رجح موقفيهما وحتى إذا انهزم الفاشيون فربما يربح اليساريون. فا جمع الساسة ورجال الا عمال والجيش على أن تولية الفاشيني الحكومة سيكون أكثر الخيارات أمان ا فذلك ربما يشد أزر السلطات في كفاحها ضد اليسار وربما حتى يبعث النشاط في كيان الدولة السياسي. لكن الا مر الخطري أن الليبراليني ع وضوا خسارتهم لا صوات الحزب 58

59 إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» شكل 1-4: مسرية «الزحف على روما» في ٢٨ أكتوبر ١٩٢٢. يظهر في الصورة من اليسار إلى اليمني: إيتالو بالبو وموسوليني وشيزاري ماريا دي فيكي وإيميليو دي بونو. 1 الكاثوليكي والاشتراكي عن طريق استخدام الفاشية مصدر ا بديلا لحشد الدعم الشعبي. وبالفعل أصبح موسوليني ري يس ا للوزراء في ٢٩ أكتوبر عام ١٩٢٢. هاجم الفاشيون اليساريني وهم على يقني با نهم في ما من من العقاب بعدما تا كدوا من دعم الحكومة والجيش لهم. وفي عام ١٩٢٣ تف كك الحزب الشعبي الكاثوليكي أيض ا تحت التا ثري املزدوج لهجمات «الكتاي ب الفاشية» وزوال الدعم البابوي فقد وعد موسوليني البابا بتحسني مكانة الكنيسة مقابل تقديمها هذا املعروف. الا هم من هذا أنه ما من أحد كان متا كد ا على الا طلاق مما تمث له الفاشية فقد كانت هناك ثلاثة احتمالات على الا قل في هذا الشا ن. وبما أن الحزب صار يمسك بزمام السلطة أقبل املحافظون عليه خاصة في الجنوب (ومعهم عصابات املافيا). فقد كان املحافظون يا ملون أن يعيد موسوليني ترسيخ القانون والنظام وأن يتبع ذلك «تطبيع» العلاقات بينهما. كانوا يريدون نسخة أكثر سلطوية من النظام القديم يضمنون في ظلها حقوقهم واحتكارهم السلطتني الاجتماعية والسياسية لكنهم مع ذلك اعتقدوا أن تشكيل حكومة برملانية ووجود درجة من الحرية السياسية ضروريان للحفاظ على نفوذهم. أراد أعضاء «الجمعية القومية الا يطالية» القديمة التي كانت قد اندمجت مع الحزب الوطني الفاشي عام ١٩٢٣ إقامة دولة أكثر سلطوية لكنهم لم يكونوا معجبني بالكتاي ب الفاشية 59

60 الفاشية الفوضوية. وفي املقابل دعا كثري من الفاشيني إلى «ثورة ثانية» لخلع السياسيني املوجودين. وقد شمل هو لاء الراديكاليون: املثقفني النقابيني وزعماء النقابات العمالية الفاشيني وأنصار الحركات النساي ية وزعماء الا حزاب املحلية املتعطشني للسلطة واملجددين الاقتصاديني. لم يكن موسوليني منحاز ا لا ي جانب صراحة لكنه مع ذلك ع دل قانون الانتخابات على نحو يضمن للفاشيني الفوز با غلبية في برملان عام ١٩٢٤. وخلال الحملة الانتخابية شارك الفاشيون في موجة عنف مكث فة ضد الاشتراكيني لكنهم تمادوا كثري ا حينما قتلوا املتحدث باسم الاشتراكيني جياكومو ماتيوتي. تو رط موسوليني في الجريمة وتعالت صيحات الاحتجاج من اليسار بل ومن الليبراليني مثل جوليتي والسياسي املحافظ أنتونيو سالاندرا. في بادئ الا مر قدم موسوليني تنازلات للمحافظني لكن هذا لم يسفر إلا عن تكثيف الراديكاليني دعواتهم لا حداث «ثورة ثانية». احتشدت النقابات الفاشية للضغط على رجال الا عمال في حني جددت النساء الفاشيات مطالباتهن بمنح النساء حق التصويت. في يناير ١٩٢٥ أذعن موسوليني أمام الضغط الراديكالي وأعلن عن نيته إقامة نظام فاشي حقيقي. لم يعمد املحافظون إلى قطع صلاتهم به خشية أن يو دي ذلك إلى تعافي اليسار. وفي نهاية العام جرى حظر املعارضة السياسية وق معت حرية الصحافة وأ لغيت انتخابات الحكومات املحلية. أجمع املو رخون على أن انتصار الراديكاليني كان فارغ ا من مضمونه وأن النظام لم يحدث قط أن تحول إلى الفاشية حق ا لكنهم اختلفوا إلى حد ما حول طبيعة النظام الذي ظهر حيني ذ. البعض قال إنه كان يخضع لسيطرة ورثة الجمعية القومية الا يطالية. تذ كر عزيزي القارئ أن هذه الجمعية كانت تريد إقامة دولة قوية لا ضفاء النزعة القومية على الا يطاليني ولاستعادة املجتمع البرجوازي من خلال الانضباط والتراتب الهرمي. وملا كانت الجمعية متا ثرة بالفلسفة الا ملانية رأى أنصارها أن الحرية الفردية لا تساوي شيي ا إلا في وجود «دولة» قوية تعبر عن مصلحة الا مة لذا فقد عارضت الجمعية مطالبات الفاشيني الراديكاليني با شراف «الحزب» على الحكومة والجيش والدواي ر الحكومية وأ صرت على أن يخضع الفاشيون للقانون لا أن يصنعوه با نفسهم. وهكذا تقع الجمعية القومية الا يطالية وفق ا للتعريفات التي أوردتها في الفصل الثاني في موقع ما بني املحافظية الاستبدادية والفاشية. 60

61 إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» ساعد نصريا الجمعية القومية الا يطالية املتفانيان لويجي فيدرزوني وزير الداخلية عام ١٩٢٦ وألفريدو روكو وزير العدل من عام ١٩٢٥ إلى ١٩٣٢ في وضع أسس النظام فجرى القضاء على العنف الفاشي تدريجي ا وأقامت الدولة منظماتها الخاصة للشباب والنساء في محاولة لتحقيق حلم الجمعية القديم املتمثل في «أمة ت ستنف ر من أعلى» أي من الحكومة. في ذلك الوقت ظ ل أصحاب املصالح القدامى محتفظني بحرية التصرف وظل النظام امللكي قاي م ا بينما احتفظ كبار رجال الا عمال والزراعيني بنفوذ كبري. وفي عام ١٩٢٩ ن فذ موسوليني وعده الذي ق دمه للبابا فقد أنهت «اتفاقية لاتريان» ستة عقود من املعارضة البابوية للدولة الا يطالية ومنحت الكنيسة حقوق ا كثرية في مجالي التعليم والعمل الشبابي. أصاب الوهن الفاشية الشعبية الريفية العنيفة التي كان روبرتو فاريناتشي مثالا لها فعلى عكس النازيني فشل الفاشيون الراديكاليون فشلا ذريع ا في تقويض سيادة القانون واجتثاث جذور الدولة الرسمية. وبحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين لم تعد الصورة الساي دة للفاشي هي صورة الشاب الذي يحارب الاشتراكيني وحده «دون أن يخشى العواقب» وإنما الزوج والا ب املسي ول الذي يعمل من الساعة التاسعة صباح ا إلى السادسة مساء في بناء أمة جديدة بينما تنجب زوجته الا طفال لا يطاليا. خلال هذه السنوات أصابت خيبة الا مل أولي ك الذين رأوا الفاشية وسيلة لتحقيق مطالب نسوية أو لنيل استقلال النقابات العمالية في ظل اقتصاد كوربوراتي (انظر الفصلني التاسع والعاشر). رغم ذلك لم يلق الفاشيون الراديكاليون تهميش ا كاملا قط ولم يصبح النظام مجرد مثال آخر على الديكتاتوريات البريوقراطية امللكية التي كانت شاي عة جد ا في أوروبا ما بني الحربني العامليتني (انظر الفصل السادس) فموسوليني لم ي ر د قط نظام ا كهذا ولهذا وجد نفسه مضطر ا لاستخدام الحزب وسيلة ضد املحافظني. ظل الحزب كيان ا مستقلا وقلة قليلة فقط من قياداته تقلدت أو سمح لها بتقلد مناصب إضافية في الدواي ر الحكومية لكنه لم يتخ ل قط عن رغبته في السيطرة على مجالات الرعاية الاجتماعية والتعليم والترفيه لتحقيق هدف الا مة املستنف رة. كان دور فاريناتشي حينما كان أمين ا عام ا دور ا حاسم ا فقد ق لص دعم ه للديكتاتورية املركزية حرية عمل الراديكاليني الفاشيني املحليني دون أن يقصد وفي عام ١٩٢٦ توقف العنف الفاشي العشواي ي. لكن الراديكالية اتخذت شكلا مختلف ا حيني ذ. 61

62 الفاشية حاول فاريناتشي استخدام الحزب ليتجاوز الا ساليب البريوقراطية العادية للحكم ويخلق طبقة حاكمة جديدة. ما لبث فاريناتشي أن ع زل من منصبه لكن خليفتيه أوجوستو توراتي وأكيلي ستراتشي واصلا السعي وراء الا هداف نفسها لكن بمزيد من الحذر. وصار الحزب بريوقراطية موازية متضخمة وباتت بطاقة عضوية الحزب شرط ا أساسي ا للترقي في املناصب الحكومية. غالب ا ما اكتفى موظفو الحكومة با ظهار الولاء الكلامي للم ث ل الفاشية لكن الا مر الا ساسي هو أن الامتثال الا يديولوجي كان مهم ا بقدر أهمية الا ساليب املتبعة في اختيار البريوقراطيني الفاشية وتدريبهم. في عام ١٩٣٢ طالب موسوليني بمنح خريجي «الا كاديمية الفاشية للعلوم السياسية» (التي أنشي ت عام ١٩٢٨) فرص تق لد وظاي ف الدولة وبات الفكر القومي املتعصب لا القواعد أساس ا لا دارة الدولة. في الواقع كان هناك نوع من الجمود فقد أصبح الحزب إلى جانب كبريات الشركات والكنيسة والدولة والجيش والنقابات الفاشية واملو سسات أحد عدة مراكز قوى شبه مستقلة في إيطاليا الفاشية وهذا أثار قدر ا كبري ا من التنافس والارتباك بني كل هذه الا طراف فعلى سبيل املثال بدأت مو سسة ترفيهية للعمال الفاشيني ت دعى نادي «دوبو لافورو» الترفيهي القومي كمو سسة حكومية لكن الحزب استولى عليه عام ١٩٢٧ في محاولة لتقويض التا ثري الذي تمارسه النقابات الفاشية على العمال. لكن ظل دوبو لافورو مع ذلك مضطر ا للتنافس مع املو سسات الكاثوليكية والنقابات العمالية الفاشية للفوز بولاء العمال. وقد شهد تاريخ املنظمات النساي ية والشبابية صراعات مماثلة. كان «الدوتشي» يريد أن تكون بيده الكلمة الفصل في جميع النزاعات وكان يتف حص الا وراق الرسمية في مكتبه حتى الساعات الا ولى من الصباح فهو كان أحيان ا يرأس ثماني وزارات في نفس الوقت لكنها كانت ري اسة اسمية ويبدو أنه لم يكن يستطيع التوصل لقرارات في كل الا مور. كانت تدخلاته عشواي ية تفتقر إلى التدبري الجيد وكان هناك مجال كبري يتيح لا خرين اتخاذ املبادرات. ومع ذلك كان وجود موسوليني ضروري ا لسري النظام. فقد كانت سلطته متى أراد أن يمارسها هاي لة علاوة على أنه كان أكثر شعبية بكثري من أ ي من نوابه ومن ثم لم يستطع أ ي منهم دون شك املجازفة بمعارضة إرادة الدوتشي الفورية لا سيما فيما يتعلق بالشي ون الخارجية التي ش كلت امليدان الوحيد الذي يبدو أن موسوليني اختار أن يسيطر عليه. وفي ثلاثينيات القرن العشرين د شن الحماس للحرب موجة جديدة من إضفاء النزعة الراديكالية على النظام. 62

63 إيطاليا: «صناعة التاريخ بالقوة» كانت نزعة موسوليني املغامرة على صعيد الشي ون الخارجية ثمرة لعوامل ثلاثة أولا : أن الفاشيني كانوا داي م ا يرون أن الاستيلاء على أراض جديدة أفضل وسيلة لحل املشاكل الاقتصادية وكانوا يعتبرون الحرب أمر ا جيد ا في جوهره بالنسبة للا مة. ثاني ا: أدت السيطرة الفاشية على وزارة الخارجية إلى تق لص املعارضة املحافظة ملغامرات موسوليني. ورغم أن السياسة الخارجية لم تكن جديدة على موسوليني فقد سبق له أن مارسها في فترة ما قبل الفاشية فقد صار فيما بعد يمارسها با يديولوجية فاشية. فالتوسع العسكري مثلا كان ي بر ر بما ذهب إليه داروين عن الصراع بني الا مم وبحاجة إيطاليا للعثور على مكان لتوطني ما لديها من فاي ض سكاني. ثالث ا: سمح صعود هتلر لا يطاليا القوية بما فيه الكفاية دون مساعدة من أي قوة أخرى با عادة النظر في معاهدة فرساي. في بادئ الا مر كان موسوليني قلق ا وحذر ا من التوسع الا ملاني وذلك لا ن إيطاليا كانت تخشى أن يتحول انتباه هتلر إلى ضم أقلياتها الناطقة بالا ملانية إذا نجح في ضم النمسا إلى الرايخ لكن سرعان ما تب ني أن قوة أملانيا العسكرية في القارة الا وروبية كبرية جد ا بدرجة جعلت إيطاليا تدرك أن الطريقة الوحيدة لزيادة النفوذ الا يطالي هي التحالف مع هتلر وإن كان ذلك على حساب املصالح البريطانية والفرنسية في البحر املتوسط وأفريقيا. فغزت الجيوش الا يطالية الحبشة عام ١٩٣٥ وحاربت إلى جانب تحالف فرانكو اليميني في الحرب الا هلية الا سبانية من عام ١٩٣٦ إلى ١٩٣٩ واحتلت ألبانيا عام ١٩٣٩. وفي السنة التالية شاركت إيطاليا في غزو فرنسا (قبيل استسلام فرنسا لا ملانيا) وفي عام ١٩٤١ غزت اليونان وبدأت تتقدم نحو مصر. أ دت تهيي ة الا مة للحرب إلى جانب الا زمة الاقتصادية إلى زيادة راديكالية النظام وقلب التوازن بني مكوناته لصالح تنظيمات الحزب والا جهزة الحكومية الجديدة. ضاعف النظام جهوده لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الا مر الذي تض من زيادة القوانني التي تحكم الاقتصاد والتدخل في الحياة الخاصة. فقد ش جعت الحكومة السكان على تناول الا رز املزروع محلي ا بدلا من املكرونة املستوردة و صرح موسوليني ذات مرة با ن الا مة املولعة بتناول «السباجيتي» لن تستطيع أبد ا استعادة الحضارة الرومانية. علاوة على ذلك أنشا ت الحكومة خلال فترة الكساد الاقتصادي شركة قابضة حكومية هي «مو سسة إعادة بناء الصناعة» التي مارست رقابة فعلية على الشركات الفاشلة وفي عام ١٩٣٦ جرى تا ميم املصارف الكبرية. لم تش كل هذه التدابري تهديد ا لوجود الشركات الكبرى في حد ذاتها بل في الواقع منحت هذه الشركات عناية كبرية جد ا على حساب املنافسني 63

64 الفاشية الا صغر. لكن العمل التجاري بات عالق ا في شر ك الضوابط التي فرضتها الدولة وهو الا مر الذي كان يا مل في تجنبه من خلال مساعدة الفاشيني على الوصول إلى الحكم. أدت الحرب أيض ا ملزيد من استنفار املواطنني ففي ظل قيادة أكيلي ستراتشي أمني الحزب من عام ١٩٣١ إلى ١٩٣٩ «تحول الحزب نحو الجماهري» فا درج عدد ا هاي لا من النساء والط لاب في مجموعات الحزب (وهكذا جرى استي صال آخر ما تبقى من الحركة النساي ية املستقلة). ن ظم ستاراتشي مظاهرات حاشدة للتعبري عن تبجيل موسوليني واستفاد استفادة خاصة من وراء تنظيم الترفيه للعمال من خلال دوبو لافورو وفي عام ١٩٣٨ أصبحت القومية عنصرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى أولا في الحبشة ثم في إيطاليا نفسها حيث صدرت القوانني املعادية للسامية عام ١٩٣٨. كان الهدف الشمولي من وراء هذه التدابري واضح ا صريح ا لكن على أرض الواقع لم يتحقق إلا القليل فقد جرى تطبيق هذه التدابري على نحو اعتراه الارتباك. وعلى أية حال ربما لم تكن إيطاليا تملك البنية التحتية واملوارد الطبيعية اللازمة لتنظيم الحياة الاجتماعية تنظيم ا فعلي ا. الا سوأ من ذلك من وجهة نظر النظام أن «التحول نحو الجماهري» أزعج الكيانات الا قطاعية داخل النظام مثل الشركات والكنيسة وامللك وظهرت أمارات الاستياء الشعبي وأخذت الفجوة بني الصورة الدعاي ية للنظام وإنجازاته الفعلية على أرض الواقع تصبح واضحة أمام بعض املثقفني. كان املجهود الحربي الا يطالي هزيلا ولم ترغب الجماهري في خوض القتال لذا كانت مساعدة أملانيا ضرورية لا نقاذ قوات موسوليني في اليونان وفي شمال أفريقيا. عام ١٩٤٣ احت لت قوات الحلفاء إيطاليا ودب ر «املجلس الفاشستي الا على» مع امللك مو امرة لعزل موسوليني من منصبه وتح ولت إيطاليا إلى ساحة حرب في الوقت الذي كانت فيه أملانيا تحتل الشمال والحلفاء الجنوب. وس جن الدوتشي لكن ما لبثت القوات الا ملانية أن أنقذته ثم ظ ل حتى نهاية الحرب ري يس ا لجمهورية صورية تقع تحت سيطرة أملانية هي «الجمهورية الاشتراكية الا يطالية» التي حاول فيها الفاشيون املستميتون في النضال أن يطبقوا الفاشية في شكلها «النقي» وفي الوقت نفسه انخرطوا في صراع مسلح ضد حركة مقاومة شعبية. هوامش (1) AKG London. 64

65 الفصل الخامس ألمانيا: الدولة العنصرية يوجد من أوجه الشبه بني الفاشية والنازية ما يكفي لجعل تطبيق مفهوم الفاشية أمر ا جدير ا بالاهتمام ففي إيطاليا وأملانيا حدث أن ت ولت السلطة حركة كانت تسعى لخلق وحدة وطنية من خلال قمع أعداء الوطن وإدماج جميع الفي ات وكلا الجنسني داخل أمة مستنف رة على الدوام. كان هذا مشروع ا شمولي ا لكن تحقيقه مستحيل. أحد أسباب فشل الشمولية الذريع في إيطاليا وأملانيا أن املجتمع الوطني املثالي جرى تصوره على نحو تط لب تقديم النخب قدر ا من التنازلات أقل بكثري من التنازلات التي كانت مطلوبة من اليسار. في إيطاليا ش كل امللك والكنيسة الكاثوليكية إلى جانب ما تبنته النخبة من أعراف الا نسانية الليبرالية عقبة كي ود ا في طريق الشمولية. وفي أملانيا جرى تخفيض عدد أفراد الجيش بموجب معاهدة فرساي وكانت الكاثوليكية أضعف حالا وكانت الكناي س البروتستانتية تحظى عادة بتفضيل السلطة وكانت الا حزاب املحافظة قد ت شربت بالفعل العديد من أفكار اليمني الراديكالي قبل عام ١٩١٤. ومع ذلك لم يحدث ق ط أن تخ لى النظام النازي تمام ا عن املحافظة غري الفاشية. شهد كلا البلدين تنافس ا داي م ا بني الحزب الفاشي وفروعه من جهة واملو سسات القاي مة من جهة أخرى ضمن حدود تحددت على أساس الولاء الشخصي لهتلر وموسوليني وسرعان ما أصبحت املو سسات القاي مة في وضع لا ت حسد عليه في كلا البلدين لا سيما في أملانيا حيث نجح هيملر بموافقة هتلر في دمج وحدات «شوتزشتافل» قوات الا من الخاصة املعروفة بالوحدة الوقاي ية مع قوات الشرطة محقق ا بذلك أحد الشروط اللازمة لا بادة اليهود. حاول ك ل جانب في هذا التنافس املميت أن ينال إعجاب الزعيم ليستخدمه ضد منافسيه الا مر الذي ع زز شعبية ك ل من موسوليني وهتلر

66 الفاشية شكل 1-5: صورة تجمع هتلر وموسوليني الت ق طت عند نصب الشهيد الفاشي فلورنسا ١٠ أكتوبر 1.١٩٣٨ التي كانت هاي لة بالفعل بفضل ما اعتبره البعض نجاحهما في إعادة إقامة دولتيهما وتحويلهما إلى قوتني عامليتني. وبدء ا من منتصف عشرينيات القرن العشرين اعتبر هتلر نفسه القاي د العظيم الذي يمتلك رؤية يسوعية ستقود أملانيا إلى النصر أو املوت. كان يو من أن مهمة أملانيا هي غزو مكان العيش في الشرق على حساب روسيا «اليهودية البلشفية» وآمن أيض ا أن قدرة أملانيا على تحقيق هذا الهدف متوقفة على التغلب على ما تعانيه من انحلال وذلك عن طريق نبذ الديمقراطية وتطهري نفسها من أعداي ها من الا عراق الا خرى. وسيكون من شا ن مكان العيش املنشود توفري املوارد اللازمة لتوحيد الناس في أملانيا جديدة نقية عرقي ا. كانت أهداف السياسة الخارجية والا هداف املحلية يعتمد بعضها على بعض. افتقرت هذه الا فكار في حد ذاتها إلى النضج الكافي لكنها كانت قوية لا نها انبعثت من التيار «الفاجنري» في الثقافة الا ملانية واست مدت من الا فكار الداروينية الاجتماعية والا مبريالية والعنصرية في القرن التاسع عشر والتي كانت متنكرة في لباس «العلم» في بعض الكليات الجامعية واملهن حيث أوعزت بمجموعة كبرية من املشاريع الرامية لهندسة مجتمع قوي. لم يكن الشعب الا ملاني كله أو حتى النازيون جميعهم يشاركون 66

67 أملانيا: الدولة العنصرية هتلر «هوسه» بما في ذلك هوسه با بادة اليهود لكن شعبيته الجارفة سمحت له بتنفيذ مخططاته العنصرية الراديكالية والعسكرية. فقد كان متا كد ا أيض ا من أنه سينال دعم التراتب الهرمي النازي املرتبط به عن طرق الولاء الشخصي. كيف أمكن أن تصل حركة كهذه إلى سدة الحكم لم تكن العلاقة مباشرة بني جسامة الا زمة الاجتماعية وانتصار الفاشية لا نه رغم أن حالة الاضطراب التي أعقبت الحرب العاملية الا ولى كانت على الا قل متساوية الخطورة في ك ل من أملانيا وإيطاليا لم تستف د الفاشية منها استفادة مباشرة فقد أدت الهزيمة عام ١٩١٨ إلى انهيار النظام امللكي الاستبدادي فتا سست مجالس من الجنود ومن العمال وحكمت إحدى الجمهوريات السوفييتية بافاريا لفترة وجيزة. وقدمت «جمهورية فايمار» الجديدة امتيازات كبرية للنقابات العمالية ومنحت املرأة حق التصويت وحققت الاشتراكية مكاسب هاي لة في انتخابات عام ١٩١٩. ذ هل القوميون من قسوة معاهدة سلام عام ١٩١٩ التي بترت مساحة كبرية من أراضي أملانيا وألقوا باللاي مة على الديمقراطيني والاشتراكيني لا نهم «و جهوا طعنة غادرة لظهر أملانيا» عام ١٩١٨. وكما حدث في إيطاليا حدث رد فعل من جانب اليمني الذي تمث ل في تحالف ضم املحافظني الساي دين في ذلك الوقت واملنتمني للاتحاد الجرماني وجماعات من الجنود املسرحني من الخدمة مثل جماعة «الفيالق الحرة» وحركات قومية شبه عسكرية جديدة كانت منها حركة «الاشتراكيون القوميون» التي تز عمها هتلر. عاود التعصب القومي الراديكالي الظهور مجدد ا في ظل الا زمة ففي عام ١٩٢٠ حاول فولفجانج كاب من «الاتحاد الجرماني» أن ي حدث انقلاب ا في برلني وفي عام ١٩٢٣ حاول هتلر بالتحالف مع الجنرال لودندورف إحداث انقلاب عسكري آخر في ميونيخ ع رف باسم «انقلاب بري هول». لكن جمهورية فايمار نجت تلك املرة وعلى عكس ما حدث مع اشتراكيي إيطاليا دافع نظراؤهم الا ملان عن النظام من التيار اليميني ونجح أحد الا ضرابات العامة في إجهاض انقلاب كاب. كان الجيش على علم با ن بريطانيا وفرنسا لن تسمحا با ي حال من الا حوال بقيام نظام قومي في أملانيا لذلك ق ب ل هو أيض ا بالديمقراطية في ذلك الوقت. وبحلول عام ١٩٣٣ كان كثري ممن دافعوا عن جمهورية فايمار وقت تا سيسها قد انضموا إلى صفوف معارضيها الذين لم يكن هناك سبيل لوقف ازديادهم أكثر فا كثر. إبان عشرينيات القرن العشرين بدا أن جمهورية فايمار بلغت درجة من الاستقرار فقد تح سن الوضع الاقتصادي إلى حد ما وبالكاد نجحت اي تلافات الوسط في فرض 67

68 الفاشية حكومة مستقرة. علاوة على أن عودة التقارب مع فرنسا وبريطانيا حمل بعض الا مل في إمكانية استرداد أملانيا أراضيها الشرقية. وخمد العنف السياسي تقريب ا لكن الجمهورية ظلت هشة ففي تيار اليسار لم يتقبل الحزب الشيوعي قط هذه الجمهورية البرجوازية بينما في تيار اليمني ظل حزب الشعب الوطني الا ملاني موالي ا للم ل كية. وتر سخت جماعة املحاربني القدامى شبه العسكرية «شتالهيلم» (أي الخوذة الفولاذية) بقوة في املجتمع البروتستانتي البرجوازي القروي وراكمت العداء لا نصار الديمقراطية الاجتماعية وللشيوعية ولتيار اليمني القاي م. في الواقع كان من يرغبون في التصويت للنازية في ثلاثينيات القرن العشرين قد اعتنقوا بالفعل سياسة القومية الشعبوية املتعصبة في العقد السالف وربما قبل عام ١٩١٤ وكانوا قد صوتوا ملجموعة من الا حزاب القومية املنشقة في عشرينيات القرن العشرين. كان هو لاء الناخبون يستنكرون خضوع نظام فايمار للمصالح الاقتصادية الا نانية وطالبوا بسياسة أكثر «قومية» وفي الوقت نفسه ومن قبيل املفارقة طالبوا بحماية أكثر فعالية ملصالحهم الخاصة. وانح طت السياسة في فايمار إلى مرتع للفوضى تتهم ك ل مجموعة مصالح فيه جماعات املصالح املنافسة با نها هي التي رفضت أولا تغليب املصلحة القومية. وانتصر النازيون لا نهم تمكنوا من إقناع قطاعات واسعة من الناخبني با نهم يستطيعون رأب الصدع والتوفيق بني املصالح الفي وية ومصالح الا مة. كان لانهيار الاقتصاد الا مريكي عام ١٩٢٩ أثر خطري على مجتمع أملانيا الهش حيث أدى الركود إلى انهيار الشركات واستدانة املزارعني وارتفاع هاي ل في معدل البطالة. ثم فقدت الجمهورية كل ما لها من شرعية مع شعور املحافظني با نهم غري قادرين على تح مل تحيزها للعمال وللحركات النساي ية ولليهود. وأدار كثري من الستة ملايني عاطل عن العمل ظهورهم للنظام الذي بدا أنه لم يجلب لهم سوى البو س. ونال الشيوعيون والنازيون أصوات ا ومن ثم كان من املستحيل تشكيل حكومة برملانية وتع ني على الحكومات من عام ١٩٣٠ أن تتولى شي ون البلاد بموجب مرسوم ري اسي. وبدأ الجيش الذي لم يعد يخشى الحلفاء يتدخل كثري ا في السياسة. وهكذا كانت الديمقراطية الا ملانية في طور الاحتضار قبل وقت كاف من تولي هتلر مقاليد السلطة. عندما كان هتلر في السجن بسبب ضلوعه في انقلاب عام ١٩٢٣ بات مقتنع ا با ن الحزب لن يستطيع نيل السلطة إلا عن طريق صناديق الاقتراع. استهدفت الدعاية الانتخابية في املقام الا ول العمال الصناعيني على أمل إقناعهم بالانفصال عن الحزب 68

69 أملانيا: الدولة العنصرية الشيوعي الا ملاني لكن انتخابات عام ١٩٢٨ أسفرت عن مكاسب غري متوقعة من الفلاحني البروتستانت الذين ت ضرر وا أشد الضرر جراء الا زمة الزراعية. ومنذ ذلك الحني وما تبعه صارت الدعاية النازية تستهدف الناخبني املحافظني وحصد النازيون معظم أصواتهم من هذا املصدر. ورغم أن اليسار بات أقل خطورة مما كان في الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة ش ن النازيون حملة ترهيب ضد الاشتراكيني والشيوعيني والكاثوليك وبذلك ق دموا أنفسهم على أنهم القوة الوحيدة القادرة على استعادة النظام واتخذوا في الوقت نفسه موقف ا مناهض ا للمو سسة الحاكمة لي ظهروا أنهم هم ممثلو الشعب مت ه مني الحكومات املحافظة املتعاقبة با نها لا تمثل الشعب. رغم أن الخطاب الشعبوي الذي است خدم في الانتخابات جذب املحافظني السابقني تحديد ا حصدت النازية أصوات ا أكثر مما فعلت الا حزاب الا خرى فقد فازت الحركة با قلية كبرية من الا صوات التي كانت من املفترض أن تص وت لليسار ونالت إعجاب الرجال والنساء على حد سواء تقريب ا. علاوة على أن ما يقرب من ربع الطبقة العاملة الا ملانية لا سيما عمال الشركات الصغرية في البلدات الصغرية صوتت على الا رجح للحركة النازية في انتخابات يوليو ١٩٣٢. ورغم زيادة قاعدة املنجذبني للنازية ونيل النازيني ٣٧ من الا صوات في يوليو عام ١٩٣٢ فا نهم لم ينالوا من املقاعد البرملانية ما يكفي لا ن يتولوا الحكم. ي ضاف لهذا أنهم خسروا مليوني صوت في انتخابات جديدة ع قدت في شهر نوفمبر. فكيف فاز هتلر بالسلطة إذن مثلما حدث في حالة إيطاليا تم كن هتلر من ذلك من خلال مزيج من التحالف مع املحافظني والضغط من الشوارع. بطبيعة الحال كان السياسيون املحافظون مثل رجال الا عمال والعسكريني والنخب من ملاك الا راضي يكنون العداء للجمهورية لكنهم لم يكونوا واثقني في النازيني واعتبروهم «بلاشفة بقمصان بنية» وف ضلوا أن تتولى السلطة حكومة استبدادية يديرونها با نفسهم لكن املشكلة أن النخب اعتقدت صواب ا أو خطا أنه ما من حكومة تستطيع الصمود من دون دعم جماهريي. وهذا الاقتناع أكد على املدى الذي تغلغلت به افتراضات «الديمقراطية» في جميع التيارات حتى اليمني الرجعي وع ك س أيض ا مخاوف الجيش من احتمال عجزه عن الحفاظ على النظام حال بقاء كلا الشيوعيني والنازيني في عداء مع النظام. حاول الجنرال شلايشر حل هذه املشكلة فق دم لرؤساء النقابات العمالية وللنازيني الراديكاليني برامج تعاف اقتصادي مبتكرة لكن لم يكن هذا ما أراده معظم املحافظني ونظر ا لعدم توافر خيارات بديلة نصب املحافظون هتلر مستشار ا في ٣٠ يناير عام ١٩٣٣. 69

70 الفاشية حصل النازيون على حقيبتني وزاريتني إضافة إلى املنصب الذي تولاه هتلر لكن سيطرتهم على الشرطة إلى جانب حقهم في الحكم بموجب مرسوم ري اسي سمحا لهم با طلاق العنان ملوجة من القمع استهدفت اليساريني. وكان حريق مبنى البرملان الا ملاني «رايخستاج» في ٢٧ فبراير ذريعة لتعطيل حرية الصحافة وحرية التنظيم النقابي. لم يكن أداء النازيني بالجودة املتوقعة في انتخابات الخامس من شهر مارس لكنهم حصلوا على أغلبية مع حلفاي هم من حزب الشعب الوطني الا ملاني ووضع قانون التمكني الذي مرره البرملان في ٢٣ مارس الا ساس للديكتاتورية ففي الا سابيع اللاحقة ح ظرت نقابات العمال وح لت الا حزاب اليمينية غري النازية نفسها وكان أحد أول الا جراءات التي اتخذها النظام عزل اليهود من الوظاي ف الرسمية. في هذه الا ثناء تنافس املحافظون والراديكاليون على السلطة داخل النظام وطالب الجناح الباطش للنازيني كتيبة العاصفة بثورة ثانية وكان من قبل يقود الحملة ضد اليسار. كان الجيش يخشى من أن تكون الكتيبة راغبة في اغتصاب موقعه. وقد كانت ضغوط املحافظني أحد الا سباب التي دفعت هتلر لاعتقال قيادات الكتيبة وإعدامهم في ٣٠ يونيو عام ١٩٣٤ فيما أ طلق عليها «ليلة السكاكني الطويلة». لكن هذا لم يم كن املحافظني من استعادة النفوذ املفقود وذلك لا ن القمع لم يكن ي نفذ بفعل الدولة أو الجيش بل من خلال أحد الا جنحة الا خرى للحركة النازية: الوحدة الوقاي ية «إس إس شوتزشتافل». وهكذا أقسم الجيش بعد مضي أسابيع قليلة يمني الولاء لهتلر. كانت راديكالية النازية واضحة في املجال السياسي وضوح ا خاص ا فالقضاء على سيادة القانون لم يكن يعني فقط ممارسة القمع بتوجيه الهجمات أو السجن في معسكرات الاعتقال أو الا عدام بل يضاف لذلك أيض ا تا كل الا ساس الفعلي للحكومة والعدالة والا دارة املستندة للقانون. فقد جرى التخلص من العناصر غري املرغوب فيها من قطاع الوظاي ف الحكومية وصارت مو سسات الحزب ووحدة «إس إس» بمنزلة إدارة موازية يجري تجنيد أفرادها على أساس الا يديولوجية وخدمة الحزب لا من خلال الا جراءات املتبعة في تعيني موظفي الحكومة. فتر قى العديد من الا شخاص من ذوي الخلفيات الشاذة غري التقليدية إلى مواقع نفوذ. لم تكن هذه ثورة على النحو الذي يعرفه املاركسيون لكنها مث لت هدم ا لهياكل السلطة القاي مة. وكما حدث بعد وصول الفاشية للحكم في إيطاليا خاب إلى حد كبري أمل الراديكاليني بالنقابات وأولي ك الذين كانوا يا ملون أن تمنح النازية النساء مزيد ا من املساواة بعد 70

71 أملانيا: الدولة العنصرية وصول النازية إلى السلطة (انظر الفصلني التاسع والعاشر). لكن النازيني كانوا أكثر نجاح ا في أن يضمنوا أن تتوغل عقيدتهم في جميع أوساط املجتمع فقد ع دلوا املناهج املدرسية وحلوا جميع الجمعيات املستقلة بدء ا من الجماعات النساي ية وحتى الجمعيات السينماي ية أو دمجوها في تنظيمات نازية. وقد شاركت «جبهة العمل الا ملانية» التي كانت مثالا على مخططات النازية الكوربوراتية إضافة إلى منظمة الترفيه عن العمال التي حملت الاسم املخادع «القوة من خلال البهجة» مشاركة كبرية في هندسة اليوتوبيا النازية. كان العرق هو املبدأ املوجه لكل هذا ورغم أن معاداة السامية لم تكن سمة مشتركة لدى جميع الا ملان ورغم أن العداء البيولوجي للسامية لم يكن منتشر ا على نطاق واسع سمح سقوط جمهورية فايمار با ن تستولي على السلطة حركة تش كل العنصرية البيولوجية بالنسبة لها عقيدة راسخة لا سيما بني قياداتها. يضاف لذلك أن معاداة السامية اكتسبت القوة الضرورية لتنفيذ مخططاتها بسبب شعبية هتلر الهاي لة التي اكتسبها عن طريق سحق الشيوعية واستعادة مكانة أملانيا الدولية إلى جانب عدم اكتراث كثري من القطاعات بمصري اليهود وت شرب البعض إلى حد بعيد بالا فكار التي روجتها دعاية النظام. وسوف نتناول هذا املوضوع بمزيد من التفصيل في الفصول التالية أما الا ن فيكفي أن نقول إن الاعتبارات الراديكالية شابت كل جوانب السياسة من حماية الا مهات وتوزيع الرعاية الطبية إلى الدبلوماسية واملناهج التعليمية. لم تكن السياسات العنصرية النازية لت ن فذ من دون مساعدة املو سسات غري النازية لا سيما الجيش والدواي ر الحكومية والا ساتذة الا كاديميني. كان تا ثري الراديكالية النازية متفاوت ا الا مر الذي أتاح احتفاظ الشركات الكبرى والجيش وبعض الوزارات بشيء من الاستقلالية وأحدث قدر ا كبري ا من التنافس بينها وبني أجهزة الحزب والدولة تمام ا كما حدث في إيطاليا. رغم ذلك اختلف ميزان القوى في أملانيا عنه في إيطاليا فقد خسرت الشركات قدرتها على التا ثري على سياسات الحكومة تا ثري ا جماعي ا عندما زاد خضوعها أكثر فا كثر للقوانني املنظمة. وفي عام ١٩٣٨ أ قيل عدد كبري من الجنرالات وأصبح هتلر القاي د العام للقوات املسلحة وأسست وحدة «إس إس» بقيادة هاينريش هيملر قوتها العسكرية الخاصة وامتد نطاقها ليطول جميع مجالات السياسة العنصرية فقد كان نفوذها القمعي هاي لا نظر ا لا ن السياسة الراديكالية كانت من أساسيات النازية. ونظر ا لا ن الجيش الا ملاني والدواي ر الحكومية والا ساتذة الا كاديميني كانوا أكثر تقبلا للخطاب الفاشي من نظراي هم في إيطاليا فقد كانت شتى عناصر النظام الا ملاني تتفوق 71

72 الفاشية على بعضها البعض في سعيها لتحقيق أجندة الفوهرر الشاملة وقد قال إيان كريشو إنهم كانوا يعملون «من أجل الفوهرر». ولم يكن هتلر بحاجة لا ن يملي عليهم سياسة تفصيلية في أي حالة لا يملك فيها الطاقة أو القدرة للتدخل تدخلا منهجي ا في الشي ون الداخلية. لكن هذا لا يعني أن النظام لم يتطلع إلى الشمولية. وقد أدى ارتباك السلطات إلى تحرر صناع القرار السياسي من قيود الا خلاق والقانون وجعل عدم اليقني مبدأ من مبادئ الحكومة وأصاب ضحايا النظام بالعجز واليا س. كان هتلر كموسوليني مولع ا بالدبلوماسية ولع ا شديد ا وكان داي م ا ما يعتبر الاستحواذ على «حيز معيشي» والقضاء على الا عداء العرقيني وعلى البلشفية ضروري ني لا قامة مجتمع أملاني متا لف ولم يكن لديه فكرة واضحة عن الكيفية التي تم كنه من تحقيق هذه الا هداف لكنه بدأ إعداد أملانيا لحرب عنصرية. وكانت معظم السياسات املحلية ترتبط بطريقة أو با خرى بهذه الا ولوية فتدابري تشجيع النساء على الزواج والا نجاب كانت تهدف لزيادة عدد السكان «الا صحاء» وتوفري جنود في املستقبل وكان تعقيم «غري الصالحني» يستهدف تحسني نوعية السكان وكان ملشاريع الا شغال العامة ب عد عسكري فقد ركزت الخطة الرباعية لعام ١٩٣٦ على إنتاج الا سلحة وإحلال الواردات. ولم يكن من قبيل املصادفة أن تتخذ سياسة التعامل مع اليهود منح ى راديكالي ا في نوفمبر ١٩٣٨ بتا ثري ذعر الحرب فقد كان النازيون يعتبرون القضاء على النفوذ اليهودي لم تكن الا بادة قد دخلت بعد نطاق السياسات النازية هدف ا للحرب وشرط ا ضروري ا لتحقيق النجاح. لم تكن دبلوماسية هتلر تسترشد خطاها من خطة واضحة متوسطة الا جل إذ سرعان ما خاب أمله في أن تظل بريطانيا على الحياد وتترك لا ملانيا حرية السيطرة على القارة لكن هتلر أخبر جنرالاته عام ١٩٣٦ أنه لا بد من خوض حرب لتا مني حيز معيشي قبل عام ١٩٤٠ على أقصى تقدير وفي العام التالي لم يف وت أي فرصة تلوح أمامه لهذا الغرض فض م النمسا إلى الرايخ في مارس عام ١٩٣٨ ثم ح ول اهتمامه إلى أقلية «السوديت» الا ملانية في تشيكوسلوفاكيا في شهر سبتمبر. وأخري ا اندلعت الحرب ضد بريطانيا وفرنسا في سبتمبر عام ١٩٣٩ عندما غزا هتلر بولندا مت كلا على تحالفه مع الاتحاد السوفييتي. وما كاد هتلر يهزم فرنسا عام ١٩٤٠ حتى بدأ يخطط لغزو الاتحاد السوفييتي. أطلق غزو هتلر للاتحاد السوفييتي العنان لصراع وحشي على نحو غري مسبوق فقد نالت املنظمات النازية من وراء التدمري الكامل للسلطة الا صلية في الا راضي الشرقية 72

73 أملانيا: الدولة العنصرية املحتلة وغياب القيود التي تمثلها البريوقراطية داخل أملانيا فرصة لا عمال القتل والتعذيب والاستغلال والنهب وإجراء التجارب على سكان البلاد املهزومة تماشي ا مع نبوءات هتلر بنهاية العالم. فقد كان هتلر قد صرح قبل أن تبدأ الحرب با نها ستنتهي با فناء يهود أوروبا وقد حدث هذا بالفعل. ظلت أوهام هتلر البعيدة عن الواقع باقية رغم انهيار الجيوش الا ملانية انهيار ا كاملا. وكان هتلر في قبوه ببرلني يتطلع هو وجوزيف جوبلز إلى بطاقات التاروت وصور فريدريش العظيم طلب ا للوحي. وقد و جه اللوم في آخر تصريحاته للشعب الا ملاني لا نه خذله. هوامش (1) Hulton Archive. 73

74

75 الفصل السادس الحركات الفاشية والمحافظة في مطلع القرن العشرين ظهرت حركات تحاكي الفاشية الا يطالية والا ملانية في جميع أنحاء أوروبا وفي الا مريكتني في السنوات التي فصلت بني الحربني العامليتني ويكشف لنا التف حص الدقيق أن بعضها لم يكن في الواقع بالغ الشبه بنماذجه املفترضة فقد فسرت الحركات الا جنبية املقلدة الفاشية وفق ا لا هواي هم فاستعاروا بعض السمات وغ ريوا في سمات أخرى ولم يروا على الا طلاق بعض الجوانب املهمة. ولذلك ليس ك ل من أطلقوا على أنفسهم فاشيني كانوا كذلك باملعنى الذي يعنينا هنا فمثلا تنظيم «القمصان الذهبية» املكسيكي الذي تا سس عام ١٩٣٤ كان يحاكي النموذجني الا يطالي والا ملاني لكن قوميته كانت في الواقع أقرب إلى قومية اليمني الراديكالي الا وروبي في فترة ما قبل عام ١٩١٤. وينطبق ذلك بدرجة كبرية على الجماعات القومية املتعصبة في اليابان في ثلاثينيات القرن العشرين فقد أ عجبت ببعض جوانب النازية وطالبت بالا صلاح املو سسي وبعسكرة الدولة وبالتوسع في الخارج لكنها كانت تعتبر تنظيم الحركات القومية الشعبية جريمة في حق الا مبراطور. لكن ظهرت أيض ا حركات فاشية حقيقية حتى في البلدان التي اتسمت بقوة التقاليد الديمقراطية ففي الولايات املتحدة كانت «الرابطة الا مريكية الا ملانية» فاشية بحق ولو أن عدد أعضاي ها لم يتجاوز ٦ آلاف عضو في أوج شعبيتها. نجمت هذه الحركة جزي ي ا عن إساءة معاملة الا ملان التي شاعت في أمريكا منذ دخولها الحرب العاملية الا ولى (هذه هي الفترة التي تغ ري فيها اسم نقانق «الفرانكفورتر» إلى «هوت دوج»). ورغم أن الرابطة عقدت بعض الروابط مع «كو كلوكس كلان» كانت جاذبيتها محدودة بسبب هذا العداء نفسه لكل ما هو «جرماني». كان «الاتحاد الوطني

76 الفاشية شكل 1-6: اجتماع حاشد لا فراد «الرابطة الا مريكية الا ملانية» قاعة ماديسون سكوير جاردن نيويورك في شهر فبراير ١٩٣٩. لاحظ في الصورة الصلبان املعقوفة أعلى النسر الا مريكي. 1 للعدالة الاجتماعية» الذي أسسه القس تشارلز إي كافلني عام ١٩٣٤ أكبر عدد ا لكن أقل تطرف ا حتى إن مرشح كافلني حصد ٨٨٢٤٧٩ صوت ا في الانتخابات الري اسية عام ١٩٣٦. وكان «اتحاد الفاشيني البريطاني» الذي أسسه عام ١٩٣٢ وزير حزب العمل الا سبق السري أوزوالد موزلي مثالا على حركة اتخذت صراحة نموذج الحركات الفاشية واستوفت املعايري التي ذكرناها سابق ا في الفصل الثاني. لم تزدهر هذه الحركة إلا لفترة وجيزة في ظل رعاية صحيفة «الديلي ميل» ثم سرعان ما أفل نجمها. ولعل الوصف الذي صارت نانسي ميتفورد منذ ذلك الحني تطلقه على زوج أختها موزلي با نه «القاي د العجوز املسكني» يلخص تمام ا ما آل إليه لاحق ا وضع موزلي الذي صار كصوت يصرخ في البرية. رفضت حركة «صليب النار» في فرنسا تسمية الفاشية وكان زعيمها الكولونيل ديلا روك رجلا متراخي ا إلى حد ما لكنه رغم ذلك تز عم حركة جماهريية شبه عسكرية كانت تهدد بممارسة العنف «الدفاعي» على أمل إقناع السياسيني القاي مني با نها الوحيدة القادرة على حكم فرنسا حكم ا ناجح ا. كانت هذه الحركة ترى أنها تجسيد للشعب 76

77 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين وكوكبة من نخبة املحاربني القدامى وأنها ستعيد إحياء فرنسا في أعقاب التخلص من الشيوعية واملحافظية التقليدية. وتطلعت الحركة لاقتناص زعامة الطبقة العاملة من التيار اليساري ولا دماج العمال في نظام كوربوراتي. ورغم عداي ها التام للحركة النساي ية حشدت النساء في مو سسة رعاية اجتماعية ضخمة مسي سة كانت ترفض تقديم املساعدات مللايني العمال الفقراء املهاجرين في فرنسا. لم يقترب الفاشيون في الولايات املتحدة أو بريطانيا أو فرنسا من السلطة. ولعل ما يثري الاستغراب أن الفاشية كان ينبغي أن تكون شديدة الضعف في الولايات املتحدة بالنظر إلى مدى العنصرية في الفكر البروتستانتي الساي د (مع ذلك وصل عدد تنظيم «كو كلوكس كلان» في مطلع عشرينيات القرن العشرين إلى ما بني اثنني إلى ثمانية ملايني عضو) وإلى احتدام الا زمة الاقتصادية وإلى حنق املحافظني على «الصفقة الجديدة» التي استحدثها الري يس روزفلت وإلى حجم املعارضة الانعزالية التي ترفض توريط أمريكا في الصراع ضد الفاشية في أوروبا. ولعل التفسري الا كثر إقناع ا لفشل الفاشية هناك هو أن السياسات الاجتماعية التي تبنتها «الصفقة الجديدة» حولت الشعبوية املناهضة للمو سسة الحاكمة نحو اليسار بدلا من اليمني املتطرف وهذا جاي ز جد ا لا سيما إذا عرفنا أن العنصرية لم ت غ ب عن اليسار واليمني الساي دين حيني ذ في أمريكا. لم تخل بريطانيا أيض ا من التوتر فرغم أن البلاد كانت إلى الجانب املنتصر في الحرب العاملية الا ولى كان خطر القومية املتمردة يهدد الا مبراطورية بينما كان الكثريون يرون أن الا ضراب العام لعام ١٩٢٦ وصعود حزب العمل يشكلان خطر ا يهدد حق امل لكية. رغم ذلك رأى «اتحاد الفاشيني البريطاني» أن املحافظني املوجودين أكثر توحد ا من نظراي هم الا ملان أو الا يطاليني وأنهم راسخون رسوخ ا متين ا في البرملان بدرجة تغنيهم عن أي دعم فاشي. ويذهب البعض ربما بقدر كاف من الرضا إلى أن تقليد بريطانيا طويل الا مد بتنصيب حكومات نيابية كان يش كل حاجز ا أمام الفاشية. ولعل النظام الانتخابي البريطاني الذي يجعل من الصعب على الناخب أن يص وت لصالح الا حزاب املتطرفة من دون أن يدع خصمه السياسي يدخل البرملان كان أكثر أهمية من أي رصيد من الحكمة والتسامح تفردت به بريطانيا. في فرنسا كان املوقف أكثر إيجابية إلى حد ما بالنسبة للفاشيني لا ن عدد ا كبري ا من املحافظني كانوا منتقدين للنظام البرملاني وكان الخوف من الشيوعية هاي لا لكن تيار اليسار الفرنسي استفاد من دروس أملانيا حيث كان الاشتراكيون والشيوعيون يكادون 77

78 الفاشية يبغضون بعضهم بعض ا بقدر بغضهما للنازيني. فتو حد اليسار الفرنسي ضد الفاشية وأثبت براعة في القتال في الشوارع واستهدفت سياساته الناخبني الذين اعتبرهم الا كثر عرضة لاعتناق الفاشية ففاز با غلبية كبرية في انتخابات عام ١٩٣٦. ونتيجة لقوة العداء للفاشية اقتنع العديد من املحافظني أن دعم الفاشية أمر محفوف باملخاطر واستسلمت حركة «صليب النار» لحلها في يونيو عام ١٩٣٦ لكنها عاودت الظهور في صورة «الحزب الاشتراكي الفرنسي» الذي ما لبث أن نفض عنه تدريجي ا سماته الا كثر فاشية حتى اكتشف مجدد ا بغضه للديمقراطية عندما احت لت فرنسا من قبل الا ملان عام ١٩٤٠. نادر ا ما تولى الفاشيون مقاليد السلطة بجهودهم الذاتية ونادر ا ما سيطروا على الحكومات ففي كثري من الحالات التي تعثرت فيها الديمقراطيات وسقطت «في يد اليمني» كانت الديكتاتوريات املحافظة تستفيد من ذلك. حدث هذا في الغالب في شرق أوروبا وجنوبها وفي أمريكا اللاتينية. ففي أوروبا ظهرت حركات فاشية كبرى كانت تتحدى الديكتاتوريات املحافظة بينما في أمريكا اللاتينية كان هذا أمر ا نادر الحدوث. قبل أن نكمل من املهم أن نذ كر أنفسنا بالتعريف الذي وضعناه للفاشية كي نتمكن من استخدامه (فهذه هي الغاية من وضع التعريفات) في فهم التطورات السياسية في الدول التي نتناولها. والنقطة الا ساسية هي أن املحافظية الاستبدادية تحكم من خلال الكنيسة والدواي ر الحكومية والجيش وربما من خلال نظام ملكي. واملحافظية الاستبدادية تدافع عن الا سرة وحق التملك دفاع ا مستميت ا وبقدر ما تود حشد الجماهري فا نها تنظمهم تحت قيادة السلطات القاي مة. في املقابل تسعى الفاشية إلى جلب نخبة جديدة إلى السلطة ممثلة للشعب املستنف ر وتعتبر الدفاع عن حق التملك والا سرة أدنى مرتبة من احتياجات الا مة املستنفرة. لكن املحافظني والفاشيني لهم نفس الا عداء ولذلك كان التعاون بينهما ممكن ا على الدوام. والواقع كما قال مارتن بلينكهورن أن أوروبا في فترة ما بني الحربني شهدت تدرج ا من املحافظية الاستبدادية إلى الفاشية كانت في إحدى نهايتيه الا نظمة املحافظة الاستبدادية التي اتسمت با دنى قدر من الاتجاهات الفاشية مثل ديكتاتورية أنطونيو سالازار في البرتغال وفي النهاية الا خرى كانت الحركات والا نظمة الفاشية التي اتسمت با دنى حد من التعاون مع املحافظية والتي تعد النازية خري مثال عليها. وحتى النازية والفاشية الا يطالية بخاصة لم تكن من الا مثلة على الفاشية الصرفة. وما يزيد الوضع تعقيد ا هو تلك النزاعات التي استمرت داخل الحركات الفاشية على ما 78

79 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين إذا كان ينبغي التركيز على الجوانب الراديكالية أم الجوانب الرجعية للفاشية. أما في الا حزاب املحافظة فكثري ا ما كانت توجد عناصر تريد أن تبعث املحافظية التقليدية من خلال تطعيمها باقتباسات انتقاي ية من الفاشية. وبالتالي فا ن الطبيعة الدقيقة للفاشية وعلاقتها بالقوى املحافظة وفرصها في الفوز بالسلطة كانت متفاوتة تفاوت ا كبري ا من بلد إلى آخر. هل هي فاشية إكلرييكية في بعض الا حيان ي نظر إلى ديكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو الا سبانية على أنها فاشية. ففي عام ١٩٣٦ تز عم فرانكو ثورة عسكرية ضد الجمهورية الا سبانية وبحلول نهاية الحرب الا هلية التي أعقبت ذلك كان قد أسس ديكتاتورية ظلت قاي مة حتى وفاته عام ١٩٧٥. ضم الاي تلاف الذي دعم فرانكو عنصر ا فاشي ا تمث ل في كتاي ب «الفلانخي» الا سبانية بقيادة خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفريا. توسعت الكتاي ب على النحو الذي شهدناه مرار ا في الحالات الا خرى توسع ا سريع ا على حساب املحافظية الكاثوليكية الدستورية بعد أن ط ردت هذه الا خرية من الحكومة عام ١٩٣٥ ثم انهزمت أمام اليسار في انتخابات عامة أ جريت في فبراير عام ١٩٣٦. وقد حملت كتاي ب «الفلانخي» كل امللامح التقليدية للفاشية تمث ل أهمها في التزامها شكلا من أشكال الكوربوراتية «النقابية القومية» ق صد منه أن تتحرر من سيطرة رجال الا عمال والدولة بقدر يفوق النموذجني الا يطالي والا ملاني وثمة ملمح آخر هو مطالبتها بالا صلاح الزراعي وتا ميم البنوك والاي تمان. كانت كتاي ب «الفلانخي» أكثر تدين ا من معظم الحركات الفاشية لكنها من دون أن ت علي «العاملية» الكاثوليكية فوق الا مة. ولعبت دور ا مهم ا في سحق اليسار داخل املناطق التي سيطر عليها أتباع فرانكو. ومن امللامح الفاشية التي مي زت كتاي ب الفلانخي أن الراديكاليني واملحافظني كانوا يتنافسون على السلطة داخلها. وقد كفلت الظروف في إسبانيا أن يخرج املحافظون الاستبداديون من هذا السباق منتصرين نصر ا مبين ا. فقد كان التسييس قبل ثلاثينيات القرن العشرين مقتصر ا في إسبانيا على املناطق التي تعاني من الفقر ثم أدى انهيار املحافظية الدستورية عام ١٩٣٥ إلى تدفق املحافظني وحتى امللكيني للانضمام للكتاي ب رغم أن الكثري منهم لم يكونوا فاشيني على الا طلاق. علاوة على أن التعصب القومي لم يكن قوي ا في إسبانيا لا سيما لا نها دولة متعددة الا عراق (تضم القشتاليني والكاتالونيني 79

80 الفاشية والباسكيني). وأيض ا لا ن إسبانيا لم تشهد اضطرابات الحرب العاملية الا ولى. ولكل هذه الا سباب لم تكن الكتاي ب قادرة على استخدام وسيلة الحزب الجماهريي للفوز بالسلطة وعجزها عن الاستفادة من هذه الوسيلة لم يجعلها تكتسب من الاستقلالية إلا القدر القليل. أما داخل اي تلاف فرانكو فقد كان على الكتاي ب الفلانخية أن تتنافس مع «الكارليني» الكاثوليك واملحافظني ومع امللكيني الذين اكتسبوا نفوذ ا عززته صلاتهم العاي لية والطبقية بفي ة الضباط الا مر الذي أفقد الراديكالية الفلانخية مصداقيتها. وبينما صار الجيش ضرورة لا غنى عنها بسبب صلابة الدفاع العسكري للجمهورية ق تل عدد كبري من الناشطني الفلانخيني أو سجنوا على يد الجمهوريني. لم ي بد «الفلانخيون» مقاومة عندما و حدهم فرانكو عام ١٩٣٧ مع الكارليني وامللكيني في حركة واحدة. وهكذا لم يختلف نظام فرانكو عن نظام موسوليني في أن كليهما تض من وجود حزب واحد جمع بني الفاشيني املتشددين واملحافظني لكن العنصر الفاشي كان أضعف في إسبانيا وعلى عكس ما حدث في حالت ي إيطاليا وأملانيا اشتدت شوكة الكنيسة والجيش والحكومة بمرور الوقت. كانت دولة النمسا الاتحادية (الدولة الكوربوراتية) التي ظلت قاي مة منذ عام ١٩٣٣ حتى ١٩٣٨ بقيادة إنجلبرت دولفوس ثم من بعده كورت فون شوشنج أقرب ابن عم لديكتاتورية فرانكو الكاثوليكية العسكرية البريوقراطية في أوروبا ما بني الحربني فقد كان العنصر الفاشي ثانوي ا في النمسا أيض ا في شكل تنظيم «حرس الوطن الفاشي النمساوي» لكنه كان يتصرف باعتباره حليف ا للحكومة لا مصدر ا بديلا للسلطة. كانت أهم السمات التي مي زت «حرس الوطن» هو أنه كان مشتت ا بني القرابة مع أملانيا النازية والرغبة في إحياء الا مبراطورية النمساوية املجرية فوق القومية في شكل كونفيدرالية من الدول الكاثوليكية املو يدة لا يطاليا بقيادة النمسا. وكان املذهب الكاثوليكي هو الا ساس لهوية وطنية نمساوية قادرة على تقويض إغراء الاتحاد مع أملانيا التي تسود فيها البروتستانتية إلى حد كبري. وقد خففت هذه النزعة فوق القومية فاشية تنظيم «حرس الوطن». مع ذلك رأى قادة «دولة النمسا الاتحادية» أن التنظيم شديد الراديكالية وشديد العداء للسامية فح لته الحكومة عام ١٩٣٦. وفي عام ١٩٣٨ أطاح هتلر بمساندة النازيني النمساويني بدولة النمسا الاتحادية بحجة أنها نظام «رجعي» وهو رأي صاي ب بدرجة ما. 80

81 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين شكل 2-6: الفاشية واملحافظية الاستبدادية: من اليسار إلى اليمني إنجلبرت دولفوس املستشار النمساوي وموسوليني وامليجور دولا جمبوش ري يس وزراء املجر شبه الفاشي في روما ١٧ مارس ١٩٣٤. يقف إلى اليمني ممثل عن الديكتاتورية اليابانية. 1 أوروبا الشرقية خلال سنوات ما بني الحربني تساقطت تباع ا ديمقراطيات أوروبا الشرقية التي كانت قد نشا ت حديث ا وسط موجة من التفاؤل بعد خروجها من بني أنقاض الا مبراطوريات الروسية والا ملانية والنمساوية املجرية التي ضمت جنسيات عديدة. وما كادت تشيكوسلوفاكيا وحدها تفلح في تفادي انقلاب عسكري حتى سقطت بني براثن النازيني بني عامي ١٩٣٨-١٩٣٩. كانت الديمقراطيات الناشي ة تعاني كل املشاكل التي عانتها إيطاليا وأملانيا: دمار زمن الحرب والاضطرابات الشعبية والا ضرابات والصعوبات الاقتصادية والتوترات العرقية علاوة على نفس الخوف املتفشي من البلشفية والذي تفاقم في بعض الحالات نتيجة لخوض الحرب فعلي ا ضد البلاشفة. كان الاتحاد السوفييتي ي دعي أحقيته في بعض الا قاليم في العديد من دول أوروبا الشرقية وكانت هناك موجة من حركات التمرد الشيوعية. فقد حاول الشيوعيون استغلال الشعور بالضيم ليس لدى أوساط طبقات 81

82 الفاشية العمال فحسب بل أيض ا لدى الفلاحني (الذين أرادوا الحصول على مزيد من الا راضي) ولدى الا قليات العرقية أيض ا. نجد في أوروبا الشرقية نفس القناعة با ن الحرب أخ لت بالتوازن الطبيعي بني الجنسني. وكما كانت الحال في أملانيا وإيطاليا دعا املحافظون باسم الوحدة الوطنية لاتخاذ تدابري أكثر صرامة ضد الشيوعيني والحركات النساي ية والا قليات العرقية. كانت هذه رسالة قوية في خ ض م الفوضى العرقية العارمة في أوروبا الشرقية خلال فترة ما بني الحربني وكان املفترض أن تكون معاهدات السلام قاي مة على أساس تقرير املصري الوطني لكن تشابك أماكن وجود الجماعات العرقية كان من التعقيد بحيث لم يكن من املمكن على الا طلاق أن تتطابق معه الحدود الدولية فشملت الدول «القومية» الجديدة كلها أقليات عرقية كبرية العدد فبولندا على سبيل املثال كانت نسبة سكانها البولنديني ٧٠ فقط. وتح ول أبناء القوميات التي كانت تابعة من قبل إلى أسياد لا قليات أخرى جديدة وكثري ا ما كان أبناء القوميات الظافرة يتجردون من إرثهم من القومية اليسارية (سطحي ا في بعض الا حيان على أية حال) ويصريون متعصبني ومعادين للشيوعية وللحركة النساي ية. في بادئ الا مر د لت الشواهد على أن مختلف املجموعات العرقية على استعداد لا ن تعيش وتدع غريها يعيش لا ن معاهدات السلام فرضت حماية حقوق الا قليات لكن سرعان ما نشا ت نزاعات حدودية وجرى تسوية بعض املشاكل الحدودية باستخدام القوة. ما هو أكثر من ذلك أن كانت أملانيا وبلغاريا والنمسا واملجر مستاءة من فقدها أراضيها وتشعر بحساسية من الثروات التي يملكها مواطنو هذه الدول الذين لم يكونوا من قبل سوى أقليات تعيش في دول أخرى كاملجريني في رومانيا أو الا ملان في بولندا. أما الدول التي ازدادت مساحة من خلال التوسع (رومانيا وصربيا التي صارت يوغوسلافيا) أو التي كانت قد تا سست حديث ا (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وتشيكوسلوفاكيا) فقد أرادت «إضفاء الصفة القومية» على الا قليات أو إقصاءها. وفي أوروبا الشرقية كما في الغرب كثري ا ما كانت الديمقراطية تعني ديكتاتورية الا غلبية لا التسامح أو حتى التعددية الثقافية. كان وجود الاتجاهات املتعصبة داخل النظام الديمقراطي لا يهدئ تعصب أولي ك الذين كانوا مقتنعني با ن الديمقراطية تمنح الا قليات العرقية والعمال واملرأة حرية زاي دة عن الحد. فقد حدث في دولة بعد أخرى أن ن صب املحافظون أنظمة استبدادية تن صلت 82

83 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين مما ألزمته إياها املعاهدة من حماية للا قليات واعتقلت الشيوعيني وكشفت عن نيتها إعادة املرأة إلى البيت. كان اليسار غالب ا ما يعتبر هذه الا نظمة فاشية. وفي الواقع كانت هذه الا نظمة تحكم من خلال املو سسات التي كانت قاي مة من قبل. وهكذا اكتسبت الكناي س مزيد ا من النفوذ: ففي رومانيا أصبح البطريرك الا رثوذكسي مريون كريستيا ري يس ا للوزراء عام ١٩٣٨ وأصبح الجيش العمود الفقري للحكومة في بولندا وظل أقطاب ملاك الا راضي أصحاب الغلبة في املجر. أما في بلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا فقد كانت الا نظمة امللكية هي التي تحكم صراحة وفي كل مكان كان موظفو الحكومة ذوي سلطة ونفوذ. وملا كانت هذه الديكتاتوريات نخبوية أنشا بعضها منظمات ص ممت للحصول على الدعم الشعبي ففي عام ١٩٣٥ أسس «الع قداء» البولنديون «معسكر الوحدة الوطنية» ومثله كان «الاتحاد الراديكالي اليوغوسلافي» يهدف لتوفري دعم شعبي للديكتاتورية امللكية وكان أعضاؤه يرتدون قمصان ا خضراء. وقد ق ب ل النظام اليوغوسلافي أيض ا الدعم املقدم من «الاتحاد النساي ي اليوغوسلافي» معتبر ا أن أنشطة الاتحاد التعليمية والاجتماعية وسيلة لتشجيع الولاء للملكية. لكن أي ا من هذه املنظمات لم تكن تشبه الا حزاب الفاشية الجماهريية فقد أذعنت للسلطات القاي مة ولم تحتكر تكوين التنظيمات. في الواقع إحدى العلامات املميزة لهذه الديكتاتوريات أنها سمحت بقدر من الحرية السياسية فهي لم تمارس رقابة كاملة صحيح أن املعارضني كانوا عرضة للاعتقال والسجن لكن وجودها استمر. وكانت الدساتري ت عدل والاقتراعات تطالها يد التلاعب والتزوير لكن الانتخابات ظلت ت جرى. بوجه عام كان القانون لا يزال ي حترم وإن كان قانون ا استبدادي ا على نحو ملحوظ. ولهذا السبب تحديد ا كان الفاشيون يعارضون هذه الديكتاتوريات لكننا يجب أن ننتبه إلى أن الحركات الفاشية الكبرى لم تظهر في جميع البلدان التي كانت الظروف تبدو مواتية فيها. ففي تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا كان من املتوقع أن تظهر الحركات الفاشية بني التشيكيني أو الصربيني فكلاهما ربما اعتبر حكومته تفرط في م جاملة الا قليات العرقية وكلا البلدين شهد مشاكل اقتصادية وتحريضات يسارية لكن تشيكوسلوفاكيا عدمت أي متسع سياسي للفاشية لا ن الاشتراكية احتكرت السيطرة على الطبقة العاملة ونجحت الحكومة نجاح ا ملحوظ ا في امتصاص غضب املزارعني من خلال برنامج دعم الا سعار. ي ضاف إلى ذلك أنه رغم ما اتسمت به القومية التشيكية من 83

84 الفاشية عيوب فا ن التشيكيني كانوا يتباهون بكونهم أكثر تسامح ا واستنارة من الا ملان لا سيما أن الفاشية نشا ت وسط الا قلية الا ملانية في منطقة «السوديت» بفضل تنامي الرأي العام املو يد للاتحاد مع أملانيا. صحيح أن يوغوسلافيا شهدت ظهور بعض الحركات الفاشية الصغرية لكنها عدمت أي أساس للقومية املتطرفة نتيجة لضعف النزعة الوطنية اليوغوسلافية فرغم أن الصرب املهيمنني رأوا أن الحكومة قدمت تنازلات كثرية جد ا للا قليتني الكرواتية والسلوفانية لم يكن الضغط من أجل «صربنة» البلاد خيار ا واقعي ا بالنظر إلى أن الصرب كانوا هم أنفسهم أقلية. وعلى أية حال كانت يوغوسلافيا بلد ا فقري ا ربما لم يبلغ مستوى التنمية اللازم لتنظيم الا حزاب السياسية الجماهريية. شهدت املجر ورومانيا أكثر حركات الفاشية نجاح ا في أوروبا الشرقية وسوف نتناول رومانيا مثالا على ذلك. كانت إحدى القضايا الري يسية في السياسة الرومانية (كما رأينا في الفصل الا ول) هي كيفية استيعاب الا قلية العرقية كبرية العدد التي صارت تضمها بعد الحرب العاملية الا ولى ودمجها داخل الدولة القومية الرومانية. كان القوميون خاي فني أيض ا من الشيوعية فقد كانوا يظنون أن كل الشيوعيني يهود وأن كل اليهود شيوعيون. وثمة مشكلة أخرى هي أن الفلاحني الذين كانوا يشكلون الا غلبية الساحقة من السكان أرادوا زيادة أملاكهم من الا راضي. منذ مايو ١٩٢٠ حال انقلاب ملك ي دون استيلاء حكومة من الفلاحني على السلطة وظلت رومانيا لثماني سنوات تديرها حكومات «ليبرالية» سلطوية. كانت هذه الحكومات تمارس التمييز ضد غري الرومانيني في مجالي الاقتصاد والتعليم وانتهجت سياسة تحديث اقتصادي مولتها من الضراي ب الباهظة التي فرضتها على الفلاحني. في عام ١٩٢٨ أتاح سخط الفلاحني الناجم عن ذلك فوز «حزب الفلاحني الوطني» بالسلطة مع أمر رسمي با عادة الحكم الدستوري ومنح الا رض للفلاحني. في الواقع لم يحقق هذا الحزب سوى القليل. وملا كان كلا الطرفني قد فشل ارت دت السلطة في أيدي النظام امللكي في حني كان فيلق «ري يس امللاي كة ميخاي يل» (الحرس الحديدي) هو املعارض الري يسي للنظام امللكي في البلاد. نشا ت الفاشية الرومانية من مصدرين أولا : نال الفيلق دعم الفلاحني الذين كانوا يشعرون بخيبة الا مل من أداء «حزب الفلاحني الوطني» وعلى أية حال كان الحزب يضم عنصر ا فاشي ا قوي ا. ثاني ا: جن د الحزب أفراد ا من املثقفني املحبطني الذين كان كودريانو يمثلهم الذين أرادوا أن تقتصر املهن على أبناء رومانيا. 84

85 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين حمل الفيلق كل سمات الفاشية فقد زعم أنه من الشعب وأنه يمثل الفلاحني باعتبارهم قلب رومانيا. تمي زت هذه الرؤى بميزة مزدوجة جمعت بني التزلف للفلاحني وإضفاء الشرعية على مطالبة الرومانيني «الحقيقيني» باملهن. لكن الفيلق على عكس النازيني أو حتى الفاشيني لزم لهجة دينية غالبة وكان يحظى بدعم العديد من رجال الدين الا رثوذكس. فقد كان كودريانو يرى أن العقيدة الا رثوذكسية الرومانية مرادف للجنسية الرومانية ومن ثم لم يكن يع د اليهود من الشعب لا نهم من سكان الحضر ولا نهم ليسوا أرثوذكسيني. ومع ذلك اتخذت عقيدة الفيلق منح ى هرطقي ا فقد ارتبطت ارتباط ا وثيق ا بالا سطورة القومية الرومانسية التي تذهب لفكرة بعث دولة الرومانيني والتي طاملا حظيت بشعبية في الا وساط الفكرية وتج سدت من خلال طقوس غريبة ابتعدت كل البعد عن العقيدة املنظمة (عدا شكلا من أشكال املحاكاة البشعة إذ كان أعضاء فرق املوت املنتمون للفيلق يمارسون طقس ا يتضمن شرب بعضهم دم بعض). رفض كودريانو املفهوم القاي ل با ن املبادئ الدينية ينبغي أن تحكم السلوك السياسي فالسياسة مجال للصراع والحرب والفيلق منظمة شديدة العنف لا سيما أن استعداد أعضاي ه للقتال حتى املوت لم يضارعه سوى استعداد جنود وحدة إس إس الذين اعتنقوا هم أيض ا أفكار ا خارقة للطبيعة. كان إيمان «الفيلق» با ن الا مة يجب أن يج سدها الشعب لا الا سرة الحاكمة سبب ا في خسارة شعبيته لدى مراتب الكنيسة والنظام امللكي وسرعان ما بدأت الحكومة تعامله على أنه عد و نظر ا لراديكاليته. عام ١٩٣٧ حصل الفيلق على ١٦ من الا صوات في الانتخابات العامة وأبلى حليفه «حزب الفلاحني الوطني» بلاء حسن ا فما كان من امللك إلا أن ش كل حكومة ديكتاتورية على نحو صريح بري اسة البطريرك الا رثوذكسي مريون كريستيا. وفي عام ١٩٣٨ ح ظر الفيلق وق تل كودريانو. عاود «الفيلق» الظهور مجدد ا عام ١٩٤٠ لا ن هزيمة فرنسا دمرت الروح املعنوية للمحافظني املناصرين لفرنسا. وفي عام ١٩٤٠ منح هتلر مساحات واسعة من الا راضي الرومانية للمجر وبلغاريا (وتدب ر ستالني أمره واستولى على بيسارابيا). أ لقي على امللك باللوم جراء خراب الا مة وب ري ت ساحة «الفيلق» ثم أ دمج في الحكومة تحت قيادة الجنرال املحافظ أنتونيسكو. لكن هذا لم يضع حد ا للصراع بني اليمني القديم واليمني الجديد فقد كان أنتونيسكو يعتقد بوصفه محافظ ا استبدادي ا أن الفيلق تمادى 85

86 الفاشية كثري ا في مصادرة الشركات واملزارع واملنازل التي يملكها اليهود وغريهم من الا قليات. وفي يناير من عام ١٩٤١ ربح أنتونيسكو املنافسة لا ن النازيني رأوا فيه حليف ا أكثر موثوقية من «الفيلق» القومي املتعصب. إن فشل الفاشية في الفوز بالسلطة في رومانيا يلقي بعض الضوء على نجاح الفاشية في غريها من دول أوروبا الشرقية خاصة في املجر ولاتفيا وبولندا التي شهدت أقوى تجليات الفاشية. عادة ي قال إن الحركات الفاشية لم ت ف ز بالسلطة في أوروبا الشرقية لا ن تهديد اليسار لم يكن كبري ا بحيث يجبر املحافظني على قبول التحالف مع الفاشيني. لكن هذا القول يحتاج إلى مراجعة فرغم أن الا حزاب الشيوعية كانت ضعيفة كان «الخوف» من الشيوعية يتغذى على طموحات الاتحاد السوفييتي الا قليمية وعلى املفهوم الشعبي الذي يربط اليهود بالشيوعية علاوة على أنه كان ي عتقد عموم ا أن الشيوعية تعمل من خلال السرية والتا مر لا من خلال الا حزاب الجماهريية. وبالتالي فا ن خفاء الا حزاب الشيوعية هو تحديد ا ما كان يزيد الخوف من الشيوعية. بعبارة أخرى يجب علينا أن ندرس املعتقدات التي كانت ساي دة في ذلك الوقت لا أن نعزو آراء إلى عوامل تاريخية مستندين إلى تصورنا الخاص ملستوى التهديد الشيوعي. وبالعودة إلى موضوعنا كان هناك بالا ساس قدر من الخوف من الشيوعية كاف لا ن يدفع الفاشيني واملحافظني للتعاون مع ا وكثري ا ما كان العداء املشترك للشيوعية أساس ا للعمل املشترك. ملاذا إذن لم يحدث تحالف داي م آخر بني الفاشيني واملحافظني يبدو أن طول وجود البرملان وتكرار خروج الشعب للانتخابات في أملانيا وإيطاليا رغم كراهية املحافظني الشديدة لهما قد أقنعهم قناعة ربما تكون خاطي ة با ن الحكومات يجب أن تحظى بشكل من أشكال التا ييد الشعبي. وبالتالي كان هذا سبب اضطرارهم للسعي إلى دعم الفاشية. لكن في أوروبا الشرقية كان املحافظون يسعدون أيما سعادة بتعطيل البرملان كلما بدا لهم أن التعاون مع الفاشية قد يكون ضروري ا للحصول على أغلبية. ثمة عقبة أخرى وقفت حاي لا دون التعاون بينهما تمث لت في أن فاشية أوروبا الشرقية كانت أكثر راديكالية على الصعيد الاجتماعي من فاشية أملانيا أو إيطاليا فقد بدت الا صوات املطالبة بمصادرة أملاك اليهود والا ضرابات ضد أرباب العمل «الا جانب» مختلفة كل الاختلاف في أوروبا الشرقية حيث كانت الطاي فة اليهودية وغريها من الا قليات العرقية تش كل نسبة كبرية من الطبقة البرجوازية. ما هو أكثر من ذلك أن ش ن الفاشيون هجوم ا مباشر ا على النخب املالكة للا راضي من بني وطنهم من خلال دعم 86

87 الحركات الفاشية واملحافظة في مطلع القرن العشرين مطالبات الفلاحني بالحصول على الا رض. ولم يكن أنتونيسكو وأمثاله يرون فاي دة تذكر من التحالف مع حركات لا تعتقد في حق التملك كالحركات الشيوعية. وملا كان فاشيو أوروبا الشرقية محرومني من دعم املحافظني وعاجزين عن الفوز في الانتخابات لم يتمكنوا من الفوز بالسلطة إلا بمساندة النازيني. ولا ن النازيني لم يكونوا واثقني من تطرف قومية الفاشيني لم يكن هذا الدعم يتحقق داي م ا. أمريكا اللاتينية تكرر اللجوء للديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وكان بعض الا نظمة معجب ا بالفاشية واستنسخ بعض ملامحها لكن لم يحدث قط أن حملت هذه الا نظمة كل خصاي ص الفاشية إنما كانت في الواقع أشبه بالجمعية القومية الا يطالية من حركة موسوليني. في الواقع نادر ا ما ازدهرت الفاشية في أمريكا اللاتينية لا ن مستويات التعبي ة السياسية في مجتمعات أمريكا اللاتينية الفقرية كانت شديدة الانخفاض إضافة إلى أن أمريكا اللاتينية لم تشهد شيي ا بجسامة الحرب العاملية الا ولى وما ترتب عليها من تو حش السياسة واتسامها بالطابع العسكري. كان من السهل على حكومات أمريكا اللاتينية أن تقمع أي نوع من املعارضة الشعبية بما في ذلك الفاشية بفضل دعم الجيش. وعلى أية حال لم يكن هناك وجود لتيار اليسار. واعتياد الناس على الحكم الديكتاتوري هناك كان تحديد ا يعني أن أي شخص كان سيتبع خطى موسوليني سيتعني عليه أن يكافح كي يميز نفسه عن النموذج املا لوف للحاكم العسكري املسيطر ويكتسب تلك الهالة التي تكتنف املخ لص املنقذ للشعب. لكن البرازيل كانت استثناء لذلك فقد أطاح جيتولو فارجاس بالجمهورية «القديمة» الا وليجارشية عام ١٩٣٠ في وقت الا زمة الناجمة عن انهيار أسعار البن الذي يش كل املصدر الري يسي لدخل البرازيل. وأذ ن الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الذي أعقب ذلك ببدء فترة من الاستقطاب بني الشيوعيني وأنصار «التكاملية» الفاشيني الذين وصل عددهم إلى ٢٠٠ ألف عضو على الا قل وكانوا يرفضون الليبرالية البرازيلية التقليدية ويفضلون عليها القومية ومعاداة السامية والشيوعية. كان «التكامليون» يسعون لا حداث ل حمة بني الانتماءات العرقية املتنوعة في البلاد لتشكل جنس ا برازيلي ا واحد ا تربطه الخصاي ص التاريخية والثقافية وكانوا يريدون أن يح ل محل النظام القاي م على املحاباة نظام آخر يكون ولاؤه للا مة وللنظام. وقد حلموا أيض ا بحلم الا مة املستنف رة من خلال 87

88 الفاشية املظاهر املعتادة للفاشية من طقوس وتحايا عسكرية وقمصان (التي كانت خضراء في هذه الحالة). وكما حدث في حالة الفاشيني في رومانيا واملجر خاض «التكامليون» صراع ا ضد نظام يزداد ديكتاتورية حينما أسس فارجاس عام ١٩٣٧ «دولة جديدة» استبدادية على نحو صريح بالتحالف مع نخبة زارعي البن والطبقات املتوسطة في الحضر. لكن الحركة «التكاملية» ح لت فقد عجزت عن تكوين حزب كبري بما يكفي لا ن يصمد في املنافسة أمام استغلال فارجاس للمحاباة واملحسوبية. ولم تفعل كما فعلت فاشية أوروبا الشرقية وتنجح في نيل دعم فقراء املناطق الريفية الذين ظلوا مستر قني تحت رحمة زارعي البن في البرازيل. في الا رجنتني كانت ديكتاتورية بريون تمثل النظام الوحيد الذي شهدته أمريكا اللاتينية وي ع د في بعض الا حيان نظام ا فاشي ا. كانت الا رجنتني أكثر تقدم ا من معظم دول أمريكا اللاتينية وشهدت تاريخ ا طويلا من اليمينية الراديكالية التي تدين بجزء منها إلى القومية الكاثوليكية املحافظة في فرنسا وإسبانيا. بدأ خوان دومينجو بريون وزير ا للعمل في النظام العسكري للجنرال خوسيه أوريبورو ديكتاتورية أخرى من الديكتاتوريات التي تا ثرت بموسوليني وهتلر. وفي عام ١٩٤٣ وفي محاولة بريون لتوفري دعم شعبي لنظام أوريبورو الذي لم يحظ بالدعم الجماعي للا ثرياء تحول إلى نقابات العمال وعقد صفقة حققت الحكومة بموجبها للنقابات العمالية مطالب تتعلق بالرعاية الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل وفي املقابل دعمت النقابات دعوة بريون لتحقيق السيادة الدولية. هذا املزيج من القومية والاشتراكية إلى جانب تا ثر بريون بموسوليني ومحاولته تنظيم حزب واحد دفع الكثريين لا ن ينظروا لهذا النظام الفريد على أنه فاشي. لكن عدم فوز بريون بالسلطة على رأس حزب جماهريي يجعل املرء لا يجد أي ا من محاولات تقويض هياكل الدولة القاي مة وهو ما كان سمة مميزة من سمات الفاشية. علاوة على أن النظام «البريوني» كان يتيح املجال للمعارضة ما يعني أنه لم يكن شمولي ا ولا فاشي ا. هوامش (1) AKG London. 88

89 الفصل السابع هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد إن «الفاشية الا بدية» لا تزال بيننا وأحيان ا تظهر في زي غري زيها. ولا شك أنه سيكون من الا سهل بالنسبة لنا لو أن أحدهم ظهر على الساحة وقال: «أريد إعادة فتح معسكر «أوشفيتز» أريد أن ينظم ذوو القمصان السوداء مسرياتهم في ساحات إيطاليا من جديد.» لكن الا مر ليس بهذه البساطة فقد تعود «الفاشية الا بدية» متسترة با كثر أشكال التنكر براءة وواجبنا أن نفضحها وأن نشري بالا صبع إلى أي من أشكالها الجديدة كل يوم وفي كل مكان في العالم. أمبرتو إيكو «الفاشية الا بدية» ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس ٢٢ يونيو ١٩٩٥ قد تبدو كلمات أمبرتو إيكو مو ثرة بالنسبة للمدافعني عن الحرية لكنها لا تش كل وسيلة لفهم الفاشية في العالم املعاصر. فا ذا كان من املمكن أن تظهر الفاشية في «زي غري زيها» فكيف يمكننا أن نميز الحركات الفاشية من بني عدد الحركات الذي لا ي حصى من حولنا هل ينبغي لنا أن ننظر إلى أكثر الحركات شبه ا بفكرتنا عن الفاشية أو إلى أقلها شبه ا بها إن إيكو يخرق إحدى أهم القواعد الا ساسية للبحث الا كاديمي (بل ولا ي تبادل مثمر بني الا شخاص) فلكي تكون أي فرضية ذات فاي دة للباحثني يجب أن تكون «قابلة للدحض» أي لا بد أن يكون هناك شيء يستطيع دحض الرأي من الناحية النظرية. وفي حالة إيكو ما من دليل يمكن أن يتعارض مع رأيه با ن حركة ما كانت فاشية. فا ذا حدث

90 الفاشية أن قال أحدهم إن كذا وكذا من السمات الا ساسية للفاشية ليست موجودة في الحركة قيد البحث فداي م ا سيكون الرد السريع: «آه! هذا لا نها تخفي نواياها!» هذا النوع من املنطق يحتمي وراء كل نظريات املو امرة بما يميزها من مناعة م غيظة تحصنها من أي حجة مضادة. وبقول إيكو هذا فا نه يضع أصبعه على إشكالية تتعلق بتحليل اليمني املتطرف املعاصر فباستثناء «الحركة الاشتراكية الا يطالية» لم يحدث قط أن تمتع أ ي من الا حزاب التي تسعى صراحة لا عادة الدول الفاشية أو النازية (بالصورة التي وجدت عليها هذه الدول في نظرهم) با همية انتخابية. لذلك السبب لن يكون ملثل هذه الحركات وجود في هذا الفصل فاهتمامنا منص ب على الا حزاب التي تمتعت بقدر من النجاح لكنها رفضت أن تحمل صفة فاشية. متى تحديد ا يكون من املفيد أن ننزع صفة الفاشية عن حركة ما تفتقر أحد السمات الري يسية للفاشية قد نجد دليلا على أن حركة ما تتعمد محاولة خداع الناخبني بغرض الحصول على سلطة وفي حالات أخرى قد لا نجد أي دليل وحتى في الحالات التي نجد فيها هذا الدليل يظل علينا أن نا خذ في الحسبان أن مي ات الا لاف من الا شخاص يص وتون لا حزاب معينة اقتناع ا منهم با نها ليست فاشية وأنهم لو علموا أنها فاشية ربما ما كانوا لي قد موا على التصويت لها. لكي نحل املشكلة علينا أن نعود ملسا لة التعريف. أ ي مفهوم يمكن التعمق فيه بحسب الحالات التي نرغب في إدراجها تحت هذا املفهوم فا ذا أردنا أن ن درج حالات هامشية فا ننا ببساطة سنو سع نطاق املفهوم قليلا. لكن ثمة تكلفة لهذا هي أن دقة التعريف ستتقلص. والتخفيف من تركيز تعريفنا للفاشية سيبرز أوجه الشبه بني الفاشية التاريخية واليمني املتطرف املعاصر لكننا سنضطر لا ن نسقط سمات هامة من تعريفنا مثل العداء للديمقراطية الانتخابية والطابع شبه العسكري. واملقابل الذي نتكبده نتيجة فعل هذا هو أنه سيصبح من الصعب الا بقاء على تمي ز الفاشية التاريخية لا سيما ما يفرقها عن حركات أخرى في ذلك الوقت. من وجهة نظري أرى أن تكلفة إضعاف تعريف الفاشية با دراج اليمني املتطرف املعاصر معها باهظة جد ا. ويوجد حل لهذا هو أن نستخدم مصطلح «الفاشية الجديدة» فهذا املصطلح يتسم بجمال الا لفة ويكشف بدقة في كثري من الا حيان أي محاولة متعمدة لربط الفاشية بحالات جديدة. لكن يعيبه أنه يمكن ألا ي ظهر بعض 90

91 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد الاختلافات الجوهرية بني الفاشية وأشكال اليمني املتطرف املعاصرة. فبينما ترى الفاشية أن تقويض الديمقراطية شرط مسبق لانتصار التعصب القومي يحاول اليمني املتطرف املعاصر أن يجانس الديمقراطية بطريقة عرقية ويحتفظ بمميزاتها للقومية املهيمنة فقط. وبهذا يكون املجتمع الذي يحلم به اليمني املتطرف املعاصر أقرب إلى الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو إلى امل ث ل العليا التي يتبن اها الانفصاليون البيض في الولايات املتحدة. وأنا أف ضل أن أصف هذا الشكل من الحركات بمصطلح «شعبوية قومية». هذا لا ينفي أن هناك عدد ا هاي لا من الحركات التي ألهمتها على نحو صريح النازية والفاشية. فهناك محادثة أجراها محقق أمريكي مع تشارلز هول قاي د «الفيلق الا ري الا بيض» كشفت ملمح ا يتعلق بسيكولوجية من ينتمون لهذه الحركات إذ يقول تشارلز: كما تعلم الانفصالي الا بيض الحق الاشتراكي القومي الحق داي م ا ما يحمل املعنى نفسه. داي م ا ما كان منجذب ا للصليب املعقوف للصليب الحديدي وما إلى ذلك لا شك أن الصليب املعقوف أبغض الرموز لكنه ينبغي أن يكون أكثر الرموز تمتع ا بالحب والا عجاب فا نت عندما ترتدي صليب ا معقوف ا أو ترسمه على بشرتك أو ترتدي قميص ا عليه صورته فا نت بذلك تكون قد فصلت نفسك عن ٩٩ ٩ من السكان. من كتاب بيتي إي دوبراتز وستيفاني إل شانكس-مايل «قوة بيضاء وكبرياء أبيض: الحركة الانفصالية البيضاء في الولايات املتحدة» بصرف النظر عن مدى عنف هذه الحركات نراها تتع مد نبذ السياسة الساي دة واملجتمع القاي م. وملا كانت املظاهر النازية تثري اشمي زاز غالبية الناس فا ن احتمال اندماجهم في التيار السياسي ضعيف ففي الولايات املتحدة على سبيل املثال لم ي ز د عدد أعضاء اليمني املتطرف الذي يتبنى العنصرية علن ا على ١٠ آلاف إلى ٢٠ ألف عضو. والتي تعنينا هنا هي الحركات التي حاولت التغلب على سوء سمعة الفاشية وما تلقاه من تهميش. 91

92 الفاشية من الفاشية إلى الشعبوية القومية في عام ١٩٤٥ ساءت سمعة الفاشية بشدة وفقدت مصداقيتها وكان النضال ضدها هو الحجة التي استمدت معظم أنظمة ما بعد الحرب (في أوروبا الشرقية والغربية على حد سواء) شرعيتها منها. في ديمقراطيت ي أملانيا الغربية وإيطاليا ح ك م ديمقراطيون مسيحيون واشتراكيون كانوا يرفضون أي تعبري صريح عن التعاطف مع الفاشية. في ظروف كهذه كان من املستحيل تقريب ا على أي أحزاب فاشية صريحة أن تحظى بموطي قدم ورغم أن الاستطلاعات في أملانيا أظهرت أن عدد ا كبري ا من الا شخاص يعتقدون أن النازية كانت فكرة جيدة لكنها لم تن فذ على نحو جيد لم يحقق النازيون الجدد إلا نجاح ا محلي ا. كان الدستور الا ملاني يحظر تكوين أحزاب معادية للديمقراطية وكانت الحكومات الديمقراطية املسيحية على استعداد لحظر املنظمات الفاشية. وطوال سنوات ما بعد الحرب كفلت املعجزة الاقتصادية التي حققتها أملانيا إلى جانب وجود حكومة ديمقراطية مسيحية محافظة ألا يصل إلى موقع السلطة أي حزب يلغي هذه املحظورات. وحينما حدث أن قبلت حكومة إيطالية ديمقراطية مسيحية عام ١٩٦٠ الا صوات املو يدة لنواب فاشيني جدد كي تتمكن من البقاء في السلطة اندلعت مظاهرات حاشدة أجبرت ري يس الوزراء على الاستقالة من منصبه. (حتى في إسبانيا بعد عام ١٩٤٥ زاد الديمقراطيون املسيحيون وامللكيون نفوذهم من خلال تهميش الفاشيني املوجودين داخل نظام فرانكو نتيجة لخشيتهم من استهجان الخارج.) ي ضاف إلى ذلك أنه ملا كانت الفاشية مرتبطة في عقلية الشعوب بالتعصب القومي كان من الصعب على اليمني املتطرف أن يتحاشي الكراهية الشعبية من خلال تغيري اسمه فقد يكون الحزب فاشي ا حتى لو لم يحمل اسمه هذه الصفة لكنه لا يكون كذلك إذا نبذ التعصب القومي. تفسر لنا قصة «الحركة الاشتراكية الا يطالية» أهم أحزاب اليمني املتطرف الا وروبي على مدى عقود املشاكل التي واجهها الفاشيون. تا سست الحركة عام ١٩٤٦ وارتدت عباءة موسوليني دون خجل وفي بادئ الا مر كان يديرها فاشيون يعيشون في الخفاء. لم تكن هذه الحركة ليكتب لها البقاء لولا أن إيطاليا لم تكن تملك حزب ا محافظ ا ديمقراطي ا جدير ا بالثقة فقد كان معظم املصوتني املحافظني يدعمون ديمقراطي ي الوسط املسيحيني لخوفهم من أن يكون دعم أي حزب يميني سبب ا في انقسام الوسط وإتاحة فرصة لدخول الشيوعيني الحكومة. أما املحافظون الذين رفضوا تا ييد الديمقراطيني املسيحيني فقد صوتوا للحركة الاشتراكية الا يطالية أو للملكيني الذين كانوا يلق و ن القدر نفسه من التهميش. 92

93 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد إلى وقتنا الحالي لا تزال كلمة الفاشية س ب ة لكن سياسة اليمني املتطرف تحظى مجدد ا بتا ييد من جانب أقليات كبرية العدد لا ن مناهضة الفاشية خسرت عمق تا ثريها في تشكيل املشهد السياسي. فمع تعاقب الا جيال صارت مرجعية مناهضة الفاشية أمر ا «ميكانيكي ا» أي إن مصطلح الفاشية لا يزال من املحرمات لكن الا فكار املرتبطة به لا تحظى بنفس هذا القدر من الخطورة. وقد عملت الانتفاضات الطلابية عام ١٩٦٨ دون قصد على إضعاف مناهضة الفاشية أكثر فقد كان الطلاب من الراديكاليني يسخرون مما رأوا أنه استغلال أناني من جانب زعماي هم الكبار ملسا لة مناهضة الفاشية من أجل شرعنة سلطتهم الخاصة. واتهم الطلاب جزاف ا حكومات ذلك الوقت با نها فاشية وساعدوا في تفريغ املسمى من أي محتوى مفيد. والسبب الثاني في زيادة قبول سياسة اليمني املتطرف لدى الجمهور هو أن املثقفني اليمينيني أعادوا تعريف التعصب القومي فقد حولوا كره الا جانب وعدم التسامح إلى لغة ليبرالية ديمقراطية. يوجد أيض ا دور حاسم لعبه املفكر الفرنسي آلان دي بينوا وتيار «اليمني الجديد» الذي ظهر في السبعينيات. كان «اليمني الجديد» يمثل ر د فعل مضاد ا لحركة الطلاب التي نشطت عام ١٩٦٨ لكنه (كعهدنا بالفاشية) مزج الا صول التقليدية للا فكار اليمينية مع أفكار بعض املفكرين اليساريني. راح «اليمني الجديد» يق وض القيم العاملية للديمقراطية الليبرالية لكن لم يكن معظم نتاجه بالشيء الجديد فقد كان من السهل ملاحظة أنه نسخة أحدث من العلم الزاي ف الذي است لهمت منه فاشية ما بني الحربني العامليتني (أفكار الصراع الحتمي بني الا مم والبقاء للا صلح وضرورة التفاوت بني الا فراد ووجوب النقاء العنصري) الا مر الذي كان سمة أصيلة بحق (أو يكاد يكون كذلك لا ن السياسي النازي الراديكالي أوتو شتراسر كان يناصر أفكار ا مماثلة) هو استخدام دعوى «الحقوق املتساوية» لتبرير التمييز ضد الا قليات التي تعيش داخل الدول فقد رأوا أن الحفاظ على التمي ز املزعوم للدولة يستلزم تقييد حقوق م ن قيل إنهم يشكلون تهديد ا لهوية الا غلبية. وشدد «اليمني الجديد» مجدد ا على مزاعم التفرد الروحي للا مم الا وروبية مقابل نزعات العوملة التي تتبناها الرأسمالية والتعددية الثقافية الا مريكيتني. ومنذ ذلك الحني صار بمقدور اليمني املتطرف أن ينكر كونه عنصري ا فهم يقولون: «لا نناضل إلا من أجل منح كل دولة حق ا متساوي ا في الوجود» وفي الوقت نفسه ينادي بضرورة التمييز ضد الا قليات. وقد تم كن اليمني املتطرف من الارتباط بالاتجاه املتمثل في املقولة: «لست عنصري ا لكنني» الشاي ع جد ا في املجتمع املعاصر. 93

94 الفاشية لم يكن من الواضح حيني ذ أن هذه النسخة املحدثة من التعصب القومي ستو تي ثمارها وهذا لا ن «اليمني الجديد» لم يكن يعجب سوى في ة محدودة من املث قفني (لكنها منتشرة في أنحاء أوروبا). ي ضاف إلى ذلك أن الظروف التي اقتحم فيها حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي غمار السياسة الجماهريية في ١٩٨٣-١٩٨٤ كانت تشبه الظروف التي ازدهرت فيها الفاشية في أوروبا ما بني الحربني العامليتني. ففي عام ١٩٨١ وفي خض م أزمة اقتصادية عاملية تم كن «الاشتراكيون» الفرنسيون من نيل الري اسة وش كلوا حكومة تعتمد كلي ا للمرة الا ولى على الا طلاق على أغلبية يسارية. في تلك الا ثناء كان اليمني قد بدأ ينزلق إلى هوة الفصاي ل املتنازعة التي لم يخرج منها بعد وألقى بعض املحافظني اللوم على الحكومات اليمينية لا نها تحي زت للنقابات العمالية وملبادئ التحرير (التي تج لت في أبرز صورها من خلال إباحة الا جهاض). ي ضاف لذلك أن فرنسا كانت تتسم بنزعة عنصرية سياسية كانت تستهدف بعد الحرب مواطني شمال أفريقيا (غالب ا على يد أحفاد الا يطاليني والا سبان الذين كانوا هم بدورهم فريسة في املاضي ملشاعر الكراهية للمهاجرين). وكانت ذكرى انسحاب فرنسا من إمبراطوريتها في شمال أفريقيا عام ١٩٦٣ بعد حرب مريرة تزيد من قوة هذه النزعة العنصرية الا مر الذي كان يزيد من شعبية تصوير زعيم «الجبهة الوطنية» لوبان ملواطني شمال أفريقيا على أنهم «جيش أجنبي يعسكر على الا راضي الفرنسية.» في بادئ الا مر كان جمهور ناخبي «الجبهة الوطنية» يتا لف نسبي ا من الطبقة البرجوازية وكبار السن والكاثوليك واملحافظني واملعادين للاشتراكية فقد كان برنامج الحزب يتماشى مع مطالبات هو لاء الناخبني بتخفيف القيود الحكومية والعودة إلى السوق الحرة (كان هذا هو عقد رونالد ريجان ومارجريت تاتشر) وصار العرب رمز ا لفي ة «غري الصالحني» الذين يعيشون تطفلا على منافع الرعاية الاجتماعية. كانت الجبهة تعبر عن حشد من محافظي الطبقة البرجوازية الساخطني الذين ي لقون باللاي مة على زعماي هم في تقدم الاشتراكية والحركة النساي ية وفي زيادة الهجرة. في السنوات اللاحقة أصبحت الجبهة أشبه بحزب يلقى تا ييد كل في ات املجتمع ولعل أكثر ما يلفت النظر أنها أصبحت «الحزب» الذي يحظى بتا ييد ذكور الطبقة العاملة الشابة الذين كانوا غالب ا عاطلني عن العمل وغري متعلمني نسبي ا ويعيشون في الضواحي الصناعية في املدن الكبرية. واملدهش أن ٣٠ من العاملني صوتوا للجبهة في الانتخابات الري اسية لعام ١٩٩٥ وهذا يفوق عدد من صوتوا للاشتراكيني أو للشيوعيني. 94

95 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد ويمكن رؤية سمات «الجبهة الوطنية» في الا حزاب اليمينية املتطرفة في دول أوروبا الا خرى. ماذا حدث أحد الا سباب الواضحة يتمثل في مرور عقود من البطالة على شباب غري مهرة نتيجة لهجر الاقتصادات الغربية التصنيع الذي كان يميزها فقد اختفت الصناعة التقليدية من الاقتصادات الغربية لتحل محلها وظاي ف مو قتة لا تتطلب مهارة وغالب ا ما تشغلها النساء. ولا سباب أخرى شهدت روسيا وأملانيا الشرقية (سابق ا) انهيار الصناعة الثقيلة والزراعة نتيجة تا ثري إصلاحات السوق الحرة وهذان القطاعان يقدمان مساندة كبرية لليمني املتطرف. ولم ي ع د العمل يمنح هوية ومكانة للكثري من الشباب في املجتمعات الغربية. وبالنظر إلى أن هذه املجتمعات تواجه ضغط ا أكبر كي تزيد استهلاكها على نحو ملحوظ وأن السلع الاستهلاكية مرتبطة بالجاذبية الجنسية يشعر الشباب الفقراء با نهم مهم لون فيكرهون الا غنياء ويبغضون عمل املرأة. وهناك مناطق سكنية في الضواحي تحمل طابع «الجيتوهات» يخوض الشباب البيض فيها مواجهات ضد املهاجرين الذين يعتبرونهم مسي ولني عن الجريمة وعن الاعتداءات على «نساي هم». ومن ثم تلقى العنصرية القومية الشعبوية التي تتخذ شكل امل دافع عن «الا قليات» املضطهدة من التعددية الثقافية إعجاب ا في هذه املناطق تحديد ا. وبما أن الفقراء البيض يشكلون مجموعة محرومة تنتمي للفي ة العرقية «املهيمنة» فهم لكونهم كذلك يحظون بقدر من تعاطف الشرطة والصحافة يفوق ما يحظى به املهاجرون. ومع ذلك فا ن املفاهيم التي يعتنقها الا فراد هي العنصر املهم في هذه املسا لة. فهي مهمة جد ا بدرجة لا تجعل عمال «الجيتوهات» الحضرية الفقراء هم وحدهم الذين يتحولون إلى تا ييد السياسة العنصرية بل تضم إليهم أيض ا العمال املوسرين وهذا يتضح من تزايد عدد أنصار الشعبوية القومية في دول غنية مثل سويسرا والنمسا والدنمارك التي فازت فيها السياسية بيا كاسجورد باثنني وعشرين مقعد ا في البرملان عام ٢٠٠١ من خلال إدانتها الغزو الا سلامي رغم أن الدنمارك أقل الدول الا وروبية من حيث عدد السكان من املسلمني لذا فا ن الفقر وحده حتى إذا كان مصحوب ا بوجود مهاجرين لا يبرر صعود الشعبوية القومية. يوجد أمر مهم آخر هو أن أحزاب ا اشتراكية وشيوعية نبذت خلال تسعينيات القرن العشرين قدر ا كبري ا من راديكاليتها السابقة فتصاغرت فجوة الاختلافات بني اليسار واليمني وباتت كل الا حزاب تتحدث بوجه عام باسم الذين استفادوا من وراء التحول 95

96 الفاشية الاقتصادي وبقي الخاسرون لا يمثلهم أحد. ومع تحول اليسار ناحية اليمني سعي ا وراء النجاح في الانتخابات كثري ا ما صارت الا حزاب املحافظة تتبنى شعبوية كارهة للا جانب كي تمي ز نفسها عن أحزاب اليسار. ولكي لا ينهزم اليسار حرص على أن يو كد للناخبني مجدد ا على أنه هو الا خر لا يتساهل إزاء املهاجرين. وهكذا صارت السياسات املعادية للمهاجرين تحظى بالاحترام وبات التعصب القومي لليمني املتطرف يبدو مقبولا. هذا التحول مهم الا ن أكثر من أي وقت مضى لا ن التعصب القومي يمكن أن يق دم على أنه حماية للثقافات الوطنية الفريدة من «العوملة» التي تبرز من خلال زيادة تدويل للاقتصاد وتدفق موجات املهاجرين وشيوع مشروب «الكوكا كولا» في كل بقعة على الكرة الا رضية وإلغاء إعفاء املزارعني من التعريفات الجمركية. إن اليمني املتطرف يستغل قضايا ك ل من يمكن عزو مشاكلهم إلى العوملة ففي جلاسكو وموسكو يستنكر اليمني املتطرف وجود مطاعم «مكدونالدز» ويهاجم املهاجرين الا فغان. وفي أوروبا الغربية يوجه اليمني املتطرف للاتحاد الا وروبي انتقادات حادة بصفته أداة للعوملة. واحتمالية سماح الاتحاد الا وروبي با ن تنضم له الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية يعزز املخاوف من تدفق موجة جديدة من املهاجرين من الشرق. والواقع أن العوملة ليست بالا مر الجديد فالدول القومية داي م ا ما كانت مضطرة لاستيعاب اتجاهات التدويل التي ميزت الرأسمالية والتغ ري التكنولوجي والاتصالات املتطورة كذلك فا ن الساسة يستعينون من آن لا خر بالعوملة كي يبرروا سياساتهم (كقولهم مثلا : «اقبلوا أجور ا أقل وإلا لن نتمكن من التنافس على مستوى دولي وستخسرون وظاي فكم!») وقد ات خذت مواقف احتجاجية ضد العوملة من جانب حركات من مختلف الانتماءات السياسية شملت الفاشية باعتبارها من حركات التعصب القومي. وبالعودة إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر سنرى أن اليمني الراديكالي كان يعتبر مصرف رجل الا عمال اليهودي روتشيلد تجسيد ا للقوة الخارقة للطبيعة التي يملكها رأس مال التمويل العاملي وهو الا مر الذي اعتبر تهديد ا لرجال الا عمال الوطنيني الشرفاء وللعمال املحليني الا فاضل. لذا نحن لا نستطيع أن نعتبر الشعبوية القومية رد فعل «عفوي ا» للعوملة بل علينا أن نسا ل عن السبب في أن العوملة تعتبر مهمة في هذا الوقت تحديد ا. والا جابة هي أن العوملة في هذا املشهد السياسي املتغري تتقاطع مع مشاكل ناجمة عن تراجع التصنيع والبطالة الهيكلية والخصومات العرقية في وقت ح ول فيه «اليمني الجديد» العوملة إلى أداة يستفيد بها سياسي ا. فالدفاع عن «الهوية» م كن الفاشيني الجدد 96

97 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد من حشد اي تلاف مجتمعي أكثر تنوع ا واختلاط ا من ذلك الذي كان يو يد الفاشيني ويدعمهم خلال ثلاثينيات القرن العشرين. واختلاف الظروف التي أنتجت الشعبوية القومية عن تلك التي أنتجت فاشية ما بني الحربني العامليتني لا تنفي بالضرورة صفة الفاشية عن تلك الا ولى فبمجرد أن «تتوافر» فكرة فاشية في مكان ما يكون من املمكن استخدامها في شتى الحالات. وقد يستطيع املرء أن يحزر تخمينات علمية تتوقع الظروف التي يمكن أن تنشا فيها الفاشية لكن لا مجال للتنبو بالظروف املحددة التي ستتحول الفاشية فيها إلى حركة جماهريية. وللا جابة على سو النا الري يسي وهو: ما مدى التشابه بني الشعبوية القومية والفاشية التاريخية لا بد أن ننظر في أفعال اليمني املتطرف وأقواله أيض ا. إيطاليا: من الشعبوية القومية إلى ما بعد الفاشية ظلت «الحركة الاشتراكية الا يطالية» على مدى الخمسني سنة الا ولى من وجودها تصارع تناقضات الا رث الفاشي فقد استمدت برنامجها الاجتماعي الذي تبن ى الكوربوراتية ومشاركة العمال في الا دارة إلى جانب تا ميم بعض الصناعات الري يسية من جناح الفاشية الراديكالي في حني كان برنامجها السياسي أكثر اعتدالا وتض من هيكلا ري اسي ا يشبه نموذج الولايات املتحدة. كان هذا الحرص نابع ا من الخوف من عواقب الكبت إذا اكتنف فقدان الشرعية ومن تا ثري املحافظني املوجودين داخل الحزب. وينبغي التا كيد على أن هو لاء كانوا مقتنعني من دون أن يرفضوا الا رث الفاشي با ن «الحركة الاشتراكية الا يطالية» ستحقق أقصى نجاحاتها إذا تحالفت مع املحافظني التقليديني. عادة كان «املعتدلون» ينجحون في مواجهة خطر الراديكاليني فقد كان الحزب يحقق أفضل نتاي جه الانتخابية بني املتحدرين من نسل محافظي الجنوب الذين كانوا قد انضموا في املاضي لتا ييد موسوليني عقب استيلاي ه على السلطة. خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين انفصل بعض الراديكاليني املحبطني وشاركوا في حملة تحريض إرهابي. وبغض النظر عن الفصيل الغالب لم ت ن ل «الحركة الاشتراكية الا يطالية» أكثر من ٩ تقريب ا من إجمالي الا صوات وعادة أقل من هذا بكثري. في أكتوبر عام ١٩٩٢ احتفلت «الحركة الاشتراكية الا يطالية» بالذكرى السبعني ملسرية «الزحف على روما» باملواكب والتحايا الرومانية والا غاني. لكن تلك السنة شهدت تحولا جذري ا في موقف الحركة أول ما ع جل بهذا التحول كان انهيار الشيوعية الذي 97

98 الفاشية دفع «الحزب الشيوعي الا يطالي» القوي لا ن يح ول نفسه إلى حركة اشتراكية ديمقراطية معتدلة وبهذا حرم اليمني املتطرف من عدوه الري يسي. ثاني ا: ظهرت عام ١٩٩٢ حركة «رابطة الشمال» بقيادة أمبرتو بوسي وقد كرست هذه الحركة نفسها للفوز باستقلال الشمال «املنت ج» عن الجنوب «الا فريقي» وهو التطلع الذي جعل «الحركة الاشتراكية الا يطالية» تكتشف أن دولة إيطاليا لها ملحق تابع. ثالث ا: في ١٩٩٢-١٩٩٣ شهد حزب الديمقراطيني املسيحيني الذي كان مهيمن ا حتى ذلك الحني انهيار ا داخلي ا تحت وطء تحقيقات أجريت بشا ن قضايا احتيال تو رط فيها رجال الحزب. ولم تعد مناهضة الفاشية هي معيار القبول السياسي وصار املجال الانتخابي مفتوح ا أمام اليمني الذي انضمت له «الحركة الاشتراكية الا يطالية». بحلول ذلك الوقت كان السياسي املعتدل جيانفرانكو فيني قد استعاد السيطرة على الحزب من أيدي الراديكاليني فتص در القيادة جيل جديد من مسي ولي الحزب الذين لا تربطهم روابط شخصية بالفاشية. كان ما أحدثه فيني من تغيري لا ولويات الحزب أكثر جوهرية من الجهود السابقة التي كانت ترمي لتبني الرأي املعتدل فقد ق دم إشارات رمزية تدل على التصالح مع تقليد املقاومة الذي كان من قبل مرفوض ا باعتباره عديم القيمة. وصار الحزب يرفض الديكتاتورية ويتقبل الديمقراطية باعتبارها نظام قيم وتبرأ من التشريعات العنصرية الفاشية. وبوجود حزب «الحركة الاشتراكية الا يطالية» بعد إصلاحه حظيت إيطاليا بما لم تحظ به من قبل قط: حزب محافظ كاثوليكي يميني معت د بذاته. ويمكن القول أيض ا إنه يعبر عن عودة لجذور املحافظني الجنوبيني. وفي عام ١٩٩٥ أكد حزب «الحركة الاشتراكية الا يطالية» هذه التغريات با ن ح ول نفسه إلى حزب «التحالف الوطني». قبل عام من حدوث ذلك كانت الحركة قد حصلت على ١٤ من الا صوات ودخلت حكومة الا مبراطور الا علامي سيلفيو بريلسكوني لكن سرعان ما انهارت هذه الحكومة وذلك جزي ي ا نتيجة لنشوب صراعات بني بوسي وفيني. في عام ٢٠٠١ عاد فيني إلى الحكومة ناي ب ا لري يس الوزراء بعد أن فاز «التحالف الوطني» بنسبة ١٢ من الا صوات. ما من شك في أن حزب «التحالف الوطني» يدين للفاشية فاستخدامه تسمية «ما بعد الفاشي» لوصف نفسه كان يعني الا قرار بذلك ولا يزال الجناح الراديكالي للحزب موجود ا وي ظهر قدر ا من التا ييد للسياسات العنصرية املتعصبة الشبيهة بهمجية شغب كرة القدم. ويستشهد شا نه شا ن الفاشيني في كل مكان بالثوريني من 98

99 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد اليسار ومن اليمني باعتبارهم مصدر ا لاستلهام أيديولوجيته وفي هذه الحالة تحديد ا كان يستشهد بالشيوعي أنطونيو جرامشي الذي يمثل النسخة الا يطالية من هاينريش هيملر ويوليوس إيفولا اللذين كانا يستشه د بهما «اليمني الجديد» الفرنسي الذي حذا «التحالف الوطني» حذوه وبات يرفض الفكرة القاي لة با ن الا جناس ليست متساوية لكنه ظل يعتبر الهجرة تهديد ا للهوية الوطنية. في عام ٢٠٠١ بعث فيني املخاوف من الرقابة الفاشية حينما طالب بلجنة لتطهري الكتب املدرسية من «التحيز املاركسي» (كان تحريف تاريخ موسوليني الحربي أحد أشكال هذا الجرم). وقد قيل إن «التحالف الوطني» «تخطى» إرثه الفاشي با ن حرم نشطاءه الذين لا يزالون فاشيني من إبداء الرأي في شي ون الحزب بدلا من إخضاع الفاشية للنقد. لكن لكي نعتبر «التحالف الوطني» فاشي ا يلزمنا تعريف فضفاض بدرجة تجعل من املستحيل التمييز بني املحافظية التقليدية والفاشية ناهيك عن التمييز بني الفاشية والديكتاتوريات املحافظة. في الواقع كان أكثر العناصر تطرف ا في اي تلاف بريلسكوني هو أمبرتو بوسي املهووس بمشكلة الهجرة والذي يعتقد أن الاتحاد الا وروبي يديره أشخاص مصابون بالغلمانية. لكن سياسات فيني فيما يتعلق بالقانون والنظام واملناهضة للمهاجرين وللاتحاد الا وروبي لم ت ز د قسوة على سياسات بريلسكوني نفسه. حزب الجبهة الوطنية الفرنسي أما حالة «الجبهة الوطنية» الفرنسية فمختلفة تمام ا فقد تش كلت عام ١٩٧٢ كمنظمة جامعة جبهة ضمت عدة تنظيمات أرادت استغلال قضية الهجرة في املنافسة الانتخابية واختارت لزعامتها جان ماري لوبان الذي ربما كانت آراؤه مفرطة في املحافظية قليلا بالنسبة لكثري من الفاشيني املتشددين. لكن اعتداله النسبي لم يجعل الجبهة تتحول إلى حزب جماهريي إلى أن ح ل عام ١٩٨٣ عندما فاز الحزب بنسبة ١٧ من الا صوات في الانتخابات البلدية لبلدة «درو». وبحلول منتصف التسعينيات باتت الجبهة تحصل على أكثر من ١٥ في الانتخابات الوطنية وتو لت قيادة عدد من الحكومات البلدية املهمة. وفي أواي ل عام ١٩٩٩ تنب ا بعض املراقبني أن تنتهي الجبهة بعد أن شهدت انقسام ا بني لوبان وولي عهده املنتظر برونو ميجريت لكن لوبان نجح في الحفاظ على اسم الجبهة وأثبت من خلال الانتخابات البلدية لعام ٢٠٠١ أنه متقدم على ميجريت. وفي الانتخابات الري اسية في أبريل من عام ٢٠٠٢ اكتسب لوبان زيادة 99

100 الفاشية متواضعة في عدد الا صوات املو يدة له على عددها عام ١٩٩٥ في حني حصل اليمني املتطرف بعد إضافة أصوات ميجريت على ما لا يقل عن ٢٠ من الا صوات. وبفضل انقسام اليسار حقق لوبان نتيجة كانت كافية لوضعه في الترتيب الثاني بعد الري يس الحالي جاك شرياك وت كسبه الحق في مواجهة هذا الا خري في الجولة الثانية من الانتخابات. أي نوع من الحركات تكون الجبهة الوطنية الفرنسية مثل الجمعية القومية الا يطالية تتعمد الجبهة الفرنسية محاولة زيادة قبول اليمني املتطرف لدى أصحاب الرأي «املعتدل» لكن عند هذا الحد ينتهي التشابه. فبينما أقدم فيني على لفتات تدل على التصالح مع مناهضي الفاشية أثار لوبان الشكوك في كونه مو يد ا للرؤية «التعديلية» للهولوكوست (أعني مو يد ا ملن يقولون با نها لم تحدث). والجبهة تحذو حذو اليمني الجديد حينما تتبرأ من العنصرية لكنها تدعو إلى إعادة املهاجرين لا وطانهم باسم حماية الهوية الوطنية. ويمكن إجمال سياستها الاجتماعية في مصطلح «التفضيل الوطني» ومعناه منح الا ولوية للشعب الفرنسي في خدمات الا سكان والرعاية الاجتماعية والتعليم. وكل هذه استرجاعات للفاشية. وتقييم السياسة الاقتصادية للجبهة أكثر صعوبة فخلال الثمانينيات اعتنقت الجبهة ليبرالية السوق الحرة املتطرفة بينما الفاشية عادة ما تف ضل الكوربوراتية والتنظيم. وقد يشري أولي ك الذين يعتبرون «الجبهة» فاشية إلى تبني موسوليني اقتصاد السوق الحرة إبان سنواته الا ولى في الحكم. وما يو كد ذلك أن الفترة التي تبن ى موسوليني فيها الليبرالية يمكن اعتبارها نتيجة للتواؤم مع املحافظني ودليلا على أنه في هذه املرحلة تحديد ا كان النظام بعيد ا كل البعد عن الفاشية. فالتجاوب مع سياسة السوق الحرة يمثل تخفيف ا بدرجة كبرية من حدة الفاشية. فا يديولوجية تحرير السوق تسمح بقمع النقابات العمالية الحرة لكنها تقصد بذلك نبذ الرغبة في إخضاع الاقتصاد للمصلحة الوطنية مع كل ما يستتبعه ذلك من نتاي ج. وطاملا كان اقتصاد السوق الحرة هو الغالب على أداء «الجبهة الفرنسية» فلا يمكن أن تكون فاشية بحق. لكن كما تبني لاحق ا تبن ت «الجبهة» بالفعل سياسات «كوربوراتية» خلال التسعينيات. ثمة إشكالية أخرى تتعلق بطبيعة «الجبهة الوطنية» الفرنسية تتمثل في أن «الجبهة» على عكس الفاشية التاريخية لا تعارض الديمقراطية بل على العكس كان هدف الحركة املعلن هو تعزيز سيادة الشعب من خلال اللجوء لا لية الاستفتاء واستعادة سلطات البرملان (في فرنسا خلال الجمهورية الخامسة تكون السلطة التنفيذية 100

101 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد هي صاحب السلطة الحقيقية). ي قال إن هذه الا صلاحات سترخي القبضة التي تقي د سلطة التكنوقراط وسياسي ي الدولة الذين يجري تعيينهم دون انتخاب وتسمح بمراعاة رغبات الشعب الفعلية فيما يتعلق بالهجرة وعقوبة الا عدام و«التفضيل الوطني». ويمكن اعتبار هذا البرنامج شكلا من أشكال الديمقراطية أو بالا حرى استغلالا للمفهوم الراي ج بشدة للديمقراطية باعتبارها التغليب املطلق لا رادة الا غلبية. وبالتالي فا ن مفهوم الجبهة عن الديمقراطية جزء لا يتجزأ من مشروعها العنصري. وهي تفترض أنها ما إن تصل إلى السلطة ستتم كن من الفوز في أي استفتاء بشا ن البنود الري يسية لبرنامجها. لكنها خلاف ا للفاشية التاريخية لا تطالب الجبهة با لغاء الانتخابات التنافسية وما من دليل على أنها تنوي إقامة ديكتاتورية داي مة. لم يحاول أيض ا لوبان أن يستخدم العنف الذي قد تمارسه الا حزاب كي ير قي نفسه إلى السلطة. والتفكري في أن «الجبهة» تتبع خطوات هتلر وموسوليني في سعيها إلى سلطة يستند بالا ساس إلى الافتراض الخاطي با ن هو لاء الحكام الديكتاتوريني اكتسبوا السلطة بطريقة مشروعة. وهم لم يفعلوا ذلك فقد هاجموا الديمقراطية الليبرالية علن ا واستخدموا حركات شبه عسكرية عنيفة لا جبار املحافظني رغم أنهم لا يو يدون الفاشية تا ييد ا تام ا على قبول التحالف معهم كشركاء. فخطاب موسوليني الذي ألقاه في البرملان في ١٦ نوفمبر عام ١٩٢٢ يمثل الخليط الفاشي الذي يمزج بني الترغيب والترهيب. الجبهة الفرنسية ليس لها جناح شبه عسكري كبري يماثل الا جنحة التي امتلكتها حركات فاشية تاريخية لكن من املو كد أن هناك عناصر داخل الحزب لديها الرغبة في تكوين حركة على هذا النمط فالجبهة تضم العديد من املتعصبني وغريهم من العناصر املستعدة داي م ا للجوء إلى العنف لكن ليس هناك دليل على أن الرأي الغالب في الجبهة يعتبر الحزب نواة لدولة الحزب الواحد ذات الطابع العسكري. وقد يعترض أحدهم قاي لا إن الشعبوية القومية قد أق رت با نه لا مجال على الا طلاق في املجتمع الحديث للقوات شبه العسكرية وحكم الحزب الواحد وإنها طورت وساي ل أخرى لتحقق هذه الغاية نفسها. لكن مرة أخرى أؤكد على أن نبذ القوات شبه العسكرية ليس بالا مر الهني لا نه ليس مجرد خصيصة ثانوية للفاشية فاعتماد هتلر وموسوليني على ضغط أتباعهما املسلحني للاستيلاء على السلطة كان حاسم ا في تاريخ ي نظاميهما فكم كان تاريخ الفاشية سيصبح مختلف ا لو أن أتباع موسوليني «أصحاب القمصان السود» أو 101

102 الفاشية أتباع هتلر «وحدة إس إس وكتيبة العاصفة» لم يتطلعوا إلى تولي بعض اختصاصات الدواي ر الحكومية والشرطة والجيش! ربما لم ينجح الفاشيون الراديكاليون في تحقيق كل أهدافهم لكننا لن نفهم فاشية أوروبا ما بني الحربني فهم ا صحيح ا إذا اعتبرنا أي ا من هذه الخصاي ص ثانوية. ربما كانت نية الجبهة الوطنية في بادئ الا مر أن تقدم الفاشية في شكل أكثر قبولا لكنها حينما ج ردتها من الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد والطابع شبه العسكري ح ولتها إلى شيء مختلف إلى حد ما. ومن وجهة نظري أرى أن الجبهة تمثل شكلا من أشكال الشعبوية القومية العنصرية. وهي تجتذب أو تحاول أن تجتذب الشعب مباشرة متجاوزة املمسكني بزمام الحكومات الفاسدة كي تنفذ سياسات إقصاي ية ليبرالية. اليمني املتطرف في روسيا لم يكن من املفاجي أن ي بع ث اليمني املتطرف في روسيا بعد مرور تسعة عقود على أوج ازدهار حركة «املي ات السود». شهدت روسيا انهيار اليسار وأثارت الا صلاحات الاقتصادية الليبرالية الديمقراطية التي ن فذها بوريس يلتسني سخط ا عارم ا لدى الروسيني علاوة على أن روسيا فقدت إمبراطوريتها وتع رضت للا ذلال في أفغانستان وبدت أنها تحت رحمة الغرب. وكما حدث مع الا يطاليني والا ملان في فترة ما بني الحربني شعر الروس بالقلق لرؤيتهم ما آل إليه حال مواطنيهم في الجمهوريات املجاورة. في ديسمبر عام ١٩٩٣ فاز حزب فلاديمري جريينوفسكي الذي يحمل من قبيل املفارقة اسم «الحزب الليبرالي الديمقراطي» بما يقرب من ٢٥ من الا صوات املرجحة في انتخابات «الدوما» (البرملان الروسي). وجريينوفسكي شخصية مسترعية للاهتمام جزء منها استعراضي وجزء حالم وجزء قومي متع صب. وأسلوبه يحمل السمات النموذجية للشوفينية الذكورية الفاشية فقد صرح للصحفيني الا جانب حينما كان يدلي بصوته قاي لا : «لم يعد ل لعنة السياسية وجود واليوم بداية الانتعاظ. أعدكم جميع ا أيها الشعب أنكم ستشعرون برعشة [الانتخابات الري اسية] في العام القادم.» لقد كانت رسالته واضحة فبا يمانه بالروس شعب ا وروح ا سيتمكن من إنهاض روسيا من كبوتها وقد وعد باستعادة الا مبراطورية الروسية وهاجم الا جانب واليهود. لكن خلاف ا للتوقعات شهد عام ١٩٩٣ بداية أفول نجم جريينوفسكي ففي الانتخابات اللاحقة لم تصل نسبة الا صوات املو يدة له إلى ١٠. والسبب واضح فقد 102

103 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد اقتبست أحزاب أخرى سياساته لعل أكثرها إثارة للاهتمام هو «الحزب الشيوعي الروسي» الذي أعيد تا سيسه بزعامة جينادي زيوجانوف والذي أعيد إحياؤه على شكل حركة قومية متطرفة. وزيوجانوف ليس رافض ا للتاريخ الشيوعي كله فالشيوعية السوفييتية داي م ا ما تضمنت كراهية شعبوية قومية للا غنياء. وهو معجب بلينني وستالني لا ن الا ول حافظ على الدولة الروسية في مواجهة الحرب الا هلية والثاني حماها من الغزو الا جنبي ويدعو زيوجانوف إلى نضال جديد ضد الغرب. لكن حزبه نبذ املاركسية مفضلا عليها القومية الروحية فالشيوعية يو خذ عليها أنها ق دمت الكثري من التنازلات للمادية الغربية وت وج الكنيسة الا رثوذكسية باعتبارها تجسيد ا للتاريخ الروسي. يزعم زيوجانوف أنه يتحدث باسم الشعب الروسي ونشطاء الحزب املخلصني ضد القطط السمينة الواقعة تحت سيطرة الا جانب مثل جورباتشوف ويلتسني ويقول إنه «روسي دم ا وثقافة وسيكولوجية» ويتباهى با نه لم يسبق له قط أن أجرى محادثة تحمل طابع الجدية مع أي امرأة. خلاصة القول إذن أن زيوجانوف يو فق بني القومية والشيوعية. هل يمكننا أن ن قد م على تسمية هذه اشتراكية قومية ربما! فلا شك أنها تحمل الكثري من أوجه الشبه بالفاشية خاصة وأنه لا يزال من غري املو كد بالنسبة لنا ما إذا كان جهاز «الحزب الشيوعي» الذي لا يزال قوي ا راغب ا حق ا في استعادة دوره في حكم البلاد. ومع ذلك من الصعب الدعوة صراحة إلى عودة الديكتاتورية في روسيا. فزيوجانوف شا نه شا ن لوبان ليس راغب ا في أن ينبذ اقتصاد السوق أو الديمقراطية نبذ ا كاملا وإنما يريد أن ي بقي على نظام التعددية الحزبية وأن يزيد سلطات البرملان (لا سباب ليس أقلها أن الشيوعيني الوطنيني لهم سطوة في البرملان). فاز الشيوعيون القوميون (طاملا هذا ممكن في ظل ارتباك النظام السياسي في روسيا) في الانتخابات البرملانية في ديسمبر عام ١٩٩٥ ولو أن أداءهم القوي لم يفلح في الا طاحة بيلتسني في الانتخابات الري اسية في العام التالي. وبعد أن استولى الشيوعيون القوميون على ناخبي جريينوفسكي هزمهم فلاديمري بوتني الذي صار ري يس ا للوزراء عام ١٩٩٩ ثم ري يس ا للبلاد عام ٢٠٠٠ إذ اكتسب بوتني الذي لم يكن معروف ا من قبل شعبية ضخمة من خلال خوض حرب شرسة ضد الانفصاليني الشيشان ومن خلال ظهوره بمظهر رجل الا فعال لا الا قوال. ويذكر أن بوتني الحاصل على الحزام الا سود في رياضة الجودو حدث أن أ لقي به ذات مرة على الا رض (مرتدي ا قميصه وربطة عنقه وكامل بذلته) في مباراة استعراضية خلال زيارة رسمية له إلى اليابان. 103

104 الفاشية يصف بوتني نفسه با نه «ديمقراطي ديمقراطي روسي.» وهو ليس فاشي ا لكن نجاحه ي ظهر أن في روسيا رصيد ا من الشعبوية سياسة «نحن مقابل هم» التي سخرتها الشيوعية في املاضي وبات القوميون املتطرفون يتبنونها الا ن. اليمني املتطرف في الولايات املتحدة الولايات املتحدة بلد آخر يمكن فيه أن تتحول أي شعبوية راسخة إلى اليمني املتطرف وهو ما يمكن العثور على منابعه في صفوف املحبطني من كلا الحزبني الري يسيني. كان الديمقراطيون الجنوبيون البيض قد شعروا بالسخط إزاء الدور الذي لعبته الحكومات الديمقراطية خلال الستينيات في إنفاذ تشريعات الحقوق املدنية. وخلال هذه الفترة نفسها عاد تنظيم «كو كلوكس كلان» للتوسع مجدد ا ودعم بعض أعضاي ه جورج والاس املنشق الديمقراطي الذي كان ي صرح بعنصريته حينما تر شح للانتخابات الري اسية عام ١٩٦٨. فيما بعد تح ول املصوتون الجنوبيون املحبطون عام ١٩٨٠ ليكونوا جمهوريني مو يدين لرونالد ريجان. في الوقت نفسه كان تيار اليمني في الحزب الجمهوري يستنكر منذ الخمسينيات ما زعم أنه عدم استفادة حكوماته الجمهورية من السياسات الاقتصادية التدخلية التي تضمنتها «الصفقة الجديدة» وما اعتبره ليونة منها إزاء الشيوعية الدولية (البعض اعتقد أن الري يس أيزنهاور ليس سوى دمية شيوعية). مرة أخرى في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات هاجم الجناح الليبرالي املتطرف للحزب الجمهوري الري يس نيكسون بسبب سياساته الاقتصادية التي ي فترض أنها تدخلية. وخلال السبعينيات ت قار ب هذا اليمني الليبرالي املتطرف نفسه من الحركة الا صولية املسيحية التي كانت ترى أن الا سرة واملدارس املسيحية تتعرض لهجوم من جانب الدولة. كان هناك بعض التناقضات بني هذه املكونات الثلاثة لتيار اليمني فا نصار الليبرالية الاقتصادية على سبيل املثال يكرهون شغف الجنوبيني بالا نفاق ببذخ على الناخبني البيض. ومع ذلك كان التياران الا خريان اللذان يحملان بعض سمات التيار الا ول يتمتعان بنفوذ قوي خلال فترة ري اسة رونالد ريجان (١٩٨٠ ١٩٨٨). ربما كما هو متوقع لم ي ن ل ريجان رضاء مو يديه من الراديكاليني فهو لم يحظر الا جهاض ولم ي دخ ل أداء الصلوات في املدارس علاوة على استياء البعض من استعداده للتفاوض مع جورباتشوف. ثم جاء خليفته جورج بوش ليزيد حدة السخط من خلال رفع الضراي ب. ظهرت أشكال أكثر تطرف ا من اليمينية مع حملة بات روبرتسون للفوز 104

105 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد بترشيح الحزب الجمهوري للري اسة عام ١٩٨٨ وظلت اليمينية الراديكالية داخل الحزب الجمهوري متمثلة في حملة نيوت جينجريتش التي حملت اسم «عقد مع أمريكا» عام ١٩٩٤ وحملات بات بوكانان للفوز بترشيح الحزب للري اسة عامي ١٩٩٢ و ١٩٩٦. ثم سرعان ما بدأت دورة الا مل وخيبة الا مل تدور مجدد ا وانتقلت حالة السخط إلى خارج اليمني القاي م. وترشح بوكانان عن «حزب الا صلاح» في الانتخابات الري اسية لعام ٢٠٠٠ وتبنى كل القضايا اليمينية التقليدية مثل مناهضة الا جهاض والدعوة لا داء الصلوات في املدارس وأعلن استنكاره الحركات النساي ية وتلك التي تطالب بحقوق املثليني. بعث بوكانان الحياة في معارضة اليمني القديمة لتورط الولايات املتحدة في الشي ون العاملية وكان يرى أن إعلان بوش ملا أطلق عليه «النظام العاملي الجديد» خيانة للمصالح الا مريكية ملصلحة الشركات الكبرى وأنصار العوملة واتهم حكومات التجارة الحرة بتجاهل مصالح العمال الا مريكيني. اتسمت حملة بوكانان بالكثري من سمات الحركات الشعبوية القومية الا وروبية وقد حصل على ٢١ من الا صوات في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية عام ١٩٩٦. تستجلب مقارنة التجربة الا مريكية بنظريتها الا وروبية نتاي ج أكثر إثارة للاهتمام إذا تا ملنا حركة جديدة أخرى وهي املليشيات أو «حركة باتريوت» التي ظهرت فجا ة في أعقاب وفاة ٧٦ شخص ا في مدينة واكو بتكساس في شهر فبراير عام ١٩٩٣ إثر محاصرة قوات داي رة التحقيقات الفيدرالية ملقر إحدى الطواي ف الدينية. تو من امليليشيات أ ن تس لح املواطنني على غرار «الثورة الا مريكية» هو الذي من شا نه أن يمنع الحكومة الفيدرالية من أن تتوحش وتقتل الناس مرة أخرى في املستقبل وأن املواطن الذي يحمل السلاح هو فقط الذي يستطيع الدفاع عن الدستور الا صلي للشعب الا مريكي من حكومة مص ممة على أن تبيع البلاد للنظام العاملي الشامل املتجسد في منظمة الا مم املتحدة. فقوات الا مم املتحدة املتا هبة للقتال وطاي راتها الهليكوبتر السوداء باتت ت شاهد على التراب الا مريكي علاوة على أن الحريات الا مريكية الا صيلة من حق البيض وحدهم ولم ي قصد بها السود قط. يختلف أعضاء امليليشيات عن الشعبويني القوميني الا وروبيني في أنهم تحرريون بشدة فهم ينكرون حق الحكومة في إصدار رخص القيادة أو فرض ضراي ب على الشعب. ويذهب البعض إلى أن الحكومة تنتهك املعنى الحقيقي للدستور والبعض الا خر يقول إن الدستور نفسه عبء مفروض على الا مريكيني الا حرار وحتى ذلك الدستور يشكل 105

106 الفاشية غطاء لاستمرار امللكية البريطانية وحليفها التمويل الدولي في حكم الولايات املتحدة. إن هذا العداء للحكومة الفيدرالية املو يدة للعوملة بدعوى تنقية الدولة عرقي ا يشبه موقف الشعبويني القوميني الا وروبيني من الاتحاد الا وروبي. خاتمة ت ب ني الحالات التي درسناها أن أولي ك الذين يعتنقون إرث الفاشية اعتناق ا صريح ا نادر ا ما تم كنوا من الاندماج في معترك السياسة الساي دة وأن الذين سعوا لجعل اليمني املتطرف مقبولا في عصر يفترض أنه ديمقراطي تح ركوا في اتجاهات مختلفة اختلاف ا جذري ا فقد تح ولت جمعية فيني الوطنية إلى حزب محافظ ديمقراطي ولو أن ذلك حدث في سياق ازداد فيه الطابع اليميني للمحافظية الا وروبية ازدياد ا ملحوظ ا. وعلى طرف النقيض الا خر كافحت أحزاب اليمني املتطرف في أملانيا مع كبر عدد أعضاي ها املتعصبني وتاريخها من العنف املناهض للمهاجرين كي تظل ذات تا ثري. أما الحركة الشيوعية في أملانيا الشرقية التي جرى إصلاحها (وهي يسارية أكثر من نظريتها الروسية) فقد احتكرت إلى حد كبري الاحتجاجات املوجهة ضد املشاكل الاقتصادية في الشرق وبينما يكره الكثري من الا ملان املهاجرين فا نهم يخشون النازيني الجدد أكثر. ففي أواخر عام ٢٠٠١ كان ي خشى أن يتحول الفاشيون املحبطون إلى ممارسة الا رهاب. أكثر ورثة الفاشية نجاح ا مثل «الجبهة الوطنية» الفرنسية ح ولوا أنفسهم إلى أحزاب عنصرية وشعبوية تعمل في إطار شرعية ديمقراطية. وهذا ينطبق رغم وجود بعض الاختلافات على «حزب الحرية» بزعامة يورج هايدر الذي فاز باملركز الثاني في الانتخابات النمساوية العامة في أكتوبر عام ١٩٩٩. وهو يجمع بني سياسات السوق الحرة املتطرفة مع السياسات الصارمة فيما يتعلق بالقانون والنظام (بما في ذلك إجراء اختبارات تعاطي املخدرات على نحو روتيني للمعلمني) والعداء لحركة الهجرة والتركيز على تقديم الا عانات الا سرية وغريها من املنافع للمواطنني النمساويني وكراهية الاشتراكيني والديمقراطيني املسيحيني الذين ظلوا يحتكرون السلطة لعقود. ويشترك «حزب الشعب السويسري» بزعامة كريستوف بلوخر والذي حصل على ٢٢ من الا صوات عام ١٩٩٩ في كثري من السمات مع «حزب الحرية» النمساوي. تختلف كل هذه الا حزاب عن فاشية ما بني الحربني العامليتني في أنها تنشا من حدوث تحول في اليسار بقدر ما تنشا من تحول في اليمني ففي روسيا تح ول حزب 106

107 هل ت بعث العنقاء من تحت الرماد يساري إلى اليمني املتطرف بينما في الغرب تبدو الحالة أقرب إلى شباب كان يتوقع أن يصوتوا لليسار فا ذا بهم بدلا من ذلك يصوتون لليمني املتطرف. واليمني الشعبوي القومي نتاج جهد واع لتحديث الفاشية وجعلها قابلة للبقاء في ظروف متغرية. والنتيجة هي بعض أشكال الاستمرارية الحقيقية (قومية متطرفة وتمييز ضد الا قليات العرقية ومعاداة للحركة النساي ية وللاشتراكية وشعبوية وعداء للنخب الاجتماعية والسياسية القاي مة ومناهضة للرأسمالية وللنظام البرملاني) مصحوبة بتغريات هامة بالقدر نفسه (رفض التعبي ة الجماهريية والعنف شبه العسكري املمنهج والتط لع إلى إقامة دولة الحزب الواحد). أما امللامح الغاي بة فهي على وجه التحديد تلك التي كانت تمنح الفاشية طابعها الشمولي الذي يمكن إجماله في الرغبة في التهليل املستمر للدولة وللنظام. وقد ع دل الشعبويون القوميون إرثهم بدرجة ملحوظة وهم في الواقع يسعون لاستغلال الا مكانات العنصرية للديمقراطية بدلا من التخلص منها. لكن هذا لا يعني أن الشعبوية القومية «أقل شر ا» أو «أقل خطورة» على نحو ما من الفاشية. فهذه مسا لة مختلفة كل الاختلاف. 107

108

109 الفصل الثامن الفاشية والا مة والعرق ملا كانت الفاشية أيديولوجية قومية متعصبة فهي أيض ا عنصرية دون خجل فالفاشيون لا يتعاملون مع جميع سكان إقليم ما على أنهم مواطنون أو بشر أصحاب حقوق متساوية. فاملواطنة وما يصاحبها من منافع ت منح أو ت منع على أساس مطابقة الفرد سمات بعينها أو امتلاكه لها ي زعم أنها سمات «قومية» سواء كانت بيولوجية أو ثقافية أو دينية أو سياسية. وتغلب القومية والعنصرية على جميع جوانب املمارسة الفاشية من توفري الرعاية الاجتماعية وسياسة الا سرة إلى الدبلوماسية أما الذين ي عتبرون من خارج الوطن فيواجهون مستقبلا غامض ا قد يحمل لهم الا بادة في أسوأ الا حوال. كان الفاشيون في املاضي لا يجدون أي حرج في التصريح بتفوق بلدانهم وكانوا يصن فون الا شخاص على أساس «العرق» عن طيب خاطر أما الشعبويون القوميون املعاصرون فيجدون شيي ا من الغضاضة في وصف أنفسهم با نهم عنصريون وذلك لا ن الوصف انحدر وبات مذموم ا إلى حد لا يجعل في استطاعة أي شخص ي دعي أنه محترم أن يحمله. ومع ذلك هم يفعلون مثلما يفعل نظام «الفصل العنصري» في جنوب أفريقيا فيسترون تعصبهم الا عمى وراء الفكرة التي تقول با ن الا عراق (شا نها شا ن الجنسني) «متساوية لكنها تختلف عن بعضها». لكن نظرة سريعة تكشف لنا أن هذه الاختلافات زاي فة. ومع ذلك فا ن العلاقة بني الفاشية والعنصرية تبقى مع قدة ومتشابكة. العنصرية البيولوجية والعنصرية الثقافية أولا علينا أن نوضح بعض الفروق. أكثر أشكال العنصرية جمود ا يذهب إلى أن العرق يتحدد بيولوجي ا إذ من املستحيل أن يغري املرء قدره البيولوجي ويندمج في قومية

110 الفاشية أخرى. وعلى أرض الواقع كان النازيون يعتقدون أن اليهود املندمجني في مجتمعهم أكثر خطورة لا نهم يت صرفون في الخفاء. تعمل العنصرية البيولوجية أيض ا على تقسيم الشعوب إلى عليا ودنيا والدنيا تكاد لا تختلف عن رتبة الحيوانات العليا. وقد ت ستخدم البشر «الدنيا» فيما يحقق مصلحة الا جناس العليا أو يمكن حتى قتلهم. لا تتحدد الهوية القومية بيولوجي ا في كل الا حوال ففي أواي ل القرن العشرين كان الا وروبيون املثقفون عادة يدركون مفهوم العرق من ناحيتي التاريخ والثقافة فالفرد ينتمي إلى الا مة إذا كان يسكن أراضيها التاريخية أو يتحدث لغتها القومية أو يو دي شعاي ر ديانتها. وهذا النوع من العنصرية أقل تطرف ا لا نه يتيح «الاندماج» عن طريق تع لم اللغة القومية أو تغيري الديانة. وفي بعض الا حيان كان الاندماج مرتبط ا ببرامج ت عد تقدمية: ففي فرنسا واملجر الليبراليتني في القرن التاسع عشر كان اليهود يكتسبون كامل الحقوق املدنية طاملا لا يع برون عن اختلافهم علن ا. وفي روسيا السوفييتية تسن م اليهود أعلى شجرة الوظاي ف الحكومية لكن النظام قضى دون رحمة على أي شكل للتعبري عن الثقافة اليهودية. ومع ذلك يتوقف الاندماج على افتراضات عنصرية فاملرء لا يمكن أن يكون مواطن ا يتمتع بحقوق متساوية ما لم تنطبق عليه الخصاي ص الثقافية املفترضة للا غلبية. واملوقف الليبرالي الا صيل يتقبل التنوع الديني واللغوي والثقافي بل وحتى الارتباط العاطفي بدول أخرى على شرط أن يلتزم املقيم بالقانون الذي يطب ق على الجميع سواء. الا هم من ذلك أن كل من يخالف القانون ي عامل بالطريقة نفسها فلا أحد يعام ل على أنه أكثر ميلا لارتكاب جريمة بسبب أصوله العرقية. الجميع يتمتعون بنفس الحق في «املحاكمة العادلة» ولا يستخدم الليبراليون «اختبارات ولاء» مثل الدراية بتاريخ الا مة أو دعم فريق كرة القدم الوطني. ويكون الاندماج تمييزي ا على نحو خاص حيثما يتضمن تدابري قمعية مثل إغلاق املدارس التي تد رس بلغات الا قليات كما حدث في أحوال كثرية في أوروبا ما بني الحربني العامليتني. الا مر مرهون بدرجة كبرية بالزمن الذي ي فترض أنه لا بد من مروره كي يجري إدماج الفرد في املجتمع على سبيل املثال كان باريه يعتقد أن الفلاحني ت شربوا القومية الفرنسية عبر «قرون» من الارتباط بالتراب الوطني وكان يرى أن اليهود كاي نات حضرية لا يمكن أبد ا أن تكون فرنسية بالكامل لا نها لم يسبق لها قط أن حرثت التربة. وقومية «الدم والتربة» هذه كانت ساي دة على نطاق واسع داخل اليمني 110

111 الفاشية والا مة والعرق الا وروبي الفاشي وغري الفاشي خلال سنوات ما بني الحربني. وملا كانت هذه القومية لا تتيح للا قليات العرقية سوى مجال محدود لتغيري انتماي هم القومي كانت إقصاي ية مثلما كانت العنصرية النازية. ويزداد تواري الاختلافات بني العنصريتني البيولوجية والتاريخية/الثقافية بفعل الا دماج القسري الذي ن فذه النازيون على جماعات سكانية اعتبروها قريبة للا ملان من الناحية العرقية. فقد كانت «املنظمة الاشتراكية الوطنية للرفاه الشعبي» تعيد بالقوة توطني الا مهات الهولنديات والنرويجيات اللاي ي أنجبن أطفالا لا باء أملان في أملانيا وبلغ بها الا مر أنها كانت تختطف الا طفال من دور الا يتام البولندية وتسعى «لا ملنتهم» وقولبتهم في القالب الا ملاني من خلال الانضباط والعمل القسري. كان «الخبراء» النازيون يتناولون بالنقاش مسا لة قابلية إدماج مجموعات سكانية بعينها في املجلات العلمية وبذلك يضفون مسحة من الاحترام العلمي على سياساتهم. وهكذا نجد أن هناك تدرج ا متسلسلا بني الا دماج الليبرالي والا دماج القسري والعنصرية الا قصاي ية وعنصرية الا بادة. والفاشية لا تتسامح مع تنوع الهويات أو الفكرة القاي لة با ن املرء يستطيع أن يفي بواجباته كمواطن وفي الوقت نفسه يعتنق أي هوية أخرى. لكن الفاشية يمكن أن تقع في أي نقطة على امتداد هذا النطاق. ثمة تعقيد آخر يتمثل في أن العنصرية لم تكن قط حكر ا على اليمني أو اليمني املتطرف فالافتراضات العنصرية التي تكون مباشرة وم علنة في بعض الا حيان ولاواعية في أحيان أخرى كثري ا ما أث رت في الفكر اليساري وممارساته أيض ا. لا يقع تاريخ العنصرية اليسارية ضمن نطاق هذا الكتاب لكن تجدر الا شارة إلى أن العنصرية اليسارية تختلف عن الفاشية في جوانب هامة فاليسار كان عادة متفاي لا إزاء إمكانية الا دماج وكان نادر ا ما يو من با ن السياسة العنصرية علاج ناجع شاف لا مراض املجتمع. فالاشتراكيون مو منون بطبيعتهم با ن الطبقة تفوق العرق أهمية. النازية ربما كانت حالة النازية ستبدو أكثر وضوح ا لو لم تكن بعض املناهج التي استخدمها أكاديميون قد ه ونت من أهمية العنصرية في النازية فاملاركسيون كانوا يميلون إلى تقديم معاداة السامية باعتبارها وسيلة يستخدمها الرأسماليون لا خفاء الا سباب الحقيقية لبو س العمال. وكان أنصار «الفيبرية» يجادلون با ن اليهودي رمز ملاي م للعالم الحديث الذي 111

112 الفاشية يكرهه الفاشيون كراهية شديدة. وهذه التفسريات ليست باطلة لكن العنصرية كانت أكثر من مجرد أداة تستخدم لتحقيق غايات أخرى. وقد أظهرت تفسريات أكثر حداثة للنازية أن مسا لة العرق طغت على جميع جوانب النازية فهتلر نفسه كان مو يد ا لكل فرضيات العنصرية البيولوجية املسي سة. فقد صنف الا عراق في كتابه «كفاحي» في تراتب هرمي يحتل الا ريون قمته وذهب إلى أن الا عراق تتصارع صراع ا دارويني ا على الهيمنة وجادل با ن كل عرق يشعر برغبة في تنقية نفسه وأن الا فراد والفي ات الاجتماعية تحقق الكمال من خلال التضحية بالنفس في سبيل مصلحة العرق. وكان هتلر يرى أن اليهود يكافحون بلا انقطاع لتقويض الجنس الا ري خاصة عن طريق الترويج للرأسمالية وللشيوعية العامليتني وتشجيع الحرب بني الا مم «املتمتعة بالصحة». وكان هتلر أيض ا يعتبر الدعارة وسيلة يستخدمها اليهود لا فساد الا ريني من خلال نقل مرض الزهري لهم. في الواقع قيل إن اليهود هم املسي ولون عن نشر جميع الا مراض الوراثية ومن هنا ظهرت دعوته إلى تطبيق حلول يوجينية في التعامل مع املسا لة العرقية مثل: الاستيلاد الانتقاي ي وتعقيم «غري الصالحني» وإصدار التشريعات التي توفر الرعاية الاجتماعية للعناصر «الصالحة» من السكان وتشجيع النساء صحيحات البدن على الا نجاب. صحيح أنه لم يذكر مسا لة الا بادة لكن مفردات اللغة التي استخدمها لوصف اليهود البكترييا العصوية والديدان املاصة للدماء والطفيليات ربما كانت تضفي بل أضفت بالفعل مشروعية على الا بادة. وهكذا فا ن معاداة السامية واليوجينية ومعاداة الرأسمالية والشيوعية لم تكن سوى أوجه مختلفة لسياسة واحدة. وقد أصاب املو رخون حينما أشاروا إلى أن اليهود لم يكونوا سوى فصيل واحد من أعداء عديدين هاجمهم النازيون (ي ضاف إليهم أيض ا البولنديون والكاثوليك والشيوعيون والاشتراكيون) أثناء صعودهم إلى السلطة كجزء من سعيهم لنيل دعم املحافظني وأشاروا أيض ا إلى أن النازيني لم يعتقدوا با ن اليهود يشكلون تهديد ا عاجلا وبالتالي لم يكونوا يعتبرونهم هدفهم الري يسي في ذلك الوقت. لكن هتلر وكبار أتباعه كانوا مهووسني بمعاداة السامية التي كانت جزء ا هام ا وإن كان ضمني ا من الدعاية النازية طوال الوقت. فقد كان برنامج عام ١٩٣١ املوجه للفلاحني يتحدث عن الحاجة إلى النضال العنصري ضد الشرق الزاحف (اقرأ عن اليهودية البلشفية) وطالب بسن قانون لحماية الفلاحني باعتبارهم «مصدر تجدد دماء الشعب الا ملاني». كان من التقليدي أن يجري تصوير 112

113 الفاشية والا مة والعرق الرأسماليني بملامح يهودية كاريكاتورية وكانت معاداة السامية مرتبطة ارتباط ا وثيق ا بمعاداة الشيوعية أيض ا. خذ مثلا أحد امللصقات الدعاي ية للانتخابات الري اسية لعام ١٩٣٢ (انظر الشكل 1-8 ) يظهر في الجزء العلوي من امللصق مجموعة متنوعة من الاشتراكيني والشيوعيني تحت عنوان مكتوب بحروف تحاكي الكتابة العبرانية: «نحن سنصوت لهيندنبرج!» أما الصور التي في الا سفل فتظهر تحت عنوان بحروف جرمانية تقليدية وت ظهر عدد ا من القادة النازيني الذين سيصوتون لهتلر. هناك أيض ا ملصقات أخرى ت ظهر الشيوعيني في صورة أبالسة والشياطني اليهود يوسوسون في آذانهم. شكل 1-8: «نحن سنصوت لهتلر.» ملصق دعاي ي من حملة الانتخابات الري اسية لعام 1 ١٩٣٢. لم تكن إبادة اليهود ضرورية ضرورة حتمية وقت الاستيلاء على السلطة لكن النازيني بدءوا ين فذون خططهم العنصرية بمجرد أن فازوا بالسلطة. وكان الفضل الكبري الذي ينسب لهتلر بصفته املنتصر على الشيوعيني ومهندس البعث الوطني في 113

114 الفاشية أملانيا يتيح له وملو يديه تنفيذ خططهم العنصرية فقد حظرت بعض التدابري الا ولى التي اتخذت نهج «قانون التمكني» عمل اليهود في الدواي ر الحكومية وبعض املهن وفي عام ١٩٣٥ كان يحظر على اليهود أن يتزوجوا من الا ريني أو يقيموا علاقات جنسية معهم. إضافة إلى هذه القوانني العنصرية على نحو مكشوف كانت هناك تشريعات أخرى ترمي لا هداف عنصرية فعلى سبيل املثال أباح قانون «منع العليلني وراثي ا من التناسل» (يوليو ١٩٣٣) التعقيم القسري لفي ات معينة من السكان وكان منح حوافز للمرأة لتشجيعها على تكريس نفسها للمنزل وللعاي لة يهدف إلى زيادة عدد السكان املرغوبني من الناحية العرقية. كانت قروض إتمام الزواج وإعانات الا سر الكبرية ت منع عن «من هم أدنى من حيث املرتبة العرقية» ففي عام ١٩٣٥ كان على كل من يرغب في الزواج أن يقدم شهادة رسمية تفيد بلياقته عرقي ا. وقبل اندلاع الحرب بوقت قصري بدأ تنفيذ برنامج لقتل املرضى نفسي ا واملعاقني ذهني ا من دون أي عقوبة قانونية رسمية. وما إن استقر مبدأ أن جميع القوانني يجري تكييفها على نحو عنصري حتى بات من املعتاد أن تحوي التشريعات اللاحقة بنود ا عنصرية. كانت جميع هذه التدابري جوانب لسياسة واحدة تستهدف خلق شعب نقي عرقي ا وصحيح بدني ا وعقلي ا ومو هل لشن الحرب على الا عراق الدنيا والاستيلاء على حيز معيشي في الشرق. عند هذه املرحلة أعلن هتلر صراحة با ن مصري اليهود أن ي عزلوا في الجيتوهات. في الواقع كان الا مل معقود ا على أن عيش اليهود حياة غري مريحة سيدفعهم للهجرة لكن رفض الحكومة السماح لليهود با خذ أموالهم معهم علاوة على رفض الحكومات الا جنبية استقبالهم أحبط هذه الا مال. فا دى ضغط الناشطني النازيني إلى جانب تهافت جوبلز على منح هتلر مبتغاه إلى املذبحة املدبرة املعروفة باسم «ليلة الزجاج املكسور» في يومي ١٠ ٩ من شهر نوفمبر عام ١٩٣٨. أعقب ذلك نهب الدولة لثروات اليهود. ظلت هجرة اليهود هي الهدف الا ساسي لكن منح وحدة إس إس مزيد ا من السلطة فيما يتعلق باملسا لة اليهودية كان ينذر بما هو أسوأ. يتفق العلماء على أن ما ع جل بالتطرف الختامي للسياسة النازية تجاه اليهود كانت الحرب التي اندلعت في الشرق. لكن لا بد أن نتذكر أن الحرب ضد «اليهودية البلشفية» كانت دوم ا هدف النازيني ففي يناير عام ١٩٣٩ أعلن هتلر أنه إذا نجح التمويل اليهودي في الا لقاء با وروبا في أتون الحرب «فلن تكون النتيجة هي «بلشفة» الكرة الا رضية وانتصار اليهود وإنما إبادة الجنس اليهودي في أوروبا.» بعض النازيني ظل 114

115 الفاشية والا مة والعرق يفسر هذه الثورات الغاضبة على أنها إباحة للهجرة ورأى آخرون أنها تقصد التهجري القسري إلى مدغشقر أو إلى بولندا وهذه السياسات التي كانت مقبولة ستستتبع وفاة العديد من الضحايا. كما كانت تصريحات هتلر تبيح قتل اليهود في بولندا املحتلة علاوة على أن تنفيذ سياسة العزل في الجيتوهات والعمل القسري والطرد في ديسمبر ١٩٣٩ مثل شطحة كبرى ابتعدت كل البعد عن القواعد التي تحكم السلوك البشري عادة. فيما بعد واستعداد ا لغزو روسيا صدرت تعليمات لفرق خاصة من وحدة إس إس اسمها كتاي ب الا عدام املتنقلة «أينزاتسجروبن» بقتل املسي ولني الشيوعيني فوق مستوى غري محدد واليهود املوجودين في الحزب الشيوعي وفي وظاي ف الدولة والراديكاليني واملخربني ووكلاء الدعاية وغريهم آخرين. منحت هذه الا وامر كتاي ب الا عدام املتنقلة مساحة شاسعة للتحرك لا سيما أنه كان من الصعب عملي ا أن يحدد املرء بدقة م ن اليهودي وم ن الشيوعي. شكل 2-8: وحدة من كتاي ب الا عدام املتنقلة «أينزاتسجروبن» تقتل عدد ا من اليهود في شنياتن ببولندا (صارت الا ن في أوكرانيا) ١١ مايو 2 ١٩٤٣. قتلت كتاي ب الا عدام املتنقلة مي ات الا لاف من اليهود في «معارك» محلية. وبحلول نهاية العام مثلما تو قع هتلر ومرءوسوه أن تتحقق نبوءة يناير عام ١٩٣٩ لم يعد السو ال عما إذا كان اليهود سي قتلون حق ا وإنما بات: أين سيقتلون وكيف سيقتلون 115

116 الفاشية ومتى سيقتلون في مطلع عام ١٩٤١ تقرر أن يجري تشغيل اليهود في املعسكرات حتى املوت أو قتلهم مباشرة. أسفرت هذه الا حداث إجمالا عن هلاك نحو ستة ملايني يهودي. في الواقع يستحيل أن يفي كتاب خ صص ملسا لة الفاشية بالحديث عن أهوال العنصرية النازية لكن لا يسعنا إلا أن نعترف بمحدودية نطاقنا هذا وفي الوقت نفسه نتعمق في دراستنا للعلاقة املتشابكة بني الفاشية والعنصرية. مسا لة الفاشية الا يطالية ما ذ كر للتو يقودنا إلى مسا لة الفاشية في إيطاليا إذ يتردد في كثري من الا حيان أنها لم تكن عنصرية فالعداء للسامية لم يكن له جذور قوية في إيطاليا واليهود هناك شغلوا مناصب مرموقة في الحزب والنظام الفاشيني علاوة على أن إحدى عشيقات موسوليني مارجريتا سارفاتي كانت يهودية وفي مقابلة شهرية عام ١٩٣٠ سخر موسوليني من العنصرية البيولوجية. وخلال الحرب كانت سلطات الاحتلال الا يطالي في فرنسا وكرواتيا ترفض تسليم اليهود للا ملان. وي قال إن إيطاليا لم تطبق القوانني العنصرية الا ملانية عام ١٩٣٨ إلا لا ن النظام قد صار خاضع ا للنازية. وبالتالي كثري ا ما يقال إن الفاشية الا يطالية والا يطاليني بريي ة من ذنب املشاركة في محرقة الهولوكوست. لكن هذا الرأي بحاجة إلى تحقيق فا ذا نظرنا إلى أوروبا ككل فسنجد أن عام ١٩٣٨ شهد تفشي ا ملعاداة السامية في كل أرجاء القارة نتيجة لحالة الذعر الناجم عن الحرب والذي تفاقم بفعل املخططات التي أعدتها أملانيا للنمسا وتشيكوسلوفاكيا. وحدث في العديد من البلدان أن اتهم الرأي العام اليميني اليهود والبلاشفة با نهم يثريون الحرب. وملا كانت هذه الا وهام تظهر مرار ا في بريطانيا وفرنسا اللتني لم تكونا خاضعتني لتا ثري النازية كما الحال في إيطاليا فا ننا يمكن أن نشك في أن معاداة السامية في إيطاليا لم تكن مجرد نسخة سطحية من نظريتها الا ملانية. في الواقع كان رصيد الفكر السياسي مشترك ا بني الدول الا وروبية في أواي ل القرن العشرين. وبينما اتخذت العنصرية أشكالا مختلفة في مختلف البلدان كانت «متاحة» للفاشيني في كل مكان. ي ضاف إلى ذلك أنه كان من الصعب الفصل بني العنصريات التاريخية والثقافية والبيولوجية على أطياف اليمني املتطرف. وإيطاليا ليست استثناء لهذه القاعدة فقد كانت الرغبة في إقامة مجتمع وطني موحد أساسية بالنسبة للفاشية في إيطاليا ورغم أن العنصرية البيولوجية لم يجر استخدامها منهجي ا لخدمة هذا املسعى اعتنق النظام 116

117 الفاشية والا مة والعرق بالفعل أسطورة تفوق وطني تقوم على صفات عليا مزعومة يتصف بها العرق الا يطالي وي زعم أنها ستبعث أمجاد روما القديمة. ثمة أمر آخر كاشف على نحو خاص هو أن إيطاليا الفاشية نفذت برنامج إدماج قسري لسكان ساوث تريول الا ملان التي ضمتها إيطاليا إليها بعد الحرب العاملية الا ولى. كانت الحكومات الليبرالية في ذلك الوقت تبرر حكمها للا غلبية الا ملانية في الا قاليم با سباب اقتصادية وعسكرية وتمنح الا ملان قدر ا كبري ا من الاستقلالية. لكن النظام الفاشي اتخذ خط ا مختلف ا فقد راح يروج حجج ا أنثروبولوجية وتاريخية مشكوك ا في صحتها كتلك التي كان يروجها أنصار الوحدة مع أملانيا قاي لا إن سكان ساوث تريول إيطاليون في الا ساس لكنهم جرت «أمل نتهم» في ظل حكم إمبراطورية هابسبورج. هذه الا فكار دون سند منحت الشرعية لتدابري قاسية مثل «ط ل ي نة» ألقاب العاي لات ومنع الصحف الا ملانية وفرض استخدام اللغة الا يطالية في الدواي ر الحكومية وإغلاق املدارس الا ملانية الخاصة. إزاء ذلك أحجم هتلر الذي عادة ما كان يه ب للدفاع عن اضطهاد الا ملان في أي مكان خارج الرايخ عن انتقاد هذه السياسة لا نه كان يرغب في الاحتفاظ بصداقة موسوليني بل وأدان القوميني الا ملان في ساوث تريول ووصفهم با نهم «يهود وعناصر برجوازية». في عام ١٩٣٨ بدأ هتلر برنامج ا لا عادة توطني سكان ساوث تريول داخل أراضي الرايخ لكن موسوليني تشبث بخطة «الطلينة» التي وضعها وقاوم إعادة التوطني. كان النظام أيض ا يبرر برنامجه اليوجيني لتحسني «العرق» الا يطالي بضرورة التنافس مع «العرقني البني والا صفر». استتبعت هذه السياسة تمجيد سكان الريف الا صحاء ذوي الجذور الضاربة لقرون في التربة الا يطالية. وقد انكشفت أهمية هذا التعريف الا قصاي ي للسيادة القومية عام ١٩٣٨ عندما أسقطت إيطاليا الجنسيات التي كانت قد منحتها لليهود بعد عام ١٩١٩. فبحلول ذلك الوقت كانت العنصرية الفاشية قد باتت أكثر وضوح ا من خلال غزو الحبشة الذي أعلن موسوليني خلاله أن الفتوحات الا مبراطورية مستحيلة في غياب «الا يمان بالتفوق العرقي». العنصرية الفاشية في بقاع أخرى إن نظرة سريعة على العنصرية الفاشية خارج أملانيا وإيطاليا تو كد أن التعصب القومي يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة ففي بولندا حيث كانت الكنيسة الكاثوليكية بالغة القوة كان من الصعب على الفاشيني أو أي شخص آخر أن يعتنقوا املذاهب 117

118 الفاشية العنصرية العلمية. فالعنصرية في بولندا كانت تستند أكثر إلى كراهية اليهود لا نهم قتلة املسيح وعملاء العلمانية والليبرالية والاشتراكية وتستند أيض ا إلى الدفاع عما قيل إنها الثقافة الكاثوليكية البولندية الخالدة. والفاشية الرومانية أيض ا كانت دينية بالقدر نفسه وكان جنود «الفيالق» في بعض الا حيان يرفضون العنصرية البيولوجية. ومع ذلك ص ور «الفيلق» نفسه على أنه انبثاق من فلاحي إقليم «داتشيا» وأن جنوده هم السكان الا صليون ملا كانت ستصبح عليه رومانيا قبل الفتح الروماني. كان ي عتقد أن النخبة الرومانية انحدرت من قوات الاحتلال الرومانية اللاتينية أو التركية اليونانية وأنها أفسدت البلاد من خلال تفضيلها التا ثريين اليهودي والفرنسي. بحلول أواخر ثلاثينيات القرن العشرين باتت أشكال التعبري عن معاداة السامية «الا فناي ية» شاي عة جد ا في رومانيا. كانت الجيوش الرومانية في روسيا ستمارس منتهى الوحشية في ملاحقتها اليهود. في البلدان التي احتلها النازيون عادة ما كان هناك فاشيون وغريهم آخرون على استعداد لغض الطرف عن الا عمال الوحشية أو ملساعدة النازيني في قتل اليهود ومع ذلك ليس مرجح ا أن أي ا من هذه البلدان كانت ستبدأ برامج الا بادة الجماعية حسبما ترتي ي وذلك لا سباب ليس أقلها أن الفاشيني نادر ا ما حكموا البلدان املحتلة. كانت الا نظمة املحافظة الاستبدادية بموقفها املتضارب إزاء معاداة السامية كثري ا ما تقوم على دعم النازيني. وسواء أكانت الديكتاتوريات املحافظة أكثر ارتباط ا بالعاملية الدينية أو لا تزال تعتقد في الا دماج فا نها بوجه عام لا تو من بالتطرف العنصري الفاشي. فقد ظل النظام املجري يرفض مطالب النازيني بترحيل سكانه اليهود إلى أن احت لت البلاد عام ١٩٤٤. أما الحكومة الفرنسية فكانت مستعدة للتخلي عن اليهود املهاجرين أكثر من استعدادها للتخلي عن اليهود الفرنسيني. الشعبوية القومية والعرق ينكر الفاشيون املعاصرون عنصريتهم كجزء من حملتهم لنيل الاحترام فهم يزعمون على خطى اليمني الجديد أن العنصريني الحقيقيني هم مهندسو العوملة والتعددية الثقافية الذين يق وضون الاختلافات الوطنية. فيو كد الحزب القومي البريطاني أنه ليس عنصري ا لا ن: 118

119 الفاشية والا مة والعرق «العنصرية» هي أن «تكره» جماعة عرقية أخرى ونحن لا «نكره» السود ولا «نكره» الا سيويني ولا نعارض أي جماعة عرقية بسبب ما خلقها الرب عليه فهم من حقهم أن تكون لهم هويتهم الخاصة بقدر ما لنا نحن الحق في ذلك كل ما نريد أن نفعله هو أن نحافظ على الهوية العرقية والثقافية للشعب البريطاني. إننا ننشد نفس الحقوق الا نسانية شا ننا شا ن كل الا خرين وباملثل أسس ديفيد ديوك عضو سابق في «كو كلوكس كلان» «الجمعية الوطنية من أجل النهوض بالبيض» كي يجعل القومية البيضاء أكثر قبولا لدى الرأي العام فقد أكدت الرابطة على أن «الجميع يجب أن ينالوا حقوق ا وفرص ا متساوية بما فيهم البيض.» ليس من الصعب فضح عنصرية افتراضات الشعبوية القومية. خذ مثلا مذهب الحزب القومي البريطاني أولا : يع رف الا مة على أساس عنصري: السكان الا صليون الذين عاشوا في هذه الجزر منذ ما قبل العصر الحجري والا عداد القليلة نسبي ا من الشعوب التي تكاد تكون من نفس السلالة مثل السكسونيني والفايكينج والنورمانيني والا يرلنديني الذين جاءوا إلى هنا واندمجوا في الا مة. تتا كد الا سس البيولوجية لعنصرية الحزب القومي البريطاني من خلال معارضته الزيجات املختلطة من منطلق أن «كل الا نواع والا جناس في الحياة على هذا الكوكب جميلة ويجب املحافظة عليها.» ومن قبيل املفارقة أن الفاشيني املعاصرين رغم سعيهم لنيل الاحترام يدينون بالكثري من فكرهم إلى أكثر أشكال العنصرية البيولوجية إقصاء. ثاني ا: من املفترض أن كل عرق يجب أن يكون نقي ا وأن واجب الدولة هو تعزيز «تف رد» الشعب. وينادي أنصار الشعبوية القومية بفرض قيود صارمة على الهجرة وبتشجيع إعادة املهاجرين إلى أوطانهم الا صلية طوع ا أو كره ا. أما في سوق العمل فالا فضلية للمواطنني «الا صليني» بينما في مجالي التجارة والصناعة فيجب أن ت سترد ملكية املشاريع وتعود للوطن «الا م». ربما من املنتظر كما كان النازيون يا ملون في بادئ الا مر أن تشعر الا قليات العرقية با ن الحياة بالغة الصعوبة بدرجة ستدفعها 119

120 الفاشية للرحيل. ومما لا شك فيه أن «الجبهة الوطنية» الفرنسية تا مل في اقتناع املهاجرين بمغادرة البلدات التي تحكمها. ثالث ا: كثري ا ما تربط الشعبوية القومية بني العنصرية وحملة لرفع معدل إنجاب نساء الوطن «الا م». من الواضح أن الحزب القومي البريطاني يف ضل تقديم نفقات يوجينية تنفق على «الا صحاء في املقام الا ول [حسب نص التصريح]» بدلا من الا نفاق على إجراء عمليات مكلفة «ملرضى طاعنني في السن» يعانون من «أمراض مزمنة». رابع ا: بالنسبة لبعض الشعبويني القوميني ح لت صورة الرجل املسلم محل صورة اليهودي باعتبارها تجسيد ا للشر. لذلك في سبتمبر عام ٢٠٠١ بعد أن فجر طيارون انتحاريون إرهابيون مركز التجارة العاملي في نيويورك بات السياسيون الغربيون (عدا بريلسكوني) يحرصون على التمييز بني رأي الا غلبية املسلمة والا قلية من املتعصبني. لكن الحزب القومي البريطاني أكد (باللغة الليبرالية نفسها ثانية) أن ليس كل املسلمني متعصبني خطرين «لكن» الا سلام نفسه خطر. وكما كان هتلر يعتقد أن اليهود يشنون حملة هدفها «تهويد» أملانيا كذلك الحزب الوطني يعتقد أن الا صوليني الا سلاميني يسعون من خلال ارتفاع معدلات إنجابهم وتدفق الهجرة و«التلقني» في املدارس (أي التعليم الديني الذي يروج للتسامح إزاء التعددية الدينية) إلى تحويل بريطانيا إلى جمهورية إسلامية. ومثلما حدث في أملانيا ما بني الحربني العامليتني فا ن شعور العداء للا سلام ينفصل على نحو متزايد عن الوجود الفعلي للمسلمني وما يو كد ذلك هو ما حققه «حزب الشعب الدنماركي» الكاره للا جانب من تقدم في نتاي ج الانتخابات. لكن ليس كل الفاشيني الجدد يكنون هذه الكراهية للا سلام فقد رحب العديد من النازيني الجدد الا ملان بهجمات الا صوليني الا سلاميني في الحادي عشر من سبتمبر ضد أمريكا عدوهما املشترك. ت دعي الشعبوية القومية أنها «مناهضة للعنصرية» على أساس أنها تفضل تساوي الحقوق املمنوحة لجميع الا جناس ومع ذلك تطالب بتطبيق قواعد عنصرية على الهجرة والسياسة الاجتماعية وتف ضل رحيل من تعتبرهم غري مرغوبني من الناحية العنصرية. لكن قد يتخذ ذلك أشكالا مختلفة حيث يدعو الحزب القومي البريطاني إلى عودة املهاجرين لا وطانهم طواعية (وإن كان جريفني يعترف با نه يف ضل رحيل كل من هم ليسوا بيض ا). أما «الجبهة الوطنية» الفرنسية فتفضل ترحيل املهاجرين قسر ا. أما هايدر فيزعم أنه «لا يحمل شيي ا ضد أولي ك الذين عاشوا هنا طوال ٢٠ إلى ٣٠ عام ا وكسبوا عيشهم» لكنه فقط يريد أن يدرأ وفود ا آخرين جدد ا. 120

121 الفاشية والا مة والعرق من غري الواضح كيف يمكن تنفيذ سياسات كهذه على أرض الواقع. أحد أهم املواضيع الغامضة يتعلق بالكيفية التي سيجري بها التعامل مع «املهاجرين» الذين سيحجمون عن الرحيل والعودة لا وطانهم. هل سيلقون نفس املعاملة التي يلقاها املواطنون في سوق العمل ونظام الرعاية الاجتماعية يستطيع املرء أن يتوقع نشوب نزاعات بني املتشددين و«املعتدلني» داخل الا حزاب الشعبوية القومية. ولا شك في أن من ي عتبرون من عرق أجنبي سيواجهون صعوبات حياتية في حال وجود حكومة شعبوية قومية. ولعل العبرة املستفادة من التاريخ هي أن تحقيق التجانس العرقي هدف يصعب تحقيقه على أرض الواقع ويتطلب ممارسة قدر هاي ل من الا كراه وخروج ا جذري ا على القيم الديمقراطية. حتى النتاي ج التي أسفرت عنها أعمال النظام النازي كانت متناقضة فقد اضطر النازيون إلى حشد موارد هاي لة والتنكر لكل القيم املقبولة في ذلك الحني كي يبيدوا اليهود. ومع ذلك كله فشلوا في جعل أملانيا متجانسة عرقي ا. وقبل عام ١٩٤٤ فرض احتياج آلة الحرب للا يدي العاملة استقدام سبعة ملايني من العمال والعبيد الا جانب. صحيح أن هو لاء العمال كانوا يتعرضون ملعاملة قاسية قسوة تفوق التصور لكن النظام لم يستطع منع نشوء أواصر املحبة بني الا ملان والا جانب. وما كان جنون الارتياب لدى النظام إزاء ما سيترتب عليه الاختلاط العنصري من آثار إلا ليدفعه إلى مزيد من الغلو لكن بلا طاي ل. يبني التاريخ أيض ا أن قمع العنصرية يزداد سوء ا ج راء طبيعته الاعتباطية فما من أحد أثبت حتى الا ن أن الاختلافات الجينية الطفيفة بني أناس يعيشون في دولتني متجاورتني أو بني أناس مختلفي لون البشرة أو الشعر لها علاقة «بسيكولوجية عميقة» فما بالك بالسلوك اليومي! ولم يب ني أحدهم أيض ا أن الاختلافات الثقافية بني الشعوب أكبر من الاختلافات فيما بني أفراد الشعب الواحد. إن غموض مبادئ العنصريني تسمح لهم بتكييف عنصريتهم لا ي غرض يطيب لهم أن يتبنوه ففي أواي ل القرن العشرين كان من املعتاد الاستشهاد بالسمات الجوهرية املمي زة للا ريني واللاتينيني. لكن الا ن بات يقال إن جميع الا وروبيني متحدون في صراع ضد الا سلام. والبعض يرى أن الا نجليز والا يرلنديني مختلفون اختلاف ا جوهري ا والبعض لا يو يد ذلك. وغني عن القول أن هذه الخلافات ليست من نتاي ج البحث والتقدم العلميني فالعنصرية لا تزال تشكل تحيز ا يمكن أن يظهر في ظل أي نظام. 121

122 الفاشية يقول مايكل بريلي فولفجانج ويبرمان في كتابهما «الدولة العنصرية» إن إخضاع الرايخ الثالث لجميع أشكال السياسات من أجل إقامة نظام جديد عنصري هرمي جعلت منه نظام ا استثناي ي ا. وأنا لا أرغب في إنكار تف رد النظام النازي ولو أن جميع الا نظمة تعد فريدة من نوعها ويمكن باملثل إخضاعها للتحليل املقارن لكني أود أن أشري إلى أن إعلاء التعصب القومي مع ما يتضمنه عادة من عنصرية قوية في داخله يشكل سمة مشتركة بني جميع الحركات والا نظمة الفاشية. هوامش (1) German Propaganda Archive, Calvin College, Michigan. (2) AKG London. 122

123 الفصل التاسع الفاشية والنوع رغم أن الا ولوية الفكرية لدى الفاشيني كانت القومية العنصرية إلا أنهم كانوا يتصورون الا مة من منظور ذكوري. وفي الواقع إن الفاشية أيديولوجية ذكورية بالا ساس يجسدها مقاتلو الشوارع مرتدو القمصان موحدة اللون لسنوات ما بني الحربني العامليتني والعنصريون في العصر الحديث. وهي تعارض الحركة النساي ية بقدر ما تعارض الاشتراكية معارضة شديدة. وقد كان الفاشيون على مر التاريخ بوجه عام يقولون إن الوظيفة الا ساسية للمرأة إنجابية ومنزلية. ويضيف الشعبويون القوميون إلى هذا بقولهم إن الجنسني مثل الا عراق «متساويان لكنهما مختلفان.» كان كثري من الا وروبيني مقتنعني با ن الحرب العاملية الا ولى أفسدت العلاقات الطبيعية بني الجنسني فقد شغلت النساء وظاي ف الرجال وكانت النظرة إليهن أنهن كن يعشن حياة مستقلة وعابثة بينما كان الرجال يواجهون الكابوس على الجبهة. في الوقت نفسه حفزت املشاركة النساي ية الضخمة في املجهود الحربي إنشاء املنظمات النساي ية التي كان بعضها يناصر قضايا املرأة وبعد الحرب اكتسبت النساء حق التصويت في العديد من البلدان. وأقبلت نساء الطبقة البرجوازية على ارتداء أشكال أبسط من اللباس وأكثر ملاءمة لحياة العمل ولو أن البعض رأى أن هذه املوضة تنتقص من أنوثة املرأة. وقد ع بر بيري دريو لاروشيل املحارب القديم والرواي ي الفرنسي الذي اعتنق الفاشية فيما بعد عن أسفه قاي لا : «هذه الحضارة لم يعد فيها فرق بني رجل وامرأة.» كان ي نظر إلى الا زمة التي ز عم أنها أصابت العلاقات بني الجنسني على أنها علامة على انحلال اجتماعي شامل واعتقد البعض أن العمال الراديكاليني أو الا قليات الوطنية املتمردة قد تا ث روا باملشاعر «الا نثوية». وشعر كثري من املحافظني أن أحوال املجتمع لن

124 الفاشية تجري على النحو الصحيح ما لم ت ع د املرأة إلى موقعها الصحيح. ثم اجتمعت كل هذه املخاوف مع ا في حملة عامة في معظم البلدان الا وروبية كانت تشجع على تعويض م ن قضوا في الحرب من خلال زيادة عدد املواليد. هذه الحملات «الا نجابية» أشارت إلى أن املرأة أ م في املقام الا ول وأنه ربما ينبغي منعها من تق لد الا دوار الا خرى. أجمع الفاشيون على ضرورة إعادة إقامة املجتمع بقيم ذكورية وكانوا بطبيعتهم أكثر تطرف ا وراديكالية من املحافظني التقليديني بل إنهم استبعدوا هو لاء الا خرين لاعتبارهم يفتقرون إلى الرجولة. وكان الفاشيون يعتبرون املحاربني القدماء ذخرية الفكرة الوطنية الذكورية وأدوات تجديد الا مة. كانت خدمة الفرد في خنادق الحرب دليلا على تفانيه في سبيل الا مة وإعلاء من قيم رجولية كالشجاعة والبطولة والتضحية بالنفس ورفقة السلاح والقدرة على تحمل العناء والطاعة وهي كلها صفات كان ينبغي بثها إلى أفراد املجتمع ككل. دعا كودريانو إلى «بطل من نوع جديد بطل حربي وبطل مجتمعي وبطل في العمل.» وكان م ث ل ه الا على هو ملك العصور الوسطى شتيفان الكبري الذي اشتهر ببسالته العسكرية وإنجابه أطفالا عديدين. وقد تج سدت هذه امل ثل في غ لوها في وحدات إس إس التي كانت تمثل نظام ا عسكري ا ذكوري ا مستوح ى من الساموراي اليابانيني والفرسان التيوتونيني واليسوعيني. ولم يكن الفاشيون يق درون الرجولة في حد ذاتها وإنما رجولة بعض ذكور الجنس الساي د. فقد كان الاشتراكيون والشيوعيون (رغم ميولهم الذكورية) في نظرهم محرضني على الانفلات «الا نثوي» بينما الثورة الفاشية تتسم بانضباط رجولي. وكان النازيون يعتبرون اليهود والبولنديني عرق ني «أنثويني» يحققان أهدافهما باملو امرات الخادعة لا بمجاهرة الرجال. ليس من املفاجي إذن أن نكتشف أن معظم الفاشيني كانوا يكرهون املثليني. ويرى بعض املراقبني أن رهاب املثليني هذا ن ج م عن معاناة الفاشيني أنفسهم من كبت املثلية الجنسية ويدللون على ذلك بالا شارة مثلا إلى لباس وحدات إس إس وأسلوب حياتهم اللذين ين مان عن شبق مثلي. ويذهب أحد النازيني الجدد الا ملان إلى أن املثلية الجنسية تقوي الروابط بني الرجال الحقيقيني. يمكن أيض ا أن يستشهد املرء على ذلك بحالة إرنست روم قاي د «كتيبة العاصفة» النازية فقد كان الرجل نازي ا نموذجي ا تشي ندوب وجهه الظاهرة بذكرى خدمته وشجاعته في الحرب. كان يتوقع أن تلزم النساء الصمت ويعتبر جمهورية فايمار دولة أفقدتها ثرثرة الا ناث ملامح رجولتها ويحظى اليهود 124

125 الفاشية والنوع والشيوعيون املخنثون فيها بنفوذ زاي د عن الحد لكن في الحقيقة كانت مثليته الجنسية معروفة على نطاق واسع وكان يحاول أن يدرأ عن نفسه اتهامه بالخنوثة من خلال اعتناق مذهب سياسي مفعم بالذكورة. وما من سبب يدعو للاعتقاد با ن عدد املثليني جنسي ا بني الفاشيني أكثر منه بني بقية الناس فالحقيقة ربما أقل إثارة من ذلك. ربما كان الفاشيون يحملون عداء استثناي ي ا للمثليني جنسي ا لا نهم كانوا «يخشون» من أن تتهمهم مجتمعاتهم الذكورية باملثلية الجنسية. ي ضاف إلى ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن الحياة الجنسية يجب تكريسها لتكاثر العرق وهو الا مر الذي كان يتضمن بالطبع أن تكون العلاقة مع الجنس الا خر لا مع الجنس نفسه. ومع ذلك فا ن بلوغ روم املعروف بمثليته الجنسية قمة الهرم النازي يبرز أن الروح الفاشية الشعبوية الكارهة للبرجوازية يمكن أن تجتذب الراديكاليني من جميع الا طياف ما داموا يعتبرون الولاء للا مة أولويتهم الا ولى. في الواقع لم يكن روم راديكالي ا على الصعيد الاجتماعي أو السياسي لكنه كان ينتقد «أخلاقيات البرجوازية» ويا مل أن تقضي النازية على رياء البرجوازيني وتب شر بنظام رجولي جديد. بطبيعة الحال كان من فسروا الثورة النازية على هذا النحو يشكلون أقلية ضي يلة العدد ولم يحظوا بفرصة ت ذكر لتحويل أحلامهم إلى حقيقة. وقد كان «شذوذ» روم أحد الذراي ع التي دعمت وقف نشاط «كتيبة العاصفة» عام ١٩٤٣. ومنذ ذلك الحني زاد النازيون اضطهادهم للمثليني جنسي ا ولا أحد يعلم عدد من قضوا في معسكرات الاعتقال أو عدد من «عالجهم» أطباء نازيون. كان كثري من الفاشيني يزدرون النساء بقدر ما يزدرون املثليني جنسي ا أو على الا قل كانوا يعتقدون أن املرأة يجب أن تظل في «موقعها الصحيح». وقد اشتهر املفكر املستقبلي الا يطالي فيليبو مارينيتي با نه «يحتقر املرأة» وأطلق بعض النازيني حملة لسلب حق املرأة في وضع الزينة أو التدخني في الا ماكن العامة. ونشرت صحيفة «الحرس الحديدي» الرومانية عام ١٩٣٧ أن «امرأة اليوم «املفكرة» باتت عنصر ا عقيم ا تمام ا في املجتمع.» واتخذت الا نظمة الفاشية أشكالا متعددة من التدابري القمعية ضد املرأة فقد حاولت استبعاد النساء من سوق العمل وحظر تمكينهن من الحصول على التعليم. وكان النظام في أملانيا أو إيطاليا أو كرواتيا لا يتوقع من النساء إلا إنتاج مواطني املستقبل وجنوده والا مهات اللاتي ستجددن العرق. وكان يفترض أن تغرس النساء القيم الوطنية 125

126 الفاشية في أطفالهن وفي الوقت نفسه كان سعي الفاشيني لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي يجعل املرأة ذات أهمية بصفتها مستهلكة. ومع ذلك كانت هذه السياسات تحمل شيي ا من التناقض لا ن الفاشيني أرادوا أن تبقى النساء في املنزل لكنهم سي سوا املهام التي كانت ت عتبر من قبل مجرد مهام «منزلية» فقد بات الا نجاب والتعليم والاستهلاك جميعها واجبات وطنية. علاوة على أن الفاشيني كانوا يحشدون النساء في منظمات مرتبطة بالحزب من أجل تعليمهن واجباتهن املنزلية أي إن الفاشية أخرجت النساء من املنزل بهدف إعادتهن إليه! وفي الوقت الذي كانت املنظمات املحافظة فيه (باستثناء بعض الا حزاب الكاثوليكية وأحزاب الفلاحني) ترفض عضوية الا ناث كانت معظم املنظمات الفاشية تضم قطاعات كبرية منهن ففي إيطاليا كان عدد الفاشيات الا ناث نحو ألف ي أنثى عام ١٩٢١ لكن لم تشهد عضوية الا ناث زيادة في وقت لاحق من العشرينيات ثم عاودت الارتفاع خلال الفترة التي عمل فيها النظام على «التوجه إلى الجماهري» في الثلاثينيات. وعندما كان النازيون ممسكني بزمام السلطة كانت عضوية النساء في الحزب النازي تشكل نحو ٨. في عام ١٩٣١ جرى ضم قطاعات الحزب النساي ية في «الرابطة الوطنية الاشتراكية النساي ية» التي باتت تسيطر بعد استيلاء النازيني على السلطة على كل الجمعيات النساي ية الباقية. بحلول عام ١٩٣٨ وصل عدد العضويات الرسمية املوثقة في هذه الرابطة إلى ما يزيد على املليوني امرأة بينما كان عدد العضوات في املنظمات الفاشية الفرنسية خلال أوج ازدهارها ١٠٠ ألف أو أكثر. وهناك املزيد من الا مثلة التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الصدد. اختلفت الفاشية من حيث نشاطها في حشد النساء اختلاف ا ملحوظ ا عن املحافظية الاستبدادية فقد كانت هذه الا خرية تناهض الحركة النساي ية وكثري ا ما كانت تو سس حركاتها النساي ية الخاصة لكنها عادة ما تركت مجالا للجماعات النساي ية أتاح لها العمل على نحو مستقل عن الدولة (في إطار «املجتمع املدني»). في املقابل كان الفاشيون يكن ون بغض ا عميق ا لا ي حركة نساي ية مستقلة لخشيتهم من أن ت علي هذه الحركات مصالح النساء فوق الا مة. ومع ذلك كانوا يعتقدون أن من غري املمكن إدماج املرأة في الا مة إلا إذا جرى الاعتراف بحاجاتها ومصالحها الخاصة لذا فقد جعلوا املنظمات النساي ية جزء ا من الحزب أو من النظام تمام ا مثلما سيطروا على الحركة العمالية وحاولوا إدماجها في الحزب. وصار املجتمع املدني مغمور ا في الفاشية. 126

127 الفاشية والنوع شكل 1-9: عضوات باتحاد الفاشيني البريطاني تو دين التحية للسري أوزوالد موزلي. 1 ومما يثري الدهشة أن معظم الا حزاب الفاشية جذبت عدد ا من أنصار الحركة النساي ية فقد كانت ماري آلن تقول إن «اتحاد الفاشيني البريطاني» يمثل امتداد ا لنضال ما قبل الحرب من أجل حصول املرأة على حق التصويت. وفي رومانيا يمكن أن يستشهد املرء با لكساندرينا كونتاكوزينو ري يس «الجمعية الوطنية الا رثوذكسية للمرأة الرومانية». وفي إيطاليا كانت ترييزا لابريولا التي كان والدها ناشط ا نقابي ا شهري ا تعتقد أن الا مة الا يطالية ستتجدد من خلال النخبة النساي ية املضحية بذاتها. في عام ١٩٢٦ قالت النازية إيما هادليش با ن الجنس الجرماني كان يتسم باملساواة بني الجنسني قبل أن تفسده القيم الا جنبية. وبعد أن قام النظام النازي حظيت أفكار مماثلة بالدفاع في دورية اسمها «املحارب النازي». كان بعض أنصار الحركة النساي ية املض للني السابق ذكرهم يتوقعون أن يمنح الفاشيون النساء حق التصويت فقد أدرجت البرامج الفاشية الا ولى في إيطاليا ضمن أهدافها منح املرأة حق التصويت أما في البلاد التي كانت النساء تتمتع فيها بالفعل بحق التصويت مثل بريطانيا فقد أصيبت بعض نصريات الحركة النساي ية بخيبة الا مل لا ن هذا الحق لم ي ت ح لهن نيل نفوذ سياسي حقيقي وأملن أن تعوضهن الفاشية عن 127

128 الفاشية هذا. وكان عدد كبري من املنظمات النساي ية الا يطالية يعتبر النظام الليبرالي غري متجاوب مع شواغل املرأة الا مر الذي جعل هذه املنظمات تفضل الانضمام لصفوف املعارضة الشعبوية القومية. خلال سنوات ازدهار الفاشية دافع أنصارها عن «الحركة النساي ية اللاتينية» التي قيل إنها حركة نساي ية تنبذ الاشتراكية والليبرالية التي وضعت حقوق الا فراد في مرتبة أدنى من التقاليد والا سرة والعرق. كان عدد آخر من أنصار الحركة النساي ية غالب ا كان يطلق عليهم «الا سريون» أقل اهتمام ا بمسا لة الحقوق السياسية قدر اهتمامه بحماية املرأة بصفتها امرأة فقد طالبوا باتخاذ تدابري لحمايتها من تداعيات إدمان الذكور شرب الكحوليات وبا صلاح قوانني الطلاق وبتحسني حقوق املرأة بوصفها أم ا وعاملة أيض ا وإن كان هو لاء على استعداد للتخلي عن وجود ديمقراطية تمثلهم (إن حدث وكانوا على استعداد لذلك) فهم ربما يحملون سمة من سمات الفاشيني لا نهم أكدوا أيض ا على دور الا سرة في املجتمع الوطني. اجتذب الفاشيون أيض ا دعم النساء اللاي ي كن ينتمني لحركات سياسية أو حركات يمينية مناهضة للحركة النساي ية فقد كان هو لاء النساء يتفقن مع الرجال الفاشيني على أن مكان املرأة هو املنزل. فقد كانت الا سرة رغم كل شيء تق دم لكثري من نساء الطبقة البرجوازية بعض الامتيازات كالسيطرة على الا طفال وخدم باملنزل داخل إطار الا سرة املمتدة. وملا كانت نساء هذه الطبقة يو دين دور «مقدمة الرعاية» فقد ك ن من املمكن أن ينتمني إلى منظمات خريية مهمة قد يملك بعضها تا ثري ا على سياسة الحكومة. وكان هو لاء النساء يهاجمن الحركة النساي ية إلى جانب الاشتراكية والليبرالية والديمقراطية بحجة أنها تق وض النشاط الخريي والا سرة وأنها ستتسبب في عدم وجود من يقبل الخدمة في املنازل. ورغم ما اتسم به هو لاء النسوة من محافظية عميقة داي م ا ما اعتقدن أن املنظمات املحافظة التقليدية لا تولي اهتمام ا كافي ا للا سرة. كانت الريفيات الفقريات أيض ا تمنحن أصواتهن للفاشية في أملانيا وهذا ربما ي عزى جزي ي ا إلى أنهن ك ن يعتبرن الحركة النساي ية كا نها اكسسوارات ترتديها نساء الطبقة البرجوازية على سبيل اتباع املوضة. نالت الفاشية إذن دعم مجموعة من الجماعات النساي ية املو يدة للحركة النساي ية وغريها من الجماعات التي كانت ليبرالية من قبل أو محافظة أو حتى اشتراكية. كان الرابط املشترك بني هذه الجماعات يتمثل في كراهية عضواتها لليسار مقترنة باعتقادهن 128

129 الفاشية والنوع أن الا حزاب القاي مة سواء كانت يمينية أو يسارية لا تمثلهن على النحو الصحيح. وت لقي مشاركة النساء في الحركات والا نظمة الفاشية مزيد ا من الضوء على أن الفاشية تتسم بطبيعة راديكالية ورجعية في الوقت نفسه. أكثر النساء راديكالية من بني املنضمني للحركات والا نظمة الفاشية لم ي بلني بلاء حسن ا وذلك لا ن النشطاء الذكور (الذين كان نفوذهم أكبر بكثري) كانوا قد اعتنقوا الفاشية بالا ساس لرغبتهم في إعادة العلاقة «الطبيعية» بني الجنسني إذ سرعان ما فقد موسوليني حماسه ملنح النساء حق التصويت بل وحرص أن تظل القطاعات النساي ية في الحركة تابعة لفروع يسيطر عليها الذكور. وفي أملانيا قوبلت آراء إيما هادليش التي ذكرناها سابق ا بالدحض من جانب ألفريد روزنبرج الذي أكد أن املجتمع الا ملاني القديم كان أبوي ا. وفي عام ١٩٣٤ أبلغ هتلر النساء النازيات أن النازية لا مجال فيها ملعركة بني الجنسني. وبات كلا النظامني أكثر حرص ا على إقناع النساء با نجاب الا طفال تصدرت جريترود شولتز كلينك زعيمة «الرابطة الوطنية الاشتراكية النساي ية» النضال با نجابها ١١ طفلا وحاولا منع املرأة من التعليم وإخراجها من سوق العمل. واقتصر نشاط الغالبية العظمى من النساء داخل الحركات الفاشية على أعمال اعتبرت مناسبة لطبيعتهن تعلقت بالرعاية الاجتماعية في املقام الا ول. لكن هذا لا يعني أن النساء لعبن دور ا سلبي ا في الفاشية فحتى النساء اللاي ي ك ن يو دين مها م قد تبدو متواضعة مثل حياكة الجوارب أو جمع املواد الغذاي ية للفقراء كن يشاركن في أنشطة أخرى خارج املنزل تندرج تحت منظومة معقدة تخضع إلى حد كبري لا دارة نساي ية (انظر الشكل 2-9). وكانت هناك أقسام نساي ية في أعلى التسلسل الهرمي للحركات والا نظمة الفاشية تضم جيوش ا صغرية من الزاي رات الصحيات واملمرضات ومعلمات التدبري املنزلي والعاملات في الرعاية الاجتماعية. ربما كان الذكور من الفاشيني يعتبرون مهام املرأة هذه ثانوية لكن النساء لم ي لقني بالا لهذا الا مر بل صارعن الرجال من أجل أن يوسعن مجالات اختصاصاتهن وحاولن إضفاء مكانة على مهنهن تضارع املكانة التي يتمتع بها الا طباء واملحامون. وكن يعتقدن أن أنشطة الرعاية الاجتماعية ضرورية لا قامة أمة متناغمة وم ستنف رة. ورغم أن الفاشيني الذكور كانوا يرغبون في حصر النساء داخل «النطاق» الذي وضعوه لها كانوا يقرون أيض ا با ن العمل الذي تو ديه النساء ضروري لتحقيق هدف الا مة املستنف رة. ولذلك اكتسبت النساء شيي ا من النفوذ داخل الحركات والا نظمة الفاشية. 129

130 الفاشية شكل 2-9: عالم من الا ناث. طبيبة تفحص عضوة جديدة في «وكالة الرايخ لخدمة املجتمع» ٦ سبتمبر 2.١٩٤٠ لكن هذا النفوذ جاء بتكلفة باهظة. صحيح أن الحركات الفاشية طالبت بمجموعة من تدابري الرعاية الاجتماعية وقد نفذتها الدولة بالفعل بدا الكثري منها وكا نه يلبي رغبات طاملا تطلعت إليها الحركة النساي ية (مثل: الا عانات الا سرية وقروض تيسري الزواج وتحسني الرعاية الصحية في العمل وما إلى ذلك) لكن هذه التدابري لم تكن تهدف إلى توسيع نطاق الخيارات املتاحة أمام املرأة بل كانت تخدم كما رأينا في الفصل الثامن ما ز عم أنها احتياجات الا مة والعرق ففي أملانيا مثلا ما من امرأة عدا املرأة الا رية كانت تعتبر «متطورة» بما فيه الكفاية بحيث تكون مو هلة للوفاء بدور الا م أو لحمل أطفال «صالحني». وقد تمادت وحدات إس إس بتشجيع من قاي دها هاينريش هيملر إلى حد أنها كانت تحمي الا مهات غري املتزوجات طاملا أنهن ممن يعتبرن مقبولات من الناحية 130

131 الفاشية والنوع العرقية. وفي فرنسا كانت منظمات الرعاية الاجتماعية الكبرى التابعة لحركة «صليب النار» و«الحزب الاشتراكي الفرنسي» ترفض تقديم املساعدة للمهاجرين أو لا سرهم. في إيطاليا كان اختلاط الا جناس يعتبر مفيد ا على الا قل قبل عام ١٩٣٨ ولم يحدث قط أن أجيزت تدابري يوجينية «سلبية». لكن مصلحة العرق ظلت هدف السياسات الا نجابية وكانت السياسات الا يطالية أكثر استبداد ا من سياسات الدول الديمقراطية في هذا الصدد فقد كانت «إعاقة خصوبة الشعب الا يطالي» عن طريق التشجيع على تحديد النسل تعد جريمة بحق الدولة. الا هم من ذلك أن خدمات الرعاية الاجتماعية كانت ت و زع وفق ا ملعايري سياسية غري رسمية بحيث لا يستفيد منها غري املوالني للنظام. ورغم أن الا نظمة الفاشية بينها اختلافات كبرية فيما يتعلق بمعاملة النساء فقد كانت السياسة في جميع الحالات مستغلة بغرض إقامة أمة متجانسة ومستنفرة على الدوام سواء أكانت هذه الا مة محددة على أسس بيولوجية أو غريها. ووضع املرأة في الشعبوية القومية املعاصرة لا يختلف عن ذلك فقد أوكل جان ماري لوبان قاي د «الجبهة الوطنية» الفرنسية للنساء املهمة «شبه املقدسة» املتمثلة في بث الحياة في «قلوب الا طفال واملراهقني وعقولهم وأحاسيسهم وإنارتها». وها هو الحزب القومي البريطاني يطرح حوافز مالية لتشجع املرأة على إنجاب الا طفال من أجل مكافحة ما يفترض أنه انخفاض خطري في معدل املواليد ووضع حد للتمييز ضد العاي لة. وفي الانتخابات العامة لعام ١٩٩٩ وعد هايدر بتوزيع «شيكات أطفال» سخية القيمة على الا مهات. وكما كان الحال في املاضي لا يزال تشجيع الا نجاب مرتبط ا بالعنصرية فانطلاق ا من أن الدولة ستتوقف عن تعويض النقص في الا يدي العاملة من خلال استقدام العمال املهاجرين فا ن النساء يتعني عليهن إنجاب املزيد من الا طفال وهذا يعني ضمني ا أن النساء «الوطنيات» فقط هم من سيجري تشجيعهن على الا نجاب. وتتسم الشعبوية القومية املعاصرة بطابع ذكوري صارخ سواء أ ت جلى ذلك في اعتقاد لوبان با ن الفروسية الفرنسية هي الرد على الحركة النساي ية أو في عنف املتعصبني الشبيه من مشجعي كرة القدم. هذه سياسات ناجمة عن ذلك الخوف الذي يا لفه كل من درس سنوات ما بني الحربني من أن تستولي النساء على وظاي ف لا تناسبهن إذ يقول لوبان إن التدخل في توزيع املهام الطبيعي على الجنسني قد يجعل «الرجال يتحولون إلى نساء والنساء يتحولن إلى رجال». في املجتمع املعاصر تزداد هذه املخاوف ضخامة نتيجة للبطالة 131

132 الفاشية املزمنة بني ذكور الطبقة العاملة من محدودي املهارة ونتيجة لاقتناع بعض الرجال با ن «التمييز الا يجابي» لصالح املرأة يق وض فرص تر قي الذكور. ومع تراجع مخاوف اليمني من خطر الاشتراكية والشيوعية انص ب اهتمام السياسة على القضايا املتعلقة با دوار الجنسني كالزواج والطلاق والا جهاض والحياة الجنسية. ومع ذلك تنضم نساء للشعبويني القوميني ويص وتن لهم لكن مكانتهن تختلف الا ن إلى حد ما عن تلك التي ك ن يشغلنها في الحركات الفاشية في املاضي وذلك لا ن املوقف السياسي والاجتماعي للمرأة قد تح سن ولو أن املساواة لا تزال أمر ا بعيد املنال. وبفضل التليفزيون والسينما وتراجع املمارسات الدينية وطبيعة التعليم املتغرية ازداد نطاق الخيارات املتاحة أمام املرأة وباتت «تطلعاتها» أعلى. صحيح أن معظم النساء يرفضن أن يجري تصنيفهن باعتبارهن مناصرات للحركة النساي ية لكنهن ينظرن إلى الفتوحات التي حققتها املرأة باعتبارها أمر ا عادي ا ومن املس لمات. وهذا ينطبق على نساء الطبقة البرجوازية اللاي ي يجري انتخابهن على لواي ح مرشحات الفاشية الجديدة كما ينطبق بالدرجة نفسها على شابات الطبقة العاملة اللاي ي يمنحن أصواتهن للشعبويني القوميني. وقد واجه لوبان صعوبات كبرية في السيطرة على عضوات عاي لته اللاي ي شغل بعضهن مناصب مهمة داخل الحركة فزوجته السابقة سخرت من آراي ه بشا ن الا سرة من خلال الظهور في صورة خادمة في مجموعة صور بمجلة «بلاي بوي» الا باحية في حني قاطعته إحدى بناته بسبب ترتيبات سياسية. قد يحدث في بعض الا حيان كما حدث في سنوات ما بني الحربني أن ت ع د الحركات الفاشية باحترام أوجه التقدم التي أحرزتها املرأة لكنها تدعو أيض ا إلى سياسات من شا نها أن تطيح بمعظم هذه املكتسبات. ولا يمكننا أن نتنبا كيف سيجري هذا الشد والجذب على أرض الواقع لكننا نستطيع القول با نه في حال تطبيق سياسات اليمني املتطرف تجاه النساء سيمثل ذلك قطيعة راديكالية أخرى مع الديمقراطية الليبرالية. هوامش (1) Hulton Archive. (2) AKG London. 132

133 الفصل العاشر الفاشية والطبقة الاجتماعية في وقت ما كانت الفاشية تكاد ت ف سر بالكامل على أساس علاقتها بالطبقة إذ كانت الفاشية بالنسبة للماركسيني ديكتاتورية تتسم با قصى عناصر الرأسمالية رجعية أو تعبري ا عن تحالف الرأسماليني املسيطرين مع طبقة برجوازية صغرية أدنى مرتبة وبالنسبة للفيبريني كانت الفاشية تمثل آخر محاولة من جانب «النخب التقليدية» لحماية نفسها من «التحديث». ولعلنا سنضيف في هذه املرحلة نظرية أخرى جذورها أيض ا متا صلة في الفيبرية تعتبر الفاشية حركة تعبر «بالا ساس» عن عداء البرجوازية الصغرية لرأس املال الكبري الذي يضارع عداءها للتنظيمات العمالية. ورغم اختلاف املاركسيني والفيبريني حول الطبقة التي يرونها مسي ولة عن الفاشية (وفي طريقة تعريفهم للطبقة) يسعى كلا الفريقني لا ن يكتشفا من خلال تصرفات الفاشيني وحلفاي هم وكلماتهم وكتاباتهم دليلا على «املصالح الكامنة» للطبقات التي يرون أنها مهمة في هذا الصدد. وهكذا قد يعتبر املاركسيون أن تمجيد الفاشيني للمصلحة الوطنية وسيلة يحارب بها الرأسماليون محاولات الاشتراكيني إقناع العمال با ن مصالح الطبقة ينبغي أن تكون في املقام الا ول. وباملثل ربما يفسر الفيبريون سياقات معاداة السامية على أنها محاولات لشيطنة صورة العالم الحديث بربطها بشخص اليهود أو للتدليل على معضلات البرجوازية الصغرية. في املقابل يجادل من ظرو الشمولية با ننا لا بد أن نبدأ بفهم الطريقة التي ينظر بها الفاشيون إلى العالم فقد ادعى الفاشيون أنفسهم أن التعصب القومي هو قوتهم املحركة وأن إقامة املجتمع الوطني املستنفر هدفهم لذا فا ن مهمتنا هي أن نسا ل عن مدى نجاح الفاشيني في تحقيق أهدافهم وفي التغلب على العقبات التي واجهوها والتنازلات التي اضطروا لتقديمها. أما مصالح الطبقة فنادر ا ما تظهر في النهج الشمولي.

134 الفاشية وبدلا من أن نعود لفرز نقاط الضعف والقوة في الن ه ج املتنافسة دعونا نجمل وجهة النظر التي طرحتها في الفصول السابقة: (١) ذهبت وجهة نظر الفاشيني الخاصة إلى أن تحقيق الوحدة الوطنية «على النمط الذي عرفوه» هو هدفهم الري يسي. وطغت الفكرة الفاشية عن الا مة على كل جوانب السياسة. (٢) واملبررات «كما حددوها» التي تدعم هدفهم بالغة الا همية فالفاشيون اعتبروا أن الا مة ليست فكرة مجردة مستمدة من لا شيء وإنما هي فكرة مبنية من كل أنواع الا فكار املسبقة بما فيها النزوع لشكل الا سرة الا بوي وعلاقات حق التملك القاي مة. (٣) لكن الفاشيني لم يدافعوا عن الا سرة الا بوية وعن حقوق أرباب العمل إلا إذا بدت متماشية مع حقوق الا مة أما الا سر أو الشركات «الا جنبية» فلا تتمتع بالحماية. ومن ث م كان الفاشيون خلاف ا للمحافظني لا يدافعون دفاع ا مطلق ا عن الا سرة أو حق التملك. (٤) وملا كان الفاشيون قوميني متعصبني فلا بد أنهم كانوا يعارضون كل املذاهب الا خرى فقد اتهموا أنصار الحركة النساي ية والاشتراكيني با نهم يضعون النوع أو الطبقة أو الا نسانية في مرتبة أعلى من مرتبة الا مة. لكن بما أن الفاشيني أرادوا إدماج كلا الجنسني وجميع الطبقات في الا مة الواحدة فربما كانوا يتقبلون إصلاحات معينة من تلك التي ينادي بها أنصار الحركة النساي ية والاشتراكيون «ما دامت هذه الا صلاحات تخضع للمصلحة الوطنية كما عرفها الفاشيون.» قبل أن ندرس ما أحدثه هذا من آثار على علاقة الفاشية بالطبقة تجب الا شارة إلى أنه ما من شيء في الفاشية يجعلها تروق «في حد ذاتها» لا ي طبقة اجتماعية بعينها فا صحاب الا عمال ربما ينجذبون لحركة تسعى لتدمري الحركة العمالية باسم الوحدة الوطنية لكن أرباب العمل ربما يرتابون في حركة مستعدة لا ن تذعن لبعض املطالب الاشتراكية وتق دم الا مة على حق التملك. وباملثل ربما يعارض العمال الفاشية لا نها تناهض الاشتراكية لكن ربما يجذبهم إليها وعدها بتقديم مصالح العمال الوطنيني على مصالح العمال الا جانب. ولن نستطيع أن نحدد من د ع م الفاشية في الواقع وأسباب ذلك إلا من خلال دراسة الفاشية «داخل سياقها». علينا أن ننظر إلى املوقف من زاويتني أولا : علينا أن نفحص 134

135 الفاشية والطبقة الاجتماعية البنية الاجتماعية ملو يدي الفاشية ودوافعهم. وثاني ا: علينا أن نحلل الطريقة التي عملت بها استراتيجيات الناشطني الفاشيني ومواقفهم على تشكيل ما للفاشية من جاذبية. الناشطون والناخبون تفاوت الدعم الذي نالته الفاشية من كل طبقة تفاوت ا كبري ا إذ ي جمع معظم املو رخني على أنه كانت هناك مبالغة في تقدير نسبة الفلاحني وأبناء طبقة البرجوازية الصغرية (لا سيما الحرفيني واملوظفني الحكوميني والعاملني في البيع بالتجزي ة واملوظفني الا شرافيني) في جمهور ناخبي النازية الذي ق تل بحث ا وعلى أن النازيني اكتسبوا أيض ا دعم ا ليس بالهني من العمال وأفراد الطبقة العليا. صحيح أن الحزب النازي كان قوي ا وسط طبقات بعينها لكنه كان أقرب من أ ي من منافسيه إلى كونه حزب «كل الطبقات». ت ظهر الفاشية الفرنسية في سنوات ما بني الحربني شعبية مماثلة واسعة مقرونة أيض ا بمبالغة في تقدير نسبة املو يدين من الطبقة املتوسطة. وإذا نظرنا عن كثب فسنكتشف بعض الاختلافات املثرية للاهتمام فبينما ف ضل موظفو القطاع العام ذوو الياقات البيضاء واملعلمون في أملانيا التصويت للنازيني انجذب نظراؤهم في فرنسا إلى تيار اليسار. وإذا انتقلنا إلى املجر فسنجد أن دعم الفاشية من جانب الطبقة العاملة والعمال الذين لا يملكون أراضي كان أكثر قوة. ها هي الشعبوية القومية تختلف في التوجه تارة أخرى. نعرف الكثري عن «الجبهة الوطنية» الفرنسية ونعرف أنها تجتذب عدد ا من املصوتني يكاد يكون متساوي ا من جميع الطبقات. وإذا أخذنا في الحسبان تا ثريات أخرى أثرت على التصويت للفاشية فستصبح الصورة أكثر تعقيد ا ففي أملانيا نجد أن عمال الصناعات الصغرية من البروتستانتيني كانوا ميالني للتصويت للنازية بينما كان العمال الكاثوليك يص وتون لحزب «املركز الكاثوليكي» أو للشيوعيني وعمال الصناعات الكبرية من البروتستانتيني يص وتون للاشتراكيني. وفي فرنسا سنكتشف أن البرجوازيني الكاثوليك في املناطق الفرنسية الصناعية والحضرية كانوا أكثر ميلا للانضمام للمنظمات الفاشية من البرجوازيني الكاثوليك في املناطق الريفية أو من برجوازي ي املدن املناهضني لهيمنة رجال الدين. سنجد أيض ا أن عمال الصناعات الفرنسية الثقيلة كانوا أقل ميلا للانضمام للنقابات الفاشية من العاملات الا ناث في صناعة النسيج. 135

136 الفاشية في الواقع لن نجني من وراء س و ق أمثلة أخرى سوى مزيد من الحرية. والنقطة املهمة هي أن النوع والجغرافية والدين اشتركت مع الطبقة في التا ثري في التصويت للفاشية فالفاشية لم تكن تتمتع بشعبية استثناي ية لدى أي طبقة اجتماعية بعينها والتفاوت املوصوف أعلاه يبني لنا أمور ا تتعلق بالظروف السياسية في كل بلد على حدة بقدر ما يو ضح لنا أمور ا عن الفاشية. ربما يجدر أن نضيف أن تن وع املواقف السياسية في أي طبقة من الطبقات يجعلنا نفترض أن أعضاءها اختلفوا حتم ا حول ماهية الوجهة التي تضمن مصالحهم. وهذا يشري إلى الجانب الثاني من مسا لة الفاشية والطبقة ألا وهو: دور الناشطني. ففي كثري من الا حيان ي نظر إلى الناشطني باعتبارهم ممثلني للقوى الاجتماعية «الكامنة» وبناء على هذا يقال إن الناشطني الاشتراكيني «يتحدثون باسم» الطبقة العاملة ويقال إن الناشطني املحافظني أو الفاشيني (حتى ولو لم يكونوا على علم بذلك) «يتحدثون باسم» الطبقة البرجوازية. لكن أ ي امرئ يعرف الناشطني السياسيني سيدرك أنهم ليسوا تمام ا كبقيتنا فهم يشعرون أنهم يملكون بصرية متميزة بمنظومة العالم وأنهم مو كلون بمهمة إقناع بقيتنا بصحة آراي هم. فالناشط الاشتراكي على سبيل املثال لا يع بر فحسب عن مشاعر العمال فهو يحاول أن «يقنع» العامل با ن مصلحته تتحقق في اعتناق مذهبه الاشتراكي الخاص لا مذهب مدرسة اشتراكية منافسة أو مذهب الكاثوليكية السياسية أو حتى الفاشية. لذا فا ن الناشطني لا يعكسون فحسب آراء أولي ك الذين يسعون لتمثيلهم وإنما يلعبون أيض ا دور ا كبري ا في تشكيل الطريقة التي يدرك الناس بها «مصالحهم». يجب أيض ا أن نا خذ على محمل الجد من كانوا مسي ولني عن إعداد الدعاية الحزبية وعن تحديد الفي ة التي ينبغي أن تستهدفها الدعاية. دعونا نا خذ النازية كمثال: رغم أن النازية كانت تتمتع بشعبية خاصة وسط الفلاحني وأبناء البرجوازية الصغرية كانت شعبيتها تفوق شعبية منافسيها (كانت الاشتراكية تروق بخاصة لذكور الطبقة العاملة والشيوعية تروق للذكور العاطلني وحزب «املركز الكاثوليكي» للا قلية الكاثوليكية). ففي حني كانت هذه الا حزاب الا خرية تعرض برامجها من منظور الطبقة أو الطاي فة جذبت النازية املصوتني باعتبارهم أعضاء في الا مة الواحدة. لقد ق دم النازيون أنفسهم ممثلني عن «الشعب» وزعموا أنهم يع برون عن معارضة شعبية ملو سسة سياسية أجنبية فاسدة وهي معارضة يحتمل أن تلقى تا ييد عدد كبري بالفعل على أرض الواقع. كان النازيون قادرين على تحويل كراهية 136

137 الفاشية والطبقة الاجتماعية صغار أصحاب املحال إلى هجمات على أصحاب املتاجر «اليهود» ونالوا تا ييد الكثري من العمال من خلال دمجهم الرموز التي كان اليسار يستخدمها كالا علام الحمراء املضاف عليها الصليب املعقوف أو صورة الرأسمالي البدين ذي الابتسامة العريضة الذي يرتدي القبعة املرتفعة ويدخن السيجار في برنامج قومي معاد للسامية. كانوا يخبرون العمال أن عدوهم لا يتمثل في الشركات وإنما في الشركات اليهودية. وقد امتاز هذا العداء القومي للرأسمالية با نه كان جذاب ا نسبي ا بالنسبة للعديد من أرباب العمل أيض ا لا نه كان من املمكن أن يرفع اللوم عن الرأسماليني الا ملان فيما يعانيه العمال من محن. كان النازيون هم أكثر من نجح في التحول إلى الشكل الذي حاول جميع الفاشيني أن يتحولوا إليه ألا وهو شكل الا حزاب القومية التي تدمج كل الجماعات املعارضة الا خرى داخل حركة واحدة. ورغم ذلك لا يجب أن نعتبر نجاح سياسة كهذه نجاح ا تلقاي ي ا. فالقومية لا تتمتع في حد ذاتها بشعبية تفوق شعبية الطبقة بل إن الا مر كله يتوقف على كيفية تعريف الا مة والطبقة. فكان املفهوم النازي مثلا للا مة واقع ا تحت تا ثري «تحيزات» واعية وغري واعية فقد كان عدد كبري من النازيني يعتبرون أن أملانيا بطبيعتها بروتستانتية أو حتى وثنية وهي رؤية كانت تقصي الكاثوليك من جمهور ناخبيهم. في املقابل كان الفاشيون في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا يع رفون الا مة بصفتها كاثوليكية ومن ثم كانوا يستبعدون مناهضي سيطرة رجال الدين. وفي رومانيا كان كودريانو يرى أن الا رثوذكسية الرومانية معادل للا مة وبالتالي كان لا يعد أتباع العقيدة «الوحدوية» من الا مة ويستبعدهم من الفيلق. أفضل طريقة لفهم ما للفاشية من جاذبية بالنسبة لكل طبقة هي تناولها باعتبارها ناجمة عن تفاعل بني استراتيجيات الناشطني الفاشيني (وما لديهم من تحيزات لا يعترفون بها) مع ظروف كل جماعة (بما لديها من تحيزات لا تعترف بها). واختلاف الا شكال الناتجة عن ذلك لا يعني أن التركيب الطبقي للفاشية غري مهم بل على العكس هو مهم جد ا لا ن الفي ات التي ع لقت آمالها على الفاشية كانت تختلف عن بعضها اختلاف ا شديد ا من حيث السلطة املتاحة لكل منها إذ لم تكن جميع الطبقات متساوية في انعدام حيلتها أمام فوهة البندقية كما كان يقول املاركسيون. وأود أن أوضح هذا من خلال دراسة موجزة ملصطلحني ري يسيني في املعجم الفاشي: الاشتراكية القومية والكوربوراتية. 137

138 الفاشية الاشتراكية القومية لم يكن النازيون هم الوحيدين الذين استخدموا مصطلح الاشتراكية القومية فبالعودة إلى عام ١٨٩٨ نجد أن موريس باريه ق دم البرنامج الانتخابي «للجنة الجمهورية الاشتراكية القومية» في مدينة نانسي كما يلي: ضد السياسة التي لا تهدف إلا لا رضاء الا حقاد والتي لا يحركها إلا اشتهاء السلطة جي ت تارة أخرى لا عارض الا فكار «القومية» و«الاشتراكية» التي هللتم لها من قبل والتي لن تتبرءوا منها اليوم. [ ] في أعلى مراتب املجتمع وفي قلب املقاطعات وعلى الصعيدين املعنوي واملادي في التجارة والصناعة والزراعة وحتى في أحواض بناء السفن حيث يتنافس الا جانب مع العمال الفرنسيني هم يسممون أبداننا وكا نهم طفيليات. ثمة مبدأ مهم واحد ينبغي أن تقوم عليه السياسة الفرنسية الجديدة هو حماية جميع مواطنيها من هذا الغزو وأن تتو خى الحذر كي لا يتسبب مذهب الاشتراكية هذا العاملي للغاية أو بالا حرى الا ملاني للغاية في إضعاف دفاعات البلاد. من وجهة نظر باريه هو يرى أن الاشتراكية العاملية املاركسية تشكل تهديد ا للا مة الفرنسية بل للعرق الفرنسي لا نها أيديولوجية «أملانية». ودعا إلى اشتراكية تكون وطنية من خلال تلبيتها شرطني: ألا تحمي إلا العمال الذين لهم جذور ضاربة في التراب الوطني وأن تتصالح مع الفي ات املعارضة في ذلك الوقت با ن تضمن أن تقدم ك ل منها املصلحة الوطنية على مصالحها الخاصة. لم يناد باريه بقمع حق التملك وإنما با حداث تغيري في «روح» العلاقات بني الطبقات. هذه الصياغة كانت أقل من املاركسية ترويع ا للرأسماليني. لكن باريه اقترح إصلاحات مثل فرض ضريبة تصاعدية على الدخول واملشاركة في الا رباح وهي إصلاحات قد تبدو مستا نسة للقارئ اليوم لكنها قوبلت باعتراض مطلق بل وهستريي من جانب الرأي املحافظ الساي د في ذلك الوقت. وباملثل لم تستهو أقطاب صناعة الحديد املحليني رغبة باريه في وقف تدفق العمالة الا جنبية الرخيصة. ما حدث هو أن برنامج باريه نال بالفعل إعجاب بعض املحافظني الذين لم يعودوا قانعني بمبادئ املحافظية في «نانسي» لكن هذا الا عجاب لم يكن كافي ا لفوزه في الانتخابات. 138

139 الفاشية والطبقة الاجتماعية بعد مضي سبعة وعشرين عام ا كان هتلر الذي منحه القاضي قدر ا استثناي ي ا من حرية الكلام لا يمنح لا ي متهم يخاطب هيي ة املحلفني في محاكمته لضلوعه في انقلاب «بري هول» قاي لا : إن الحركة الاشتراكية القومية ملا كان ي عرف بحزب العمال جعلت مبدأها الري يسي أن تناضل الحركة املاركسية باستماتة حتى النهاية وثاني ا أن الثورة [ثورة عام ١٩١٨] نتيجة للماركسية ولعمل إجرامي غري مسبوق لم تكن تهدف لا ن يصبح أعضاء البرجوازية الا ملانية قوميني مرة أخرى. املشكلة هي أن الا ملان من الطبقة العاملة الجماهري العريضة لا بد أن يصبحوا قوميني مرة أخرى وهذا لا يعني أن تكون علاقتهم بالقومية مجرد علاقة نظرية أعني سلبية وإنما يتطلب خوض نضال فاعل ضد من ظلوا يدمرون القومية حتى الا ن. يضاف إلى ذلك أنه من املثري للسخرية أن نرغب في أن يصبح الشعب قومي ا بينما يعمل مي ات الا لاف من جميع الا طراف على تقويض قوميته وهو لاء املي ات من الا لاف الذين أشعلوا الثورة ليسوا حتى من عرقنا. وهكذا تصبح املشكلة املاركسية مشكلة عرق بل وأخطر املشاكل التي نواجهها اليوم وأكثرها تعقيد ا. ربما لم يكن هتلر يتمتع بمواهب باريه الا دبية لكنه يطرح فرضيات مشابهة لفرضياته فاملاركسية العاملية هي عدو العرق الا ملاني ولكي ت حار ب يجب أن يعاد إدماج العمال في الا مة وأن تعمل الاشتراكية «القومية» على استرضاء الطبقات. الكوربوراتية كان هتلر شا نه شا ن الفاشيني في كل مكان يرى أن الكوربوراتية التي يرفضها أحيان ا الباحثون املعاصرون باعتبارها ستار ا يغطي نفوذ كبريات الشركات الذي لا يعوقه عاي ق أحد مفاتيح السلام الاجتماعي لكن الكوربوراتية ليست فاشية بطبيعتها فهي في أبسط صورها تعني أن تتولى اتخاذ القرارات املتعلقة بالسياسة كيانات تنظيمية تمثل أصحاب املصالح املعنيني بهذه القرارات نقابات عمالية أو اتحادات أرباب العمل أو جماعات تمثل الا سرة أو الفلاح إلخ بدلا من أن تتخذها الحكومة أو 139

140 الفاشية البرملان. ومن وقت لا خر قامت معظم ديمقراطيات ما بعد الحرب في الغرب بممارسة الكوربوراتية حيث كان للنقابات واتحادات أرباب العمل رأي في صياغة السياسات. لكن الكوربوراتية الفاشية تختلف عن الكوربوراتية التقليدية في أنها تقوم على تدمري أو تطهري املو سسات القاي مة لا نها كانت تفترض أنه بمجرد القضاء على منابع التا ثري اليسارية أو «الا جنبية» غري الوطنية ستظهر من جديد الوطنية الطبيعية لكل الطبقات. وكانت تفترض أيض ا أن الكوربوراتية ستحمي العمال من الاستغلال الذي كانوا يتعرضون له في السوق الحرة التي كانت الا جور فيها تحت رحمة أهواء الرأسماليني. وأن الصراع الطبقي سيفسح املجال لحدوث انسجام داخل الا مة. لكن الغموض ظل يكتنف التنازلات التي يتوقع أن يقدمها الرأسماليون كي يجذبوا العمال مجدد ا إلى املجتمع الوطني إذ كان الا مر املهم أهمية خاصة هو قدر الاستقلالية التي يجب أن ت منح للنقابات الفاشية في النظام الكوربوراتي. في كثري من البلدان كان يطلق على من ينادون بمنح نقابات العمال أقصى درجات الحرية: «النقابيون». في إيطاليا اختلف ورثة «الجمعية القومية الا يطالية» مع الفاشيني الراديكاليني حول طبيعة الكوربوراتية. بصفة عامة أكدت الجمعية على ضرورة سيطرة الدولة على الكيانات الكوربوراتية. بينما أراد التكنوقراط املحيطون بجوزيبي بوتاي مزيد ا من السلطة ملديري هذه الكيانات ومهندسيها. أراد أكثر الراديكاليني تعصب ا النقابيون ونشطاء النقابات الفاشية أن تنال النقابات العمالية مزيد ا من الاستقلالية أما الشركات فقد عارضت بوجه عام أي شكل للكوربوراتية القسرية باعتبارها قيد ا على حرية الشركات في التنافس بل وطلبت أيض ا من الدولة أن تقدم دعم ا قانوني ا للاتحادات الاحتكارية التي يك ونونها لتثبيت الا سعار! في عام ١٩٢٥ ن ظمت النقابات الفاشية عدد ا من الا ضرابات في املصانع العاملة بمجال املعادن في محاولة منها لفرض توجهاتها النقابية وبموجب اتفاقية «قصر فيدوني» لعام ١٩٢٥ حصلت على احتكار لتمثيل العمال مما أثار استياء الشركات التي كانت ترى أن النقابات الفاشية تكاد تكون خطرية خطر الكيانات الاشتراكية. لكن النقابات لم تفلح في الحصول على مكتسبات مساوية ملكتسبات اتحادات أرباب العمل في الهيكل الكوربوراتي الذي بدأ يتخذ وضعه في ذلك الوقت. خرج أصحاب املصالح التجارية من كل هذا فاي زين لا ن الا ضرابات ح ظرت وأعلنت الدولة أن النقابات وكيل عنها. لكن ظلت الشركات خاي فة من سعي بوتاي الرامي لا ن تكون السلطة الحاسمة 140

141 الفاشية والطبقة الاجتماعية شكل 1-10: عامل إسباني يحيي استعراض ا عسكري ا لكتاي ب الفلانخي عام ١٩٣٧. كان الفلانخي يتباهون با ن برنامجهم للعمال كان مبتكر ا. 1 في أيدي املديرين واملهندسني لا الشركات الكبرى ومع ذلك لا مجال لا نكار أن مو يدي النقابات العمالية الفاشية لم يفلحوا في تحقيق غاياتهم. ضم الحزب النازي أيض ا جناح ا نقابي ا قوي ا تمث ل في شكل تنظيم خلية املصنع املعروف باسم «تنظيم خلية املصنع الاشتراكي القومي». بعد عام ١٩٣٣ هدد قادة التنظيم الذين كانوا يظنون أن اليوم يومهم املديرين بمعسكرات الاعتقال إذا لم يرفعوا أجور العمال. كان قضاء هتلر على «كتيبة العاصفة» عام ١٩٣٤ والذي يعزى جزي ي ا إلى ضغط املحافظني ضربة قوية للراديكاليني. وكان «تنظيم خلية املصنع» قد جرى إدماجه بالفعل منذ عام ١٩٣٣ في «جبهة العمل الا ملانية» الكوربوراتية. على أرض الواقع كان القضاء على النقابات اليسارية وحظر الا ضرابات إلى جانب إقرار حقوق املديرين في الا دارة كفيلا بعدم حصول العمال الا ملان على تمثيل جماعي 141

142 الفاشية لكن كحال الهيي ات النازية الا خرى ق دمت «جبهة العمل الا ملانية» فرص عمل ودعم ا للنهوض بالعمال املو منني با يديولوجية الفاشية وباتت تشكل إحدى «الا قطاعيات» التي تقوض التراتب القديم للدولة. احتفظ النازيون أيض ا بكثري من نظام الرعاية الاجتماعية لجمهورية فايمار ودشنوا حركة «القوة من خلال البهجة» كي ينظموا أوقات ترفيه العمال ولكن أخضعوها ملشاريعهم العرقية واليوجينية. كانت الرعاية الاجتماعية تخدم هدف دمج كل الطبقات في مجتمع وطني نقي عرقي ا وقوي عسكري ا. كان نصيب الفلاحني والحرفيني في كلا النظامني الفاشيني الا يطالي والا ملاني مماثلا لنصيب العمال فقد وعد ك ل من الفاشيني والنازيني باستعادة وضع هذه الفي ات ومكانتها لكنه على أرض الواقع لم يحقق شيي ا يذكر. وراحت أدراج الرياح وعود النظام الا يطالي بمنح أراض للفلاحني ذوي الحيازات الصغرية ولم تفلح حملة موسوليني ملنع هجرة الريفيني للحضر في الحيلولة دون تضاعف عدد سكان روما خلال فترة نظامه. أما في أملانيا فلم ت ن ل تنظيمات أصحاب املحال والحرفيني النازية حرية التصرف إلا بالقدر القليل وتبددت الوعود با غلاق املتاجر الكبرى بينما استفادت كبريات الشركات لا صغارها من مصادرة الا ملاك اليهودية. صحيح أن النازيني وفوا عهودهم با عانة الفلاحني املدينني لكن تب ني فيما بعد أن هذا لم يكن كافي ا للحيلولة دون انخفاض عدد سكان املناطق الريفية. كانت الفاشية الراديكالية أكثر من مجرد أداة لخداع الطبقات الدنيا فقد كان الفاشيون على استعداد للذهاب إلى أبعد مدى من أجل تحقيق أهدافها. لكن الفاشية الراديكالية لم تفشل لا نها كانت غري ذات معنى بل لا نها لم تملك القوة الكافية لتحقيق غاياتها. ولم تكن املصلحة الوطنية قط قوية بما فيه الكفاية بحيث «تهذ ب» الرأسمالية املتوحشة لا سيما وأن الرأسماليني وكثري ا من الفاشيني كانوا يعتقدون أن وجود رأسمالية قوية يصب في املصلحة الوطنية. وعلى أية حال كان كلا النظامني يعتبر الشركات الكبرى عنصر ا ضروري ا في الا نتاج الحربي ويمنح هذه املو سسات أولوية في تخصيص املواد الخام والعمالة. لكن وضع العمال لم يتحدد من خلال مجرد تبعيتهم للرأسمالية (مثلما لم يكن وضع النساء البرجوازيات اللاتي يعملن بمنظمات الرعاية الاجتماعية الفاشية يتحدد من خلال التبعية للرجال) إذ تشري الا بحاث التي أ جريت مو خر ا على «الحياة اليومية» في ظل النازية إلى أن العمال الا كبر سن ا تحديد ا ظلوا معادين للنازية بينما أعاد كثريون 142

143 الفاشية والطبقة الاجتماعية توجيه أحلامهم بمجتمع أفضل تنظيم ا إلى النازية وكانت الا حزاب الاشتراكية تمثل هذا الحلم من قبل فالاشتراكيون الديمقراطيون رغم كل شيء لم يكونوا قط بما من من الشعور القومي إذ ما إن ثبت عدم فعالية الاشتراكية في الفترة ١٩٣٢-١٩٣٣ حتى بدا أن النازيني يحققون بعض النجاح في كسب تا ييد العمال الذين كانوا اشتراكيني من قبل. حتى إن البعض يشري إلى أن الجنود املنتمني للطبقة العاملة باتوا يعتبرون املشاركة في جراي م النظام العرقية في الشرق امتداد ا «للعمل الا ملاني عالي الجودة» الذي كانوا ينتجونه من قبل في املصانع. في الواقع كان العمال ينالون مقابل تخليهم عن ارتباطاتهم بطبقة العمال أدوار ا ثانوية في نخبة وطنية ونصيب ا من منافع الفتوحات الا جنبية. فقد تسي د العمال في أملانيا في تح د لقيم الحركة العمالية العاملية على ملايني العمال العبيد وفي إيطاليا أيض ا كان تقسيم العمل يجري على نحو شبه عنصري بحيث يحتل عمال الشمال الوظاي ف التي تتطلب مهارات بينما يشغل عمال الجنوب وظاي ف أقل شا ن ا. الا عمال التجارية والفاشية هل يعني كل هذا أن الفاشية كانت أيديولوجية تجارية «بالا ساس» كما أشار بعض املاركسيني نعم! ولا! أولا : نعم لا ن بعض أصحاب املصالح التجارية في أملانيا وإيطاليا انض موا للحركات الفاشية وما إن وصلت الفاشية إلى السلطة حتى باتت الشركات الكبرى تدعمها وتنظر لتدمري الحركة العمالية بعني الرضا. ثاني ا: لا لا نه في الوقت الذي كان فيه الرأسماليون في العديد من البلدان سعداء باستخدام العصابات الفاشية ملحاربة اليسار كان عدد من يرغب منهم بالفعل في إقامة أنظمة فاشية قليلا نسبي ا. ففي إيطاليا خلال سعي الفاشيني للاستيلاء على السلطة ظل رجال الا عمال منقسمني في ولاي هم السياسي بني «الجمعية القومية الا يطالية» وليبرالية جوليتي. أما في أملانيا فقد فعل كبار رجال الا عمال الكثري كي يق وضوا الديمقراطية لكن الغالبية العظمى من رجال الا عمال كانوا يف ضلون أن تقوم ديكتاتورية محافظة بدعم نازي بدلا من حكومة يتز عمها هتلر. وقد لعب أصحاب املصالح الزراعية دور ا أكثر فعالية من كبريات الشركات في املفاوضات التي أتت بهتلر إلى السلطة في نهاية املطاف. ولا ثانية لا ن وصف الفاشية با نها نظام رأسمالي لا يخبرنا بالكثري فقد تب ني أن الشركات الكبرى تملك قدرة هاي لة على التكيف مع أنظمة تعارضها من حيث املبدأ. علاوة على أنه من املرجح أن نقول با ن اللجوء إلى الفاشية ما كان لينقذ رأسمالية أملانيا أو 143

144 الفاشية إيطاليا في فترة ما بني الحربني. صحيح أن بعض رجال الا عمال انضموا لحركات فاشية اعتقاد ا منهم با ن الا مر كذلك لكن ما من سبب وجيه يجعلنا نعتقد با نهم كانوا على حق. فمن غري املعقول أن يكون رجال الا عمال بصفة عامة «ربما» اعتقدوا أن الفاشية السبيل الوحيد املمكن لضمان بقاء الرأسمالية لكن نستطيع أن نقول إن غالبية رجال الا عمال في ظل الظروف التاريخية الخاصة لا يطاليا عام ١٩٢٢ ولا ملانيا عام ١٩٣٣ لم ينظروا إلى الا مر على هذا النحو. شكل 2-10: النازية وامللكية الخاصة: إضفاء الصبغة «الا رية» على متجر يملكه أحد اليهود في فرانكفورت عام ١٩٣٨ تقريب ا. مكتوب على اللافتة: «ستام وباسرمان» «جومي فايل» سابق ا. 2 وهذا يذكرنا با ن الفاشية لم تكن تدافع عن حق التملك على الا طلاق بقدر ما كانت تدافع عن الا سرة. كانت الا نظمة الفاشية تنظم الا عمال التجارية حسب املصلحة 144

Microsoft Word - Document2

Microsoft Word - Document2 الجمهورية الجزاي رية الديمقراطية الشعبية وزارة التربية الوطنية الديوان الوطني للتعليم و التكوين عن بعد قسم تكنولوجيات الا علام و الاتصال دليل تسجيل تلاميذ القسم النهاي ي على الفضاء التعليمي الافتراضي الانترنت

Chi tiết hơn

Bố Thí Để Gia Tăng Công Đức

Bố Thí Để Gia Tăng Công Đức Bố Thí Để Gia Tăng Công Đức [ فيتنامية Vietnamese ] Tiếng Việt Biên soạn Abu Zaytune Usman Ibrahim Kiểm duyệt: Abu Hisaan Ibnu Ysa 2014-1436 الصدقة وزيادة احلسنات «باللغة الفيتنامية» مجع وترتيب: أبو زيتون

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 03/02/2014 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 03/02/2014 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن : ﻃﻠﺒﺎت اﻟﱰﺷﻴﺢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻮﻇﻴﻒ 8 ﻣﺪراء ﺗﻨﻔﻴﺬﻳﲔ

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 25/09/2014 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 25/09/2014 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 1 15 20 6 5395 11 5 5395 11 6 ﺣﻘﻮﻗﻴﻮن ﻳ ﻘﻴﱢ ﻤﻮن ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻗﺒﻞ

Chi tiết hơn

2019_04_16_MC_ALA_CARTE_MENU_ARABIC_VAT

2019_04_16_MC_ALA_CARTE_MENU_ARABIC_VAT ﺻﻨﺪوق اﻟﻐﻤﻮض اﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺈﺣﺪى ﻣﺰاﻳﺎ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻲ "ﻣﺎﺳﺘﺮ ﺷﻴﻒ" وﻫﻲ ﺻﻨﺪوق اﻟﻐﻤﻮض اﻟﺸﻬﻴﺮ ﻓﺒﻌﺪ أن ﻋﺮﻓﺖ أن ﻟﻬﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻣﻔﺎﺟﺂﺗﻪ اﻟﺒﺎﻫﺮة واﻟﻤﺨﻴﺒﺔ ﻟﻶﻣﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻤﻜﻨﻚ اﻵن ﺗﺠﺮﺑﺔ ذﻟﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ وأن ﺗﻀﻊ ﻃﺎﻫﻴﻨﺎ

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 21/12/2015 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 21/12/2015 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 21/12/2015 Conseil national des droits de l'homme 1 21/12/2015 Conseil

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 03/06/2016 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 03/06/2016 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 1 http://www.alousboue.com/28679/ 2 ﻟﻲ ﻳﺒﻐﺎ ﻳﺸﻜﻲ ﺣﺪاﻩ اﻟﻠﺠﺎن اﻟﺠﻬﻮﻳﺔ..

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 13/08/2015 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 13/08/2015 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 1 ادوار اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻻﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺷﻜﺎﻳﺎت اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ...

Chi tiết hơn

untitled

untitled السبت ٢ محليات تحقيق ٣ ٤ محليات مقالات بلدي ٨ أمة ﻣﺤﻠﻴﺎ ت ١٠ اﻟﺴﺒﺖ ذي اﻟﻘﻌﺪة 47 ﻫ - أﻏﺴﻄﺲ - 6 اﻟﺴﻨﺔ - 45 اﻟﻌﺪد 558 اﻟﺰراﻋﻲ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻐﻴﺐ ﻣﺘﻨﺰه اﻟﺠﻬﺮاء وﻣﺘﻨﺰه اﻷﺣﻤﺪي وﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻜﺒﺮى ﻛﻠﻬﺎ

Chi tiết hơn

Microsoft Word - مقال البيان تحولات الموقف الدولي.docx

Microsoft Word - مقال البيان تحولات الموقف الدولي.docx ﺳﻮرﯾﺎ : ﺗﺤﻮﻻت اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺪوﻟﻲ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺜﻮرة دراﺳﺔ ﻧﺸﺮت ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺒﯿﺎن اﻟﻌﺪد 373 ﺑﺘﺎرﯾﺦ 4 رﻣﻀﺎن 1439 ه اﻟﻤﻮاﻓﻖ 23 ﻣﺎﯾﻮ 2018 م ت ردا ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺠﻮم اﻟﻜﯿﻤﯿﺎﺋﻲ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺿﺪ اﻟﻨﻈﺎم ﻟﻢ ﺗﻜﻦ "ﺛﻼﺛﯿﺔ" وﻟﻢ ﺗﺄ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮ

Chi tiết hơn

sina dream يخت سينا دريم,ألف ليلة وليلة,شهر عسل في شرم الشيخ,flynasاقوى عروض طيران ناس

sina dream يخت سينا دريم,ألف ليلة وليلة,شهر عسل في شرم الشيخ,flynasاقوى عروض طيران ناس ﻳﺨﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ sina dream ﻳﺨﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ ﻳﺨﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ ﺻﻮر ﻣﻦ ﻳﺨﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ رﺣﻼت ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺷﺮم اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺷﺮم اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻳﺨــﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺼﺒﺎﺣﻴﻪ رﺣﻠﺔ ﻳﺨـﺖ ﺳﻴﻨﺎ درﻳﻢ ﻫﻲ رﺣﻠﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻣﻤﻴﺰة

Chi tiết hơn

Our Landing Page

Our Landing Page ﺷﻬﺎدة ﻓ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ وﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ اﻟﺼﻔﺤﺔ 1 ﻣﻦ 6 ﻟﻤﺤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮﻗﻤ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠ ﺑﻴﺎﻧﺎت دﻗﻴﻘﺔ. ﻓﺎﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻫ أﺣﺪ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ اﻟﺘ ﺗﺘﺤﺪى اﻟﻘﻴﺎدات

Chi tiết hơn

ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺎﺻدي ﻣرﺑﺎح - ورﻗﻠﺔ ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ وﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻗﺳم ﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت ﺷﻬﺎدة ﻣﺎﺳﺘﺮ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻣﻴﺪان

ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺎﺻدي ﻣرﺑﺎح - ورﻗﻠﺔ ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ وﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻗﺳم ﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت ﺷﻬﺎدة ﻣﺎﺳﺘﺮ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻣﻴﺪان ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺎﺻدي ﻣرﺑﺎح - ورﻗﻠﺔ ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ وﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻗﺳم ﻋﻠوم اﻟﺗﺳﯾﯾر ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت ﺷﻬﺎدة ﻣﺎﺳﺘﺮ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻣﻴﺪان : ﻋﻠﻮم اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺗﺠﺎرﻳﺔ وﻋﻠﻮم اﻟﺘﺴﻴﻴﺮ ﺗﺨﺼﺺ : ﻣﺎﻟﻴﺔ

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 13/02/2015 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 13/02/2015 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 1 http://www.medias24.com/societe/152699-avortement.-le-ministre-louardi-repond-au-professeur-chraibi.html

Chi tiết hơn

مشروع المروحة الذكية,مشروع محاكاة إشارة المرور,عمل بيانو بسيط باستخدام اردوينو,التحكم بالروبوت عبر الأوامر الصوتية,حساب المسافة بإستخدام حساس الموجات

مشروع المروحة الذكية,مشروع محاكاة إشارة المرور,عمل بيانو بسيط باستخدام اردوينو,التحكم بالروبوت عبر الأوامر الصوتية,حساب المسافة بإستخدام حساس الموجات ﻣﺸﺮوع اﻟﻤﺮوﺣﺔ اﻟﺬﻛﻴﺔ ﺳﻨﻘﻮم ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺮوﺣﺔ ذﻛﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﻋﻨﺪ اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻣﺤﺪدة وﺗﺰداد ﺳﺮﻋﺘﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ اﻷدوات اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ Inventor Kit اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻮﺻﻴﻞ ﻗﻢ ﺑﺘﻮﺻﻴﻞ

Chi tiết hơn

Các Quyền Lợi Của Phụ Nữ Trong Islam

Các Quyền Lợi Của Phụ Nữ Trong Islam 1436 حقوق الرأة يف اإلسال < الغة الفيتناية > Abu Hisaan Ibnu Ysa اس الؤلف: أبو حسان حد زين بن عيىس هلل سب ح ن اهلل الر ح ي الر 1 Nhân danh Allah, Đấng Rất Mực Độ Lượng, Đấng Rất Mực Khoan Dung د ع وذ ب

Chi tiết hơn

Our Landing Page

Our Landing Page اﻟﺘﺤﻀﻴﺮ ﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﻤﺪﻗﻖ اﻟﺪاﺧﻠ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ اﻟﺼﻔﺤﺔ 1 ﻣﻦ 12 ﻟﻤﺤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﻢ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﺪورة ﻟﺘﺰوﻳﺪ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﻤﻬﺎرات ﻻﺟﺘﻴﺎز اﻣﺘﺤﺎن ﻣﺪﻗﻖ داﺧﻠ ﻣﻌﺘﻤﺪ ).(CIA ﻳﻌﺪ اﻣﺘﺤﺎن اﻟﻤﺪﻗﻖ اﻟﺪاﺧﻠ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ اﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ

Chi tiết hơn

11/02/2015 Conseil national des droits de l'homme 4

11/02/2015 Conseil national des droits de l'homme 4 4 ﻣﺌﺎت اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻳﻘﺘﺤﻤﻮن اﻟﺴﻴﺎج اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﻠﻴﻠﻴﺔ وﺑﻘﻴﺔ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﳏﻤﻮد ﻣﻌﺮوف اﻟﺮﺑﺎط»اﻟﻘﺪس اﻟﻌﺮﰊ«ﺑﻌﻴﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ إﻋﻼن اﳊﻜﻮﻣﺔ اﳌﻐﺮﺑﻴﺔ اﻧﺘﻬﺎء ﺑﺮﻧﺎﳎﻬﺎ ﻟﺪﻣﺞ اﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻏﲑ اﻟﺸﺮﻋﻴﲔ اﻗﺘﺤﻢ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﻴﺎج

Chi tiết hơn

च धर फ उण ड सनद व र ग रख म १७९ घर हस त न तरण २०७२ च त १० गत १८:०७ म प रक श त १० च त, क ठम ड च धर फ उण ड सनल ग रख श ल ल क एक सय ७९ भ कम प प रभ श तहर क

च धर फ उण ड सनद व र ग रख म १७९ घर हस त न तरण २०७२ च त १० गत १८:०७ म प रक श त १० च त, क ठम ड च धर फ उण ड सनल ग रख श ल ल क एक सय ७९ भ कम प प रभ श तहर क च धर फ उण ड सनद व र ग रख म १७९ घर हस त न तरण २०७२ च त १० गत १८:०७ म प रक श त १० च त, क ठम ड च धर फ उण ड सनल ग रख श ल ल क एक सय ७९ भ कम प प रभ श तहर क ल शग ट र न ज सनल ह म हस त न तरण गर क छ ग रख नगरप शलक

Chi tiết hơn

تطبيق LibriVox,برنامج لينكدن-linkdin application,The Vampire Diaries || S08,تطبيق Audible,the 100 || S04

تطبيق LibriVox,برنامج لينكدن-linkdin application,The Vampire Diaries || S08,تطبيق Audible,the 100 || S04 ﺗﻄﺒﻴﻖ LibriVox ﺗﻄﺒﻴﻖ LibriVox ﻳ ﻮﻓﺮ ﺗﻄﺒﻴﻖ LibriVox أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 15000 ﻛﺘﺎب ﺻﻮﺗ ﻣﺠﺎﻧ ﻳ ﻤ ﻦ ﺗﺤﻤﻴﻠﻪ ﻟﻺﺳﺘﻤﺎع إﻟﻴﻪ ﺑﺪون إﻧﺘﺮﻧﺖ أو اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻴﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة وﻛﻼﻫﻤﺎ ﺑﺪون أﻳﺔ ﻧﻘﻮد. ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻤ ﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤ ﺘﺤﺪة

Chi tiết hơn

Giáo Lý Tham Gia Các Lễ Tết Của Người Ngoại Đạo

Giáo Lý Tham Gia Các Lễ Tết Của Người Ngoại Đạo Giáo Lý Tham Gia Các Lễ Tết Của Người Ngoại Đạo [ فيتنامية Vietnamese ] Tiếng Việt Biên soạn Muhammad Saaleh Al-Munajjid Dịch thuật: Abu Hisaan Ibnu Ysa 2014-1436 كم املشاركة يف أعياد الكفار «باللغة الفيتنامية»

Chi tiết hơn

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 17/08/2015 Conseil n

شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 17/08/2015 Conseil n شعبة الا علام والتواصل Département communication LE CNDH DANS LA PRESSE NATIONALE المجلس الوطني لحقوق الا نسان في الوطنية الصحافة 17/08/2015 Conseil national des droits de l'homme 1 اﻟﺪورة اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﻟﻔﺎﺋﺪة

Chi tiết hơn

examens préopératoires

examens préopératoires !{ > > r O! z 1 UD CN T1l(, > :. (Dll )Ë JX l:1 (,) U, OJ lq) : _. ' )(' ^ X '. $.. tr s*r ËË ru, p (] C" {.l:, { z l t, >!< 8 > ^{!l) v U' V P ) ^ Ër âë (r V A ^È :' â l> '{ ' C] e {l O :'... * ' V À

Chi tiết hơn

التحكم بالروبوت عبر صفحة الويب

التحكم بالروبوت عبر صفحة الويب اﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺮوﺑﻮت ﻋﺒﺮ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻮﻳﺐ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﺳﻨﺘﻌﻠﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺮاﺳﺒﻴﺮي ﺑﺎي ﻣﻦ ﺧﻼل واﺟﻬﺔ اﻟﻮﻳﺐ. وﻫﺬا ﺳﻮف ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻚ ﻟﻠﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻤﺤﺮﻛﺎت واﻹﺿﺎءة وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﺷﺒﻜﺔ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ. ﺳﻨﻘﻮم ﺧﻼل ﻫﺬا

Chi tiết hơn

2014 SPECIAL TNPSC Group II & VAO த ர வ க க பன பட ம க பக க ன ல ன -ல ட கள - 1 -

2014 SPECIAL TNPSC Group II & VAO த ர வ க க பன பட ம க பக க ன ல ன -ல ட கள - 1 - 04 SPECIAL TNPSC Group II & VAO த ர வ க க பன பட ம க பக க ன ல ன -ல ட கள - - JC - - JC - 3 - m - SI - 4 - MKS SI SI MKSA MKSA RAsionalised Metre Kilogram Second Ampere RMKSA SI SI (m) (Kg) (s) (A) (k) (cd)

Chi tiết hơn

التحكم بإضاءة RGB LED من خلال واجهة رسومية عبر Matlab

التحكم بإضاءة RGB LED من خلال واجهة رسومية عبر Matlab اﻟﺘﺤﻜـﻢ ﺑﺈﺿـﺎءة RGB LED ﻣـﻦ ﺧﻼل واﺟﻬﺔ رﺳﻮﻣﻴﺔ ﻋﺒﺮ Matlab اﻟﻮاﺟﻬﺎت اﻟﺮﺳﻮﻣﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﺮض ﺑﻴﺎﻧﻲ رﺳﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﻧﺎﻓﺬة او أﻛﺜﺮ ﻳﺘﻀﻤﻦ وﺳﺎﺋﻞ وﻣﻜﻮﻧﺎت ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﺘﺨﺪم إﻧﺠﺎز ﻣﻬﺎم ﻓﻌﺎﻟﺔ وﺟﺬاﺑﺔ ﺿﻤﻦ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ. ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻚ

Chi tiết hơn

20 đề thi thử THPT quốc gia 2018 môn Toán Ngọc Huyền LB facebook.com/ngochuyenlb ĐỀ SỐ 19 - THPT THĂNG LONG HN LẦN 2 ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA NĂM 2018

20 đề thi thử THPT quốc gia 2018 môn Toán Ngọc Huyền LB facebook.com/ngochuyenlb ĐỀ SỐ 19 - THPT THĂNG LONG HN LẦN 2 ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA NĂM 2018 đề thi thử THPT quốc gi 8 môn Toán Ngọc Huyền LB fcebook.com/ngochuyenlb ĐỀ SỐ 9 - THPT THĂNG LONG HN LẦN ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA NĂM 8 Ngọc Huyền LB sưu tầm và giới thiệu Môn: Toán Thời gin m bài: 9

Chi tiết hơn

SỞ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO HÀ NỘI MÃ ĐỀ 023 ĐỀ THI KHẢO SÁT CHẤT LƯỢNG LỚP 12 NĂM HỌC Môn: Toán Thời gian: 90 phút (Không kể thời gian phát đề)

SỞ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO HÀ NỘI MÃ ĐỀ 023 ĐỀ THI KHẢO SÁT CHẤT LƯỢNG LỚP 12 NĂM HỌC Môn: Toán Thời gian: 90 phút (Không kể thời gian phát đề) SỞ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO HÀ NỘI MÃ ĐỀ ĐỀ THI KHẢO SÁT CHẤT LƯỢNG LỚP NĂM HỌC 8 9 Môn: Toán Thời gin: 9 phút (Không kể thời gin phát đề) Câu Cho hàm số y f ( ) có bảng biến thiên như su y / y - + - _ + -

Chi tiết hơn

Bức Thông Điệp Đến Tất Cả Những Ai Tin Nơi Nabi Ysa (Jesus - Giê-su) (

Bức Thông Điệp Đến Tất Cả Những Ai Tin Nơi Nabi Ysa (Jesus - Giê-su) ( Bức Thông Điệp Đến Tất Cả Những Ai Tin Nơi Nabi Ysa (Jesus - Giê-su) [ فيتيانية Vietnamese ] Tiếng Việt Abu Abdul-Malik Waleed Bin Fahd Al- Wid aan Dịch thuật: Abu Zaytune Usman Ibrahim Kiểm duyệt: Abu

Chi tiết hơn

CDH

CDH Fluid Power Technology & Industrial Automation Xilanh thủy lực Tiêu chuẩn ISO 60 Kiểu CDH Star Hydraulics No. 2/20/8 - Thụy Khuê - Q. Tây Hồ - Hà Nội http://www.thuyluc.com Fax ++84-4-6873585 E-mail: starhydraulics@vnws.com

Chi tiết hơn

BỘ GIÁO DỤC & ĐÀO TẠO CỤM 5 TRƯỜNG THPT CHUYÊN ( Đề thi gồm có 8 trang ) KỲ THI THỬ THPT QUỐC GIA NĂM HỌC MÔN TOÁN Thời gian làm bài : 90 ph

BỘ GIÁO DỤC & ĐÀO TẠO CỤM 5 TRƯỜNG THPT CHUYÊN ( Đề thi gồm có 8 trang ) KỲ THI THỬ THPT QUỐC GIA NĂM HỌC MÔN TOÁN Thời gian làm bài : 90 ph BỘ GIÁO DỤ & ĐÀO TẠO ỤM 5 TRƯỜNG THT HUYÊN ( Đề thi gồm có 8 trg ) KỲ THI THỬ THT QUỐ GIA NĂM HỌ - 8 MÔN TOÁN Thời gi làm bài : 9 phút Đợt thi //8 &//8 Họ và tê : Số báo dh : Mã đề thi âu : ho hàm số y

Chi tiết hơn

Microsoft Word - مقدمه.doc - pdfMachine from Broadgun Software, a great PDF writer utility!

Microsoft Word - مقدمه.doc - pdfMachine from Broadgun Software,   a great PDF writer utility! دانشکده فني مهندسي گروه برق پاياننامه کارشناسی گرايش: مخابرات عنوان: تست اسكن مرزي با استفاده از FPGA استاد راهنما: دكتر گل محمدي نگارش: مرتضي تهذيبي شهريور ۸۷ فهرست ۵... مقدمه... فصل اول دلايل استفاده

Chi tiết hơn

BỘ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO

BỘ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO BỘ GIÁO DỤC VÀ ĐÀO TẠO TRƢỜNG ĐẠI HỌC MỎ - ĐỊA CHẤT ĐỖ NGỌC TƢỚC NGHIÊN CỨU CÔNG NGHỆ VẬN TẢI ĐẤT ĐÁ HỢP LÝ CHO CÁC MỎ THAN LỘ THIÊN SÂU Ở VIỆT NAM Ngành: Khai thác mỏ Mã số: 62.52.6.3 TÓM TẮT LUẬN ÁN

Chi tiết hơn

Truy cập website: hoc360.net để tải tài liệu đề thi miễn phí Chuyên đề nâng cao 1 TAM GIÁC ĐỒNG DẠNG MA' MB ' MD ' MB ' 1.1. Trên tia đối tia MA lấy D

Truy cập website: hoc360.net để tải tài liệu đề thi miễn phí Chuyên đề nâng cao 1 TAM GIÁC ĐỒNG DẠNG MA' MB ' MD ' MB ' 1.1. Trên tia đối tia MA lấy D Chuyên đề nâng cao 1 TAM GIÁC ĐỒNG DẠNG MA' MB ' MD ' MB ' 1.1. Trên tia đối tia MA lấy D sao cho MD ' = MA' mà = ( gt) = = BC CA BC CA Xét MD ' B' và CBAcó D' MB = BCA ( cùng bù với góc A MB ) Và MD '

Chi tiết hơn

HƯỚNG DẪN GIẢI ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA MÔN TOÁN NĂM 2018 TRƯỜNG THPT CHUYÊN TRẦN PHÚ HẢI PHÒNG Câu 1: Trong khai triển 8 a 2b, hệ số của số hạng chứa

HƯỚNG DẪN GIẢI ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA MÔN TOÁN NĂM 2018 TRƯỜNG THPT CHUYÊN TRẦN PHÚ HẢI PHÒNG Câu 1: Trong khai triển 8 a 2b, hệ số của số hạng chứa HƯỚNG DẪN GIẢI ĐỀ THI THỬ THPT QUỐC GIA MÔN TOÁN NĂM 8 TRƯỜNG THPT CHUYÊN TRẦN PHÚ HẢI PHÒNG Câu : Trong khi triển 8 b, hệ số củ số hạng chứ b là: - B 7 C 56 8 8 Công thức: 8 b C k b k k k k 8 Hệ số củ

Chi tiết hơn

Bản quyền thuộc Học Như Ý. All rights reserved 1

Bản quyền thuộc Học Như Ý. All rights reserved 1 1 Chương TỈ SỐ VÀ SỰ ĐỒNG DẠNG 1 TỈ SỐ CỦA HAI ĐOẠN THẲNG TÓM TẮT PHẦN LÝ THUYẾT Tỉ số của hai đoạn thẳng Là tỉ số độ dài của chúng theo cùng một đơn vị đo. Hai đoạn thẳng AB và CD gọi là tỉ lệ với hai

Chi tiết hơn

HOC360.NET - TÀI LIỆU HỌC TẬP MIỄN PHÍ THƯ VIỆN ĐỀ THI THỬ THPTQG 2018 Đề thi: THPT Lê Quý Đôn-Đà Nẵng Câu 1: Cho hình chóp tam giác đều S.ABC có độ d

HOC360.NET - TÀI LIỆU HỌC TẬP MIỄN PHÍ THƯ VIỆN ĐỀ THI THỬ THPTQG 2018 Đề thi: THPT Lê Quý Đôn-Đà Nẵng Câu 1: Cho hình chóp tam giác đều S.ABC có độ d THƯ VIỆN ĐỀ THI THỬ THPTQG 8 Đề thi: THPT Lê Quý Đôn-Đà Nẵng Câu : Cho hình chóp tam giác đều S.ABC có độ dài cạnh đáy bằng a, góc hợp bởi cạnh bên và mặt đáy bằng 6.Tính thể tích khối chóp đã cho. a B.

Chi tiết hơn